منذ أواخر العام 2023 وصولا إلى يومنا هذا، عاد شبح "الأمن الغذائي" ليسيطر على حياة اللبنانيين، بسبب الحرب
الإسرائيلية التي كلّفت البلاد أكثر من 10 مليارات
دولار ، ووضعت حدًا لمهن ووظائف الآلاف بسبب انعدام الموارد، أو تدمير المحال التجارية، خاصة في الجنوب، بعد سياسية اعتمدتها
إسرائيل تمثلت ليس فقط في التدمير، بل في الذهاب أبعد نحو عرقلة حياة اللبنانيين ما بعد الحرب. هذه الاستراتيجية التي قطعت مصدر الرزق عن آلاف العائلات انعكست بأرقام خطيرة صدرت عن الأمم المتحدة، والتي أشارت في آخر تقاريرها إلى أنّ 30 في المئة من السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد مع بداية 2025 في
لبنان وخطر سوء التغذية المستمر، خاصة بعد أن أثّرت الحرب على قطاعي الزراعة والاقتصاد، مما يجعل التعافي بطيئا.
وعلى الرغم من تأثير اللاجئين السوريين المتواجدين في
لبنان على الأرقام التي تصدر عن الجهات المعنية على صعيد الأمن الغذائي، إلا أنّ ذلك لا يلغي أبدًا حجم الأزمة التي يعاني منها اللبنانيون، خاصة وان الارقام الصادرة عن مختلف الجهات والمؤسسات تؤكّد أن اللبنانيين قد دخلوا حتميا مرحلة الخطر مع وجود أكثر من 45% في دائرة الصراع مع الازمات الغذائية التي لن تظهر مرة واحدة، إذ تواليا ستظهر أكثر الارقام التي تمثل صعوبة تأمين الحاجات الغذائية التي ستدفع العدد الأكبر من العائلات إلى الذهاب نحو التخلي عن الانفاق على الحاجات غير الغذائية الأساسية، ويحذّر في هذا السياق مصدر اقتصادي عبر "لبنان24" من خطورة ذهاب هؤلاء إلى تخفيض الانفاق على الأدوية والرعاية
الصحية في سبيل تأمين حاجاتهم الغذائية.
ويلفت المصدر إلى أنّ أهمية هذه التوقعات والأرقام تأتي مترافقة مع الأزمة الاقتصادية التي تنحر بهذه الفئات منذ العام 2019، إذ لم تتمكن الجهات المسؤولة من ضبط الأمور، والرسو نحو شطّ الخطة الاقتصادية اللازمة التي تتمثل بتأمين رعاية صحية للعائلات الأكثر فقرًا، بالاضافة إلى صياغة مشروع قانون واضح يضمن الحد الأدنى اللازم من الاجور، والذي من شأنه أن يساهم في دعم هذه العائلات إلى حين وضع خطة اقتصادية كاملة متكاملة، ذلك بالاضافة إلى ضمان استرجاع أموال اللبنانيين المصادرة داخل المصارف، والتي كانت ستسعفهم في حال استطاعوا الحصول عليها في هذه الظروف، علمًا أنّ أرقام البنك الدولي تؤكّد ان أكثر من 166 ألف شخص فقدوا وظائفهم منذ بدء الحرب
الإسرائيلية على
لبنان ، ولجوء أكثر من 60% من هؤلاء إلى العمالة المؤقتة الهشة لم تساهم في الحدّ من تدهور أوضاعهم الاقتصادية، خاصة وأن أرقام فرص العمل المتوفرة لا تبشّر بالخير، إذ إنّ أغلب السكان الذين يعانون من خطورة تردي وضع أمنهم الغذائي يعملون في القطاع الزراعي، وإن تعطّل هذا القطاع في القرى التي شهدت اعمال تخريب ممنهجة للأراضي الزراعية فاقم الأزمة وحرم الآلاف من مصادر رزقهم، وأثّر بطبيعة الحال على الدورة الاقتصادية المترابطة، حسب المصدر.
على صعيد آخر، لفت المصدر الاقتصادي لـ"لبنان24" إلى أنّ كل هذه السلبية والأزمات رافقها العامل المؤثر الأكبر ألا وهو التضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية، إذ ارتفعت كلفة السلة الغذائية التي تحتاجها الأسرة المقيمة في
لبنان . وتأكيدًا على تقرير سابق لـ"لبنان24" تحت عنوان "الغلاء يسبق الدخل.. كم تحتاج العائلة اللبنانية شهريا؟" والذي طرح معاناة الاسرة في تأمين السلة الغذائية الأساسية، فقد لفت المصدر إلى أنّ كلفة الحد الأدنى للمعيشة لعائلة من خمسة أفراد تقدر حاليا بـ 40.5 مليون ليرة لبنانية شهريًا، بينما تصل كلفة تأمين الاحتياجات الأساسية إلى 50.3 مليون ليرة، بزيادة سنوية تتراوح بين 19% و23%، مشددًا على أنّ المساعدات المقدمة من برنامج "أمان" والبنك الدولي لم تعد كافية، حيث تغطي فقط 53% من الاحتياجات الغذائية و10% من النفقات الأخرى. أما المساعدات المقدمة للاجئين السوريين، فلم تعد تغطي سوى 53% من كلفة الغذاء و17% من النفقات غير الغذائية.
في هذا السياق يقول الخبير الاقتصادي والاستاذ الجامعي المحاضر د. أشرف أبو قيس أنّه من المتوقع أن يستمر انعدام الأمن الغذائي في
لبنان خلال هذه الفترة، مشيرًا إلى أنّه في حال تم ربط الأرقام الاخيرة الصادرة عن برنامج الأغذية العالمي مع الاوضاع الحالية فإنّه لن تكون هناك عودة سريعة إلى الوضع السابق للأزمة.
ويلفت أبو قيس إلى أنّ الارقام التي يشترك فيها اللبنانيون مع اللاجئين تستدعي التوقف عند المعايير التي يجب أن تُسَقَط فقط على اللبنانيين دون اللاجئين والتي تتمثل في قياس انعدام الامن الغذائي وتحديد قدرة الافراد على الحصول على غذاء كاف وآمن، ومن أهم هذه المعايير:
- مدى توفر الغذاء، وبكلمات أخرى مدى قدرة الدولة على انتاج واستيراد ما يكفي من الغذاء لتلبية حاجات السكان.
- إمكانية الوصول إلى الغذاء، ويشمل القدرة الاقتصادية للأفراد على شراء الغذاء، ومدى توفره في الاسواق المحلية.
- استقرار الإمدادات الغذائية، ومدى تأثير الأزمات الاقتصادية والكوارث الطبيعية والصراعات على تدفق الغذاء واستدامته.
- الاستخدام والاستفادة من الغذاء، وجودة الغذاء المتاح ومدى قدرة الافراد على استهلاكه بطرق تضمن التغذية الجيدة والصحية.
- وأخيرا، السياسات الغذائية بالاضافة إلى ضمان وجود برامج حكومية لدعم الامن الغذائي، مثل الدعم الزراعي وشبكات الأمان الاجتماعي.
ويشير أبو قيس إلى أنّ مهمة كبيرة جدًا تقع على عاتق الحكومة الحالية، إذ إنّ تفعيل الاستراتيجيات الفعّالة تعتبر أكثر من ضرورة، ومن أهمّ هذه الاستراتيجيات، يقول أبو قيس، أنّه يجب البدء أولا بتعزيز القطاع الزراعي من خلال إعادة بناء البنية الزراعية من خلال تقييم الأضرار والخسائر الزراعية لتحديد الاحتياجات وتوجيه جهود التعافي، وهذا يشمل إعادة بناء البنية التحتية للزراعة وتوفير الدعم للمزارعين.
أضاف:" لا بدّ من دعم الانتاج المحلي وتعزيز الانتاج الزراعي المحلي من خلال تمويل وتدريب المزارعين، بالاضافة إلى تعزيز المساعدات الانسانية من خلال زيادة توزيع المساعدات الغذائية للفئات الأكثر تأثرًا، ودعم سبل عيش المجتمعات المتأثرة، بالاضافة إلى أهم نقطة ألا وهي تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية للحصول على الدعم الفني والمادي اللازم".