نشر موقع "العربي" تقريراً جديداً تحدث فيه عن تاريخ العلاقات الإيرانية - اللبنانية، كاشفاً عن تفاصيل وحقائق عديدة لا يعرفها الكثيرون بشأنها.
ويقول التقرير إن أزمة جديدة تعيشها العلاقات اللبنانيّة - الإيرانيّة في الوقت الراهن، وقد برزت إلى الواجهة بشكل واضح بعد قرار الحكومة اللبنانية خلال شهر شباط 2025 منع طائرة إيرانية من الهبوط في مطار رفيق الحريري الدوليّ"، وأضاف: "ما أقدمت عليه الدولة اللبنانية جاء بناء لتحذيرات أميركية أساسها أن إسرائيل تنوي إستهداف المطار في حال هبطت الطائرة الإيرانية فيه، بناءً على مزاعم تفيد بأن الطائرة تحمل أموالاً نقدية لحزب الله".
وتابع: "أثار ما حصل بلبلة وجدلاً في الشارع اللبناني، فاندفع جمهور حزب الله لإقامة تحركات احتجاجية على طريق المطار على مدى أيام، فيما ألغت السلطات اللبنانية جميع الرحلات القادمة من طهران إلى بيروت".
وذكر التقرير أن هذا التوتر الذي حصل على خط طهران - بيروت، يفتحُ الباب أمام سرد لتاريخ العلاقات بين لبنان وإيران.. فكيف بدأت؟ ما هي أبرز مراحلها ومحطاتها؟ وما هي أبرز الأزمات الدبلوماسية بين البلدين؟ ما هي علاقة إيران بحزب الله وكيف تأسست وما الذي ساهم بتعزيزها؟
- في فبراير عام 1979، انتصرت "الثورة الإسلامية" في إيران ما أدى إلى الإطاحة بنظام الشاه محمد رضا بهلوي الذي كان يحكمُ البلاد منذ العام 1941 ولغاية 1979. (1)
- لكن قبل هذه الثورة، كانت علاقات إيران ولبنان مختلفة عما بعدها. يوم 16 نيسان عام 1945، افتتحت إيران أول سفارة لها في لبنان وذلك بعدما اقتصر تمثيل طهران الدبلوماسي على قنصلية عامة لسوريا ولبنان وفلسطين منذ العام 1927.
- يوم 23 شباط عام 1946، عمد لبنان إلى افتتاح سفارة له في إيران، وكان أول سفير له هناك هو سليم حيدر.
- خلال عهد الشاه، تولى رئيس الجمهورية الأسبق الراحل كميل شمعون سدة الرئاسة الأولى في لبنان وذلك من العام 1952 ولغاية 1958. في تلك الفترة، حصل تقارب بين الطرفين خصوصًا من خلال اقترابهما من "حلف بغداد" الذي وقعه العراق وتركيا في شباط 1955.
- خلال فترة حكمه، تبادل شمعون والشاه الزيارات الرسمية، كما أنه كانت لهما علاقات وطيدة مع أميركا وبريطانيا، كما أن الرئيس اللبناني، ومن خلال الأردن، حصل على سلاحٍ موّله الشاه لمواجهة خصومه في "ثورة 1958".
- أما في عهدي الرئيسين اللبنانيين فؤاد شهاب وشارل الحلو، فتبدلت الأمور نوعًا ما، لا سيما بعدما اتهم الشاه السلطات اللبنانية بحماية معارضيه وتسهيل تحركاتهم، والامتناع عن تسليمهم. وقد أدّى هذا الأمر إلى تزعزع العلاقات بين إيران ولبنان، ما أفضى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بسبب لجوء أول رئيس لجهاز "السافاك" وهو الجنرال تيمور بختيار إلى لبنان عام 1969، وذلك بعدما عزله الشاه من منصبه في إيران قبل أن يفر إلى العراق ومن ثمّ إلى لبنان.
- حصل ذلك في عهد الرئيس اللبناني شارل الحلو، حيث امتنعت السلطات اللبنانية في ذلك الوقت عن تسليم بختيار إلى إيران باعتباره من "اللاجئين السياسيين". وإبان مطالبات بتسليمه وهو الأمر الذي لم يحصل، جرى الطلب من بختيار مغادرة لبنان، وهذا ما كان.
- عام 1970، وعند انتخابه رئيسًا للجمهورية في لبنان، سعى سليمان فرنجية لإعادة توطيد العلاقات بين لبنان وإيران. و في سبيل ذلك، أوفد لبنان إلى طهران وفدًا للمشاركة في مؤتمر وكالات الأنباء الإسلامية، وقد ضمّ آنذاك مدير الشؤون السياسية في وزارة الخارجية محمد صبرا والسفير فؤاد الترك والمدير العام لوزارة الإعلام رامز خازن.
- في ذلك المؤتمر، سعى الوفد اللبناني لإعادة ترتيب الوضع مع إيران، فحصل لقاء بينه وبين رئيس الوزراء الإيراني آنذاك أمير عباس هويدا من أجل إعادة العلاقات الدبلوماسية، فكان الجواب إيجابيًا. حينها، طلب الإيرانيون أن تكون بداية إصلاح العلاقة مع لبنان عبر زيارة الرئيس شمعون لطهران، فحصل الأمر من خلال فرنجية إذ ذهب الطرفان إلى إيران، وبعد ذلك صدر بيان لبناني - إيراني مُشترك أعلن عودة العلاقات بين البلدين.
- في أيلول 1971، قدم السفير اللبناني خليل الخليل أوراق اعتماده في إيران، وفي 7 كانون الأول 1978، تولى فؤاد الترك مهام السفارة اللبنانية في طهران حيث شهد على سقوط نظام الشاه إبان الثورة الإسلامية. وبعد الترك، أصبح جعفر معاوية سفير لبنان في إيران بعد انتصار الثورة.
- وضع العلاقات الإيرانية - اللبنانية قبل الثورة اختلف كثيرًا عما أصبح عليه بعدها عام 1979، وفق ما يقول الباحث في الشأن الإيراني محمد شمص لموقع التلفزيون العربي.
- يشير شمص إلى أنّه قبل الثورة، كانت العلاقة بين لبنان ونظام الشاه قائمة على تبادل المصالح بطبيعة الحال، وآنذاك كانت تربط إيران بأميركا وإسرائيل علاقات جيّدة، لكن "بعدما انتصرت الثورة، جرى إغلاق السفارة الإسرائيلية في طهران وحلّت محلها السفارة الفلسطينية".
- في المقابل، يلفت كتاب "العرب وإيران.. مراجعة في التاريخ و السياسة" إلى أنّ "العلاقة بين إيران ولبنان لم تشهد مثل معظم العلاقات العربية - الإيرانية وتيرة واحدة"، مشيرًا إلى أنَّ "الثورة لم تغير أو تبدل في طبيعة علاقات إيران الرسمية مع لبنان".
- يشير الكتابُ ذاته الذي يوثق محطات تاريخية في علاقة إيران والعالم العربي إلى أنَّ علاقة الجمهورية الإسلامية بلبنان لم تبدأ من الصفر عام 1979، والدليل على ذلك هو أنه كانت هناك علاقات دبلوماسية بين البلدين قبل انتصار الثورة.
- رغم ذلك، كانت هناك مراحل مرّت بها العلاقات بين إيران ولبنان بعد الثورة، الأولى كانت بين عامي 1980 و1990، وقد تميزت بأمرين أساسيين، الأول وهو غلبة الطابع غير الرسمي عليها، والثاني غلبة البعد الإيديولوجي الإسلامي على نظرة المسؤولين الإيرانيين إلى لبنان. هنا، فإن سبب الأمر الثاني هو أن الثورة التي شهدتها إيران كانت ضخمة، وكانت نظرة الإيرانيين حينها هو أنه بإمكان الآخرين وخصوصًا المسلمين، أن يقوموا أيضًا بثورة مماثلة تطيح بالحكومات غير الشرعية في بلادهم، وعلى هذا الأساس جاءت فكرة "تصدير الثورة الإيرانية" إلى الخارج.
- ضمن المرحلة الأولى، يعتبر العام 1982 عامًا مفصليًا في علاقة إيران بلبنان، وتحديدًا بعد الاجتياح الإسرائيلي للبلاد. حينها، كانت مؤسسات لبنان مصابة بالإنهاك والترهل في ظل وجود احتلال إسرائيلي، في حين أن منظمة التحرير الفلسطينية خرجت من بيروت بعد الضربات الإسرائيلية.
- قبل ذاك العام، وتحديداً في 8 حزيران 1981، صادق المجلس الإيراني على اقتراح يدعو للسماح للمتطوعين الإيرانيين بالتوجه إلى لبنان لمحاربة إسرائيل، وقد كان ذلك بمثابة تتويج لرغبة الخميني في تصدير ثورته إلى الدول التي توجد فيها تجمعات كبيرة من الشيعة مثل لبنان.
هنا، يقول الباحث محمد شمص لـ"العربي" إنَّه بعد دعم الخميني لمواجهة إسرائيل في لبنان، أرسل الحرس الثوري إلى بيروت 5000 عنصر لتدريب ما عُرف بـ"المقاومة".
- أساس هذه الانطلاقة كانت بذهاب مجموعة من رجال الدين الشيعة في جنوب لبنان إلى إيران وعلى رأسهم الشيخ راغب حرب حيث التقوا بالإمام الخميني. هنا، يقول شمص إنّ اللبنانيين طلبوا دعم إيران للمقاومة، فأظهر المرشد الإيراني كل الدعم، وأضاف: "بالفعل، بدأت هذه العلاقات تتنامى ثم كانت هناك زيارة لأمين عام حزب الله السابق السيد عباس الموسوي وشخصيات أخرى إلى إيران، وعلى هذا الأساس انطلق حزب الله".
- عام 1983، عارضت إيران ما يُسمى باتفاق 17 أيار الذي وقعه لبنان مع إسرائيل، وقد وقفت إيران إلى جانب القوى المُناهضة له في لبنان. وفي العام نفسه، وتحديدًا في 17 نيسان، استهدف تفجير ضخم السفارة الأميركية في المنارة - بيروت، فيما حصل انفجار آخر ضدّهم يوم 23 تشرين الأول من العام نفسه وطال ثكنتي جنود أميركيين في المطار وفرنسيين على طريق الشام، ما أسفر عن سقوط 300 قتيل.
- آنذاك، طلبت الحكومة اللبنانية برئاسة شفيق الوزان من إيران سحب متطوعيها من لبنان، لكن طهران لم تستجب فتم قطع العلاقات إلى عام 1984 بعد تأليف حكومة رشيد كرامي، كما يقول الصحفي اللبناني نقولا ناصيف في مقال له تحت عنوان "إيران ـ لبنان: من التاج إلى العمامة سوء تفاهم دائم".
- في المقابل، تبين من التحقيق أن الحادثين كانا من تدبير حسين شيخ الإسلام زاهدي الذي كان مندوبًا ساميًا لإيران في لبنان وسوريا، وما تبين هو أن الأخير أصدر أوامره بهذا الشأن عن طريق ضابط مخابرات إيراني يدعى "أبو مصلح" وفق ما كشف كتاب "المثلث الإيراني، دراما العلاقات الإيرانية الإسرائيلية الإيرانية".
- المفارقة أنه عام 1985، اندلعت ما يعرف بـ"حرب المخيمات" التي شاركت بها حركة "أمل" ضد الفلسطينيين. حينها، نأى "حزب الله" الذي أسسته إيران بنفسها عن هذه الحرب، وسعى لحث الأطراف المعنية على إنهائها وقد بذلت إيران جهودًا بهذا الشأن.
- استمرت هذه الحرب حتى عام 1988 وقد أسفرت عن سقوط 1000 قتيل و4 آلاف جريح، علمًا أنها توقفت برعاية سوريا التي كانت موجودة بقواتها العسكرية في لبنان. فعليًا، ساهمت هذه الحرب بتنظيم قواعد العمل الفلسطيني في مخيمات بيروت على ألا تدخل القوى الأمنية اللبنانية إليها.
- عام 1988، اندلعت ما يُسمى بـ"حرب الإخوة" بين "حزب الله" الذي تدعمه إيران وحركة "أمل" وذلك حتى العام 1990 وذلك برعاية من سوريا وإيران.
- أما على صعيد المرحلة الثانية بين علاقات إيران ولبنان، فهي تبدأ من العام 1990 ولغاية الـ2005. وفي مطلع تسعينيات القرن الماضي، شهد لبنان نهاية الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1975 وقد تُوّج ذلك بتوقيع ما يعرف بـ"اتفاق الطائف" الذي وقعه الأفرقاء اللبنانيون في مدينة الطائف السعودية عام 1989.
- بحسب كتاب "العرب وإيران، مراجعة في التاريخ و السياسة"، فإنّ الاتفاق المذكور تزامن أيضًا مع توقف الحرب العراقية - الإيرانية، وبعد ذلك بدأ مسار جديد في العلاقة الإيرانية - اللبنانية، كان أساسه احتفاظ إيران بـ"حزب الله" وبتكريس الدعم المطلق له خصوصًا أن إسرائيل كانت ما زالت موجودة في لبنان.
- كانت علاقات إيران بلبنان بلغت ذروة متقدمة، وفي عام 2003، زار الرئيس الإيراني محمد خاتمي لبنان، وقد كان أول رئيس إيراني يزور بيروت. وبين العامين 2000 و 2005، جرى توقيع عشرات الاتفاقيات بين لبنان وإيران في عدة مجالات، فيما جرت زيارات متبادلة بين المسؤولين ووزراء كانت تؤكد أهمية التعاون وضرورته وتوسيع مجالاته.
- وفقًا للكتاب، فإن "العلاقة بين إيران ولبنان ظلت على وتيرة من الاستقرار حتى اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005"، لتبدأ بعد ذلك المرحلة الثالثة من علاقات إيران ولبنان بعد الثورة.
- هنا، يقول الكتاب إنه إثر العام 2005، باتت المواقف في لبنان تجاه إيران متشددة وذلك بعد اتهام الأخيرة بالرغبة في الهيمنة على لبنان. ولغاية العام 2009، عادت العلاقات الرسمية إلى طبيعتها لاسيما بعد تبدلات سياسية شهدها لبنان أبرزها تأليف حكومة وحدة وطنية عام 2008 وانتخاب قائد الجيش السابق ميشال سليمان رئيساً للجمهورية بموجب اتفاق الدوحة في قطر.
- عام 2006، وإثر اندلاع الحرب الإسرائيلية على لبنان، واصلت إيران دعمها لـ"حزب الله"، وبعد انتهاء الحرب مولت مشاريع لإعادة الإعمار في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت.
- اعتباراً من العام 2011 ومع اندلاع الثورة السورية، اتخذت العلاقة بين لبنان وإيران منحى جديدا لاسيما بعد انخراط "حزب الله" في الحرب السورية دعمًا لنظام بشار الأسد.
- العلاقات الرسمية بين الدولتين لم تنقطع بل استمرت على حالها، لكن في المقابل تصاعدت الأصوات المعارضة للنفوذ الإيراني في لبنان، وفي العام 2022، جرى إطلاق ما يُسمى بـ"المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني عن لبنان".
- في ظلّ العلاقة القائمة بين إيران ولبنان، ثمة أيضاً سلسلة من الاتفاقيات المعقودة بين البلدين، لكن الباحث محمد شمص يقول لـ"العربي" إن معظمها مُجمّد وغير مُفعل أو لا يُعمل به.
ويوضح شمص أنه من بين أكثر من 40 اتفاقية بين لبنان وإيران، هناك اتفاقية دفاع مشترك بين الطرفين جرى توقيعها بين عامي 2004 و2005 في عهد رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، لكن لم يجرِ الإعلان عنها بهذا الشكل بسبب ضغوط أميركية مورست على لبنان.
أيضاً، هناك اتفاقيات أخرى قائمة بين لبنان وإيران ومن أبرزها:
- اتفاقية حول التبادل والاستثمارات (تم توقيعها عام 1997)
- اتفاقية حول الازدواج الضريبي (تم توقيعها عام 1998)
- مذكرة تفاهم بين لبنان وإيران تتعلق في سبل تعزيز التعاون بين البلدين في المجالات التجارية والاقتصادية والمصرفية والجمركية والصحية والاتصالات والثقافة والصناعة والتعاون العلمي والقنصلي والبيئي والسياحي والعمل والشؤون الاجتماعية .(تم توقيعها عام 2009)
- اتفاق تعاون بين اتحاد الغرف اللبنانية والغرفة الإيرانية لتطوير التعاون والتبادل التجاري بين البلدين وتفعيله. (تم توقيعه عام 2010).
(موقع التلفزيون العربي)