إذا عدنا إلى النص الحرفي غير المترجم لاتفاق وقف إطلاق النار، الذي وافق عليه " حزب الله " بشخص رئيس مجلس النواب نبيه بري ، وقبل أن يصبح نافذًا بعد موافقة حكومة "معًا للإنقاذ"، يمكننا التوقف عند عبارة "بدءًا من جنوب الليطاني" بالنسبة إلى تسليم "المقاومة الإسلامية" لسلاحها بكل أنواعه إلى الدولة اللبنانية ، وبالتحديد إلى الجيش، الذي أعلن بلسان قائده الجديد العماد رودولف هيكل من داخل مجلس الوزراء ، أن المنطقة الواقعة جنوب الليطاني قد أصبحت خالية من أي سلاح غير السلاح الشرعي، الذي تحدّثت عنه مقدمة الاتفاق. هي خطوة مهمة، وإن كان البعض يشكّك في صحة هذه المعلومات مئة في المئة، إذ يُعتقد أن ثمة بعض المخازن، وعددها نحو سبعين مخزنًا لم يسّلم بعد إلى الجيش.
هي خطوة مهمة كما يراها كثيرون من المراقبين، ولكنها لن تعود كذلك إذا لم تتبع بخطوات ملحقة واستكمالية لتشمل في مرحلة لاحقة المنطقة الواقعة شمال الليطاني قبل أن تتوسع بالكامل لتشمل كل الأراضي اللبنانية. ولكي يصل
لبنان إلى هذه المرحلة المتقدمة لا بدّ من أن تتم عملية تسليم "الحزب" سلاحه بروية ومن دون تسجيل أي مواقف بطولية في غير محلها. وهذا التسليم إن لم يكن نابعًا من قناعة جماعية من قِبل القيادتين السياسية والعسكرية في "حزب الله" بأن السلاح الشرعي المدعوم بوحدة داخلية هو وحده الذي يحمي كل لبنان وجميع اللبنانيين من كل أذى خارجي أو داخلي، خصوصًا أن ما قام به الجيش من خطوات أمنية استباقية في الداخل قد أدّت إلى إحباط أكثر من عملية تخريبية كان المقصود منها إثارة فتنٍ متنقلة تستهدف السلم الأهلي وحال الاستقرار النسبي، التي يعيشها لبنان، بغض النظر عمّا يحدث على الحدود الجنوبية والشمالية – الشرقية، والتي تُترك معالجتها للرعاة الدوليين عبر لجنة مراقبة تنفيذ اتفاق الهدنة في ما خصّ الوضع غير
الطبيعي الذي تشهده الحدود الجنوبية، التي يُفترض أن يدخل استقرارها حيز التنفيذ بعد انسحاب
إسرائيل من كل شبر من الأراضي اللبنانية، التي لا تزال محتّلة.
أمّا بالنسبة إلى الحدود الشرقية – الشمالية فيترك أمر بتّها إلى
اللجان الوزارية
السورية – اللبنانية المشتركة، التي تمّ التوافق على تشكيلها على أثر زيارة رئيس الحكومة نواف سلام لدمشق ولقائه الرئيس السوري أحمد
الشرع . وفي ضوء ما يمكن أن يتمّ التوافق عليه عبر هذه اللجنة الوزارية من نقاط لا تزال عالقة بين
البلدين ، ومن بينها وعلى رأس أولوياتها ترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان وسوريا، على أن يسبق هذه الخطوة تفعيل المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل بوساطة أميركية لتثبيت ترسيم الحدود بين البلدين كمرحلة نهائية لصراع تاريخي طويل بينهما لن تنتهي مفاعيله قبل انسحاب إسرائيلي كلي وكامل وشامل من كل شبر من الأراضي اللبنانية المحتلة، على أن يبقى تحديد هوية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا رهن المفاوضات اللبنانية – السورية، مع ترجيح احتمال أن تعود ملكيتها إلى الدولة السورية وفق ما لدى السوريين من خرائط ووثائق تثبت "سورية" هذه المزارع وتلك التلال التي تحتلها إسرائيل منذ زمن بعيد.
وفي رأي أكثر من خبير سياسي أنه متى رُسمّت الحدود الجنوبية ومن بعدها أو بالتوازي الحدود الشمالية والشرقية ومن ثم تحديد هوية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وبعد استكمال حلقات تسليم سلاح "حزب الله" الثقيل منه والمتوسط، يمكن
القول إن مسيرة العهد انطلقت بزخم غير مسبوق. أما السلاح الفردي، وهو متوافر بكثرة في أيدي جميع اللبنانيين وليس فقط في أيدي عناصر "الحزب" فله خطة أخرى تتلازم مع استكمال تجريد الفصائل
الفلسطينية من سلاحها المتنوع الأحجام من داخل المخيمات وخارجها.
إلاّ أن تصريح الأمين العام لـ "حزب الله" الشيخ نعيم قاسم بالنسبة إلى موضوع تسليم السلاح قد أعاد عقارب الساعة إلى الوراء، وأعاد بالتالي خلط الأوراق بعدما أطاح بالمبادرة التي قام بها الرئيس
نبيه بري ، ولكن من دون أن يعني ذلك أن ثمة تباينات بين موقف "الحزب" الذي عبّر عنه قبل الأمين العام مسؤول وحدة الارتباط في "الحزب" الحاج وفيق صفا، الذي رفض أي حديث عن تسليم سلاح "المقاومة الإسلامية"، وبين حركة "أمل".
فهذا الاعتراض من جانب "الحزب" يندرج، وفق ما تصفه أوساط سياسية مراقبة، في إطار استباق أي بحث أو تفاوض على الورقة التي تملكها
إيران في لبنان، وتاليًا ما يمكن أن يضعف موقفها، فيما مقاربة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون قد يراها البعض في الخارج والداخل مرنة كثيرًا وتتيح إيجاد مخارج مناسبة لـ "الحزب" والبلد.
أما رسالة الحزب وشروطه حول
الموقف من سلاحه فيرى كثر أنها لا تنفصل عن
الرسالة التي جاءت من العراق إزاء انزعاج بغداد من
كلام الرئيس
عون.