تسعى إسرائيل إلى توسيع وجودها في الأراضي
السورية ، محاولة في الوقت نفسه تصوير نفسها على انها الحامية لدروز سوريا. وفي الاسابيع الماضية أعلن يسرائيل كاتس أنه سيتم السماح للدروز السوريين بعبور الحدود والعمل في مرتفعات الجولان المحتل، وبالتوازي أرسلت إسرائيل أيضاً مساعدات إنسانية إلى بعض المجتمعات الدرزية في جنوب سوريا، وفقاً لوزارة خارجيتها. وأتى ذلك بعد زيارة قام بها مئة رجل دين درزي إلى الكيان
الإسرائيلي حيث عبروا خط الهدنة في مرتفعات الجولان المحتل يوم الجمعة آذار الجاري، في أوّل زيارة من نوعها منذ حوالي 50 عامًا للقاء الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز في إسرائيل
موفق طريف، ورغم أن الزيارة اعتبرها البعض روحية الا انها انها حملت دلالات كثيرة لا سيما وأن ما يحضر من قبل اسرائيل لسوريا ومكوناتها خطير.
يواجه الدروز في سوريا تحديات اخراجهم من عمقهم
العربي والإسلامي بذريعة تقديم الحماية لهم من حكومة بنيامين نتنياهو، يقول استاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية والقيادي في الاشتراكي وليد صافي، وفي المقابل، هناك تباين في الرأي كبير بين مكونات جبل الدروز في ما يتعلق بالعلاقة مع سلطة الحكم الانتقالي. وكذلك تباين في كيفية معالجة المخاوف بعد احداث الساحل التي قتل فيها مدنيون علويون. البعض له مصالح خاصة باستدراج الحماية الاسرائيلية ويسوق لها. اما البعض الاخر فيتمثل بعدة فصائل عسكرية ونخب سياسية وادارية واجتماعية تتحاور مع السلطة الانتقالية وقد توصلوا إلى عدة اتفاقات تتضمن تشكيل جهاز امني من أبناء محافظة السويداء تموله وتشرف عليه الحكومة
السورية من خلال وزارة
الداخلية ، وتشكيل لواء عسكري من أبناء
المنطقة تشرف عليه وزارة الدفاع، حيث تحاول بعض الجهات التي تسوق للحماية الاسرائيلية ضرب هذه الاتفاقيات ونسفها.
إن طلب حماية الدروز الذي تقول حكومة نتنياهو أنه جاء من عدد من ضباط الدروز ورجال الدين في اسرائيل هو، كما يؤكد صافي، ذريعة لمشروع اكبر. إذ لا وجود لتحديات وجودية تواجه الدروز . انما تقوم اسرائيل من خلال بعض الاختراقات في الجبل، بتضخيم المخاوف والتشجيع على عدم الاعتراف بالسلطة الحالية والتفاوض معها.
في الشكل، لا يوجد، كما يقول صافي، اي طلب من دروز الجبل الى الحكومة الاسرائيلية بحمايتهم، بل على العكس هناك قناعة عند قسم غير قليل منهم، بأن الدروز اقوياء ويستطيعون الدفاع عن انفسهم إذا ما تعرضوا لمخاطر. ويقولون : كيف لشخص مثل نتنياهو متهم بجرائم الحرب وفاقد للثقة من غالبية مواطني كيانه، ومتهم بالتقصير في حماية الاسرائيليين ان يقدم نفسه حامياً للدروز او غيرهم؟ الحماية المطروحة برأيهم هي ذريعة لمشروع اكبر من دروز سوريا والمنطقة.
يتراوح المشروع بين اقامة منطقة عازلة بعمق 65 كلم تكون فيها لإسرائيل نفوذاً سياسياً واستخباراتياً وتحتفظ بالتواجد على مرتفعات جبل الشيخ ، وبين تقسيم سوريا إلى اربع دول وهي : دولة درزية بحماية اسرائيلية، دولة علوية بحماية روسية، دولة سنية في الشمال والوسط بحماية تركيا ودولة للأكراد في شرق سوريا بحماية أميركية اسرائيلية. تقسيم سوريا ، كما يؤكد الدكتور صافي، هو مشروع قديم وجديد ومن المعروف أن نتنياهو قد صرح امام المحكمة التي كانت تحاكمه بتهم الفساد المالي "انه لاول مرة تتغير حدود سايكس بيكو منذ مئة عام ". وقد صرح وزير الحرب الاسرائيلي أن إسرائيل باقية في
المنطقة العازلة ومرتفعات جبل الشيخ إلى اجل طويل .
اذن القصة ، بحسب القيادي في الاشتراكي، ليست حماية الدروز ، بل استخدامهم في مشروع امتداد النفوذ الاسرائيلي. كما استقدامهم في مواجهة السلطة الحاكمة التي تمثل الأكثرية السنية في سوريا . اسرائيل تنظر إلى هذه السلطة على " أنها امتداد للنفوذ التركي الذي يحمل نكهة عثمانية". لذلك تسعى اسرائيل لبعث تحالف الاقليات في وجه الأكثرية السنية، وهذا ما حذر منه الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في الذكرى الثامنة والأربعين لاستشهاد كمال جنبلاط، اذ دعا دروز جبل العرب إلى الحفاظ على تراثهم
العربي والإسلامي، وعدم دق اسفين في مشروع الدولة
السورية والانجرار الى تحالف الاقليات الذي رفضه كمال جنبلاط.
الوضع في سوريا معقد جداً، وهذه المعركة المفصلية التي تستهدف وحدتها لا يقوى الدروز بمفردهم على مواجهتها، إذ يتطلب الأمر، كما يؤكد صافي، موقفاً عربياً حاسماً لعدم السماح لإسرائيل في قضم الجنوب السوري والدخول في تقسيم سوريا.