كتب جوني منيّر في " الجمهوربة": تجهد
القوى السياسية لمقاربة الإستحقاق البلدي بشيء من الحذر، ما يجعلها تختبئ خلف اعتبارها أنّ ظروف المعركة البلدية تختلف بمقدار كبير عن معاني المعارك النيابية. لكن الحقيقة أنّ هذه القوى نفسها تعمل في الخفاء وفق حساباتها وأهدافها السياسية تحضيراً للإنتخابات النيابية وأحجامها للمرحلةالمقبلة. فبين آخر إنتخابات نيابية في العام 2022 والإنتخابات المقبلة في 2026 تبدّلات جذرية وفوارق أساسية، ليس فقط بسبب الحرب المدمّرة التي شهدها
لبنان ، بل أيضاً مع الإنتقال من عهد
الرئيس ميشال عون الى عهد الرئيس
جوزاف عون ، وانتقال البلد برمته من المرجعية
الإيرانية إلى الرعاية
السعودية . وبخلاف اعتقاد البعض، فإنّ حصر التبدّلات بالساحة
الشيعية فقط هو اعتقاد مغلوط، وهو ما يستوجب أخذ العِبَر والدروس السريعة لنتائج الإنتخابات البلديةفي الاعتبار، لا بل إجراء التقييم السياسي والشعبي الفعلي لها. والسؤال الأبرز هنا يبقى ما إذا كانت الحسابات كافية للتعويل عليها لرسم صورة أولية لخريطة التحالفات النيابية؟ في الواقع هنالك سؤالاً أساسياً يتمّ طرحه في استمرار من دون وجود إجابة له، والمقصود به عن «حالة » رئيس الجمهورية
العماد جوزاف عون في
الساحة المسيحية وإمكانية ترجمتها على المستوى النيابي. عندها ستصبح الحسابات مختلفة بنحو كامل والتحالفات ستتبدّل جذرياً. لا شك في أنّ أي إشارة أو حركة لم تظهر من جهة عون ولا من المحيطين به، يستشف منها وجود رغبة لديه بترجمة حضوره الشعبي بكتلة نيابية. وجهدت بعض المؤسسات المتخصصة بالشأن الإنتخابي في محاولة لتقديم مشورتها ودراساتها وأرقامها في هذا المجال، لكنها لم تجد سوى أبواب مغلقة. وعلى رغم من ذلك تتمسك بعض الشخصيات المناطقية بأنّها تريد خوض الإستحقاق النيابي، ولو في شكل متفرّق، وعلى أساس أن تكون متناغمة مع توجهات
قصر بعبدا . لكن حتى الساعة لم يظهر ما يوحي بوجود إشارات مشجعة. ومن هنا يعتقد بعض المراقبين أنّ «الملاطفة » الإعلامية التي يعتمدها
جعجع أو
باسيل على حدّ سواء تجاه رئيس الجمهورية إنما تهدف إلى عدم إثارته ودفعه للذهاب إلى دعم مرشحين للإنتخابات النيابية. فالأول يريد الإستئثار بالتمثيل المسيحي، وهو يعتقد أنّ الظروف مؤاتية لذلك وبعدها لكل حادث حديث. والثاني يخشى من تسرّب مزيد من قاعدته الشعبية وانتقالها إلى فلك رئيس الجمهورية. في المقابل هنالك من يضع قرار عون بالبقاء بعيداً من التوازنات النيابية بمثابة الخطأ الذي سيجعله عارياً على المستوى السياسي أمام قوى ستعمل على استهدافه لحساباتها الذاتية والخاصة. لأجل كل ما سبق، ستختزن حركة الإنتخابات البلدية ونتائجها مؤشرات نيابية وسياسية للحقبة الجديدة التي دخل إليها لبنان.