على الرغم من إعلان
الرئيس سعد الحريري في 14 شباط الماضي، عودة
تيار "
المستقبل " إلى العمل السياسي، وقوله صراحة إنّ
التيار سيكون "صوتكم في كل الاستحقاقات الوطنيّة وبكل
المحطات الآتية"، اختار "الغياب" عن أول هذه الاستحقاقات، أي الانتخابات البلدية والاختيارية، المفترضة الشهر المقبل، مؤجّلاً العودة "الموعودة" إلى الانتخابات النيابية المقرّرة العام المقبل، هذا إن لم يتراجع عنها في اللحظة الأخيرة.
فبعد صمت طويل، منذ بدء التحضيرات للانتخابات البلدية، التي لم يغب عنها محسوبون على التيار "الأزرق"، أعلن
الحريري أنّه وجّه التيار بأن "لا يتدخل في هذه الانتخابات في كل
البلدات والمدن
اللبنانية "، لا ترشيحًا ولا تأييدًا، وكشف أنّ هذا القرار يشمل الانتخابات البلدية في العاصمة بيروت، ومحذّرًا سلفًا من "أيّ محاولة من أيّ طرف في العاصمة بأن ينصب نفسه متحدّثًا باسم التيار أو وصيًا على جماهيره"، على حدّ وصفه.
وبرّر الحريري قراره بمقاطعة الانتخابات البلدية، بما وصفه الطابع العائلي والإنمائي لهذه الانتخابات، فضلاً عن قناعته بأنّ الانتخابات البلدية هي "انتخابات أهلية إنمائية غير سياسية"، على الرغم من تأكيده بأنّ "تيار المستقبل" لطالما حمل على كاهله، منذ أيام الرئيس
الشهيد
رفيق الحريري ، مسؤولية إشراك كل المكونات السياسية والاجتماعية والطائفية والعائلية في
تحالف انتخابي في العاصمة، فكيف يُفهَم قراره إذًا، وأيّ تبعات له على الأرض؟
قرار "متوقّع"؟
على الرغم من أنّ قرار الحريري جاء متأخّرًا، بعدما بدأت التحضيرات للانتخابات البلدية، وقد دخل في صلبها مقرّبون منه، إلا أنّه لم يبدُ مفاجئًا، بل على العكس من ذلك، كان متوقّعًا، وقد بدأ المحسوبون على "المستقبل" بالتمهيد له في الأيام الأخيرة، علمًا أنّه أثار ردود فعل متباينة في الأوساط السياسية، بين من اعتبر أنّ "العودة" لا بدّ أن تتمّ في انتخابات نيابية، لا بلدية، ومن ربطه بعوامل إقليمية ودولية، وربما بـ"فيتو" يقال إنّه لم يُسحَب به.
وفي هذا السياق، لم يبدُ تذرّع الحريري بـ"الطابع العائلي والإنمائي" للانتخابات البلدية مقنعًا لكثيرين في تبرير الانكفاء، ولو كان صحيحًا في جانب منه، بالنظر إلى "تداخل" العوامل السياسية والمحلية في هذا الاستحقاق، علمًا أنّ تيار "المستقبل" لطالما شارك، شأنه شأن سائر القوى السياسية، في هذه الانتخابات، مع مراعاة "الخصوصية" التي تحملها، خصوصًا على مستوى العائلات، واحترام التوازنات التي تنطوي عليها.
وفيما ربط كثيرون قرار الحريري بالظروف
الإقليمية والدولية التي لم تنضج بعد، خصوصًا أنّ "
العهد " لم ينطلق بعد كما يجب وكما يرغب سيدة وجميع اللبنانيين بانتظار تحقّق شروط
المجتمع الدولي ، ثمّة من رأى أنّ القرار لا يتناقض مع ما قاله الحريري في 14 شباط، باعتبار أنّ ما قصده بالاستحقاقات الوطنية حينها كان الانتخابات النيابية تحديدًا، التي يريد من خلالها إثبات الحيثية السياسية والشعبية، وأنّه كان يتوقع أن يؤجَّل الاستحقاق البلدي لبضعة أشهر.
انعكاسات على انتخابات بيروت
ومع أنّه كان متوقّعًا، فاجأ قرار الحريري كثيرين، ممّن كانوا يمنّون النفس على الأقلّ بمشاركة الحريري، على الأقلّ في انتخابات العاصمة بيروت، إن لم يكن بشكل مباشر، عبر ترشيح شخصيات محدّدة محسوبة عليه، فعلى الأقل عبر تأييد تحالف وطني
عابر للطوائف، خصوصًا أنّ الهواجس الطائفية المرتبطة بوصول مجلس بلدي لا يحترم المناصفة في بيروت، تتفوّق على ما وصفه بالطابع العائلي والإنمائي لهذه الانتخابات.
وليس خافيًا على أحد أنّ النقاشات كانت قد بدأت فعليًا، بشأن نسج تحالف وطني عريض في بيروت، خصوصًا مع إعلان
رئيس مجلس النواب نبيه بري في وقت سابق أنّ ضيق الوقت يحول دون المضيّ باقتراحات تعديل القانون، والسير مثلاً باللوائح المقفلة التي تضمن المناصفة، وحديثه عن ضرورة قيام "أوسع تحالف تنخرط فيه الأحزاب والتجمعات السياسية والعائلات؛ خصوصاً الفاعلة منها، شرط أن تلتزم بالاقتراع للائحة الأقرب إلى تحقيق المناصفة".
من هنا، يُعتقَد أن موقف الحريري ستكون له انعكاسات مباشرة على الانتخابات في بيروت، وعلى حظوظ هذا
التحالف تحديدًا، ولا سيما أنّه كان يُنظَر إلى دعم الحريري لأيّ لائحة، بوصفه "ضمانة"، كما كان والده سابقًا، ما منع أيّ ضرب للتوازنات في بلدية بيروت، على الرغم من طبيعة القانون، علمًا أنّ هناك من يخشى أن يؤدي اعتكاف الحريري إلى "فوضى" في التحالفات والترشيحات، في ظلّ توقعات بقيام تحالف "
تغييري " ربما في وجه تحالف الأحزاب.
بالنسبة إلى المحسوبين على الحريري، فإنّ "خصوصية" الانتخابات البلدية والاختيارية، تجعلها خارج تصنيف "الاستحقاقات الوطنية" التي قال الحريري إنّ تيار "المستقبل" سيكون حاضرًا على خطّها. إلا أنّ هذا "التصنيف" يبدو مثيرًا للكثير من الجدل، خصوصًا أنّ هذا الطابع لم يغيّب التيار يومًا عن الاستحقاق، فهل هو مجرّد "غطاء" لتبرير تمديد مرحلة الاعتكاف، وهل يعني ذلك التراجع عن "وعد" العودة، أم تمسّكًا بشعار "كل شي بوقته حلو"؟!