قدم سوريون لاجئون في لبنان شهادات توثق ارتكاب مسلحين "مجازر وإبادة جماعية" بحق الطائفة العلوية في سوريا، بحسب "فرانس برس".
وخلال ثلاثة أشهر، نجا ذو الفقار علي من الموت مرتين، آخرهما حين فرّ على غرار الآلاف من العلويين من المجازر التي شهدها الساحل السوري
الشهر
الحالي ، إلى
المنطقة الحدودية في شمال
لبنان .
وفي قرية المسعودية الحدودية في أقصى محافظة عكار، يقول علي البالغ 47 عاماً الذي كان يقيم أساساً في مدينة حمص في وسط سوريا: "كنت في الساحل منذ بداية العام من أجل الخضوع لعلاج.. إلى أن وقعت الأحداث".
ويروي الظروف الصعبة التي دفعته وعائلته للفرار إلى شمال
لبنان خلال عمليات عسكرية شنتها قوات الأمن التابعة للسلطات
السورية في المناطق ذات الغالبية العلوية في الساحل السوري ومحيطه، بدءا من السادس من آذار.
ويوضح الرجل وهو أب لطفلين "جاء (مسلحون) أجانب، وليسوا سوريين، حتى أنهم لا يتحدثون
العربية . جل ما قالوه: علويون، خنازير، اذبحوهم".
ولم تكن تلك المرة الأولى التي نجا فيها علي من الموت بأعجوبة. و مطلع العام
الحالي ، ومع سيطرة فصائل مسلحة تقودها هيئة تحرير الشام على السلطة بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، يقول علي الذي يمشي على عكازين، إن عدداً من عناصرها طرقوا باب المنزل.
ويضيف "سألوا: كم شابا يوجد هنا؟ وطلبوا مني الخروج مع شقيقيّ الى الخارج، حيث أطلقوا الرصاص علينا"، ما أسفر عن مقتل شقيقيه وإصابته هو. ويوضح "ظنوا أنني قُتلت".
وشهدت منطقة الساحل السوري على مدى أيام في آذار أعمال عنف اتهمت السلطات مسلحين موالين للرئيس المخلوع بشار الأسد بإشعالها عبر شن هجمات دامية على عناصرها.
وأرسلت السلطات تعزيزات عسكرية إلى المناطق ذات الغالبية العلوية، وتحدث المرصد السوري لحقوق الإنسان عن ارتكابها ومجموعات رديفة لها مجازر وعمليات "إعدام ميدانية"، أسفرت عن مقتل أكثر من 1600 مدني غالبيتهم الساحقة من الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد، ووقعت غالبية المجازر يومي 7 و8 آذار.
وقضت عائلات بأكملها، تضم نساء وأطفالا ومسنين، واقتحم مسلحون منازل وسألوا قاطنيها عما إذا كانوا علويين أو سنة، قبل قتلهم أو العفو عنهم، وفق شهادات ناجين ومنظمات حقوقية ودولية.
ووثق المسلحون أنفسهم عبر مقاطع فيديو قتلهم أشخاصاً بلباس مدني عبر إطلاق الرصاص من مسافة قريبة، بعد توجيه الشتائم وضربهم.
وتمكن علي الذي كان يملك متجرا لبيع الهواتف الخلوية في مدينة حمص، من الفرار مع عائلته إلى شمال
لبنان المجاور للساحل السوري، حيث يقيم في قاعة تدريس داخل مدرسة تحولت على عجل إلى مركز إيواء في قرية المسعودية، إحدى القرى العلوية في منطقة عكار.
وتتشارك العائلات الغرف وقاعات المدرسة التي تفيض بقاطنيها من نساء وأطفال ورجال، يفترشون الأرض على فرش وبطانيات وقرب بعضهم أكياس وضعوا فيها ملابسهم.
إبادة لا مجازر
ودفعت أعمال العنف نحو 16 ألف شخص للفرار إلى شمال
لبنان ، وفق السلطات، خصوصاً إلى القرى والبلدات ذات الغالبية العلوية.
ويضاف هؤلاء إلى قرابة 1,5 مليون لاجئ سوري في
لبنان ، قدموا تباعا على وقع المعارك في سوريا إثر اندلاع النزاع في العام 2011، وتطالب السلطات اللبنانية منذ سنوات بإعادتهم إلى بلدهم.
ويقول رئيس بلدية المسعودية علي أحمد العلي، إن تلبية احتياجات تدفق مئات العائلات إلى القرية التي يقطنها أساسا عشرة آلاف نسمة، "تفوق طاقة البلدية".
ويشرح بينما ينتظر عشرات اللاجئين أمام المجلس البلدي للحصول على خدمات طبية، قال: "واجبنا الإنساني أن نستقبلهم ولا يمكن أن نتخلى عنهم، لذا نطالب الدولة اللبنانية بالمسارعة لإيجاد حل".
وعلى غرار ذو الفقار علي، يؤكد لاجئون آخرون أن الانتهاكات بحق الأقلية العلوية كانت قد بدأت منذ الإطاحة بالأسد.
يروي سمير حسين إسماعيل (53 عاما)، وهو مزارع من قرية أرزة ذات الغالبية العلوية في ريف حماة الشمالي، أن قريته تعرضت لهجوم في نهاية كانون الثاني أسفر عن مقتل تسعة من سكانها. و حينها، فرّ إسماعيل من مسقط رأسه ووافته عائلته لاحقا.
ويوضح أنه "في السابع من آذار، دخلوا مجددا إلى القرية وأبادوها"، مشيراً إلى أنَّ "6 من أولاد أعمامه كانوا في عداد 33 شخصاً قتلوا يومها".
ويقول بحرقة: "ما حصل بعد السابع من
الشهر
الحالي هو إبادة وليس مجازر.. لقد هربنا من الويل والجحيم".
حماية دولية
وتجمع شهادات سكان وناجين على ارتكاب مجازر في أحيائهم ومناطقهم حيث تمت تصفية رجال وشباب بإطلاق الرصاص عليهم من مسافة قريبة، بعد التأكد من كونهم علويين.
ويطالب هؤلاء بـ"حماية دولية" تمكنهم من العودة إلى مناطقهم والعيش بأمان تحت كنف السلطة التي كلفت بدورها لجنة تحقيق وتقصي حقائق، قالت إنها ستعكف على "جمع ومراجعة جميع الأدلة والتقارير المتاحة" عن الأحداث التي وقعت تحديدا في 6 و7 و8 آذار.
خلال الأسبوع الماضي، وصلت مريم مع ابنها إلى شمال
لبنان ، بعد أسبوع على مقتل زوجها، الجندي في الجيش السابق، لدى محاولته الفرار على غرار آخرين من قريتهم القبو، إحدى القرى العلوية في ريف حمص.
وتقول: "لم يكن أحد يجرؤ على الخروج لتفقد أرضه أو لشراء الخبز" بعدما تمت "محاصرة القرية من الجهات كافة".
وتضيف بحزن: "لم نعد نجرؤ على القول إننا علويون. هل بات ذلك ذنباً؟".
(إرم نيوز)