ناقش رئيس المجلس التنفيذيّ لـ "مشروع وطن الإنسان" النائب نعمة افرام، البيان الوزاريّ لحكومة الرئيس نواف سلام، في كلمة له في المجلس النيابيّ، استهلها بمنح الثقة للحكومة، "لأنني أعرف الوزراء وأرى في بيانهم الوزاري آمال الإصلاح والإنتاجيّة، وهما ركيزتان أساسيتان لنا كـ" مشروع وطن الإنسان" ولمستقبل لبنان".
أضاف افرام: "حان الوقت لإعادة بناء مؤسّسات الدولة اللبنانيّة بعمق. النظام التشغيليّ للدولة قديم، فالموظفون يعملون وفق توصيف وظيفيّ من الخمسينيات، والهيكلية تحتاج إلى تغيير جذري. لذلك تقف هذه الحكومة أمام مسؤولية تحديث الدولة. ونحن كـمشروع وطن الإنسان أعطيناها الثقة لأننا نؤمن بالحريّة، والحداثة، والازدهار كنقاط انطلاق نحو مستقبل أفضل للبنانيين".
وأكمل: "نحن اليوم أمام زمن جديد لا عودة فيه، زمن Singularity، زمن التفرد التكنولوجيّ. فلأول مرة في التاريخ، يخترع الإنسان آلة أذكى منه. الذكاء الاصطناعيّ يغيّر الواقع والتاريخ بلا رجعة. وحسناً فعلت الحكومة في مقاربة موضوع الذكاء الاصطناعيّ لأن من لا يواكب الثورة التكنولوجيّة سيعيش خارج الحداثة. والحرب الأخيرة كشفت فجوة تكنولوجيّة هائلة، بين سلاح من الجيل الثالث والرابع وسلاح من الجيل السادس. وخلال سنوات قليلة، سيغيّر الذكاء الاصطناعيّ الشامل كلّ شيء. وفي المستقبل القريب، لن تكون هناك حاجة للتأشيرات، ولن يكون الإنسان الخيار الأفضل للعمل. سيكون شراء روبوت أكثر كفاءة وأقل تكلفة. علينا أن نقرّر: هل سندخل هذا العصر أم سنخرج من التاريخ؟.
وتابع:" الحكومة طرحت 24 نقطة في بيانها الوزاري، ونحن نهنّئها عليها. ولدي نقاط سريعة يجب معالجتها فورًا".
أضاف: "أولى هذه النقاط: الاقتصاد الموازيّ أو الاقتصاد الأسود، الذي أصبح يشكّل 60% من الاقتصاد اللبنانيّ، وتكمن خطورة الاقتصاد الأسود أنه ينمو بسرعة، إذ يتمتّع بقدرة تنافسيّة تفوق الاقتصاد الأبيض الشرعي بنسبة 30% إذ لا يدفع TVA ولا جمارك، والأخطر أنه يدفع اشتراكات الضمان الاجتماعيّ على أساس الحدّ الأدنى للأجور، ما يخلق فجوة غير واقعية في الأكلاف والقدرة التنافسيّة. على الحكومة معالجة هذه المشكلة لسدّ الفجوة بين الاقتصاد الرسميّ والاقتصاد الموازيّ، وحماية الاقتصاد الشرعيّ من الانهيار.
- ثانياً: نتأمّل ورشةُ مراسيم تطبيقيّة لتطبيق 70 قانون غير نافذ وتشكيل الهيئات الناظمة والإداريّة.
المطلوب البدءُ بتطبيقِ قانون التوقيع الإلكترونيّ، كونُهُ حجَرَ الأساسِ في مكننةِ الدولةِ وتطويرِ الخدماتِ الرقميّة، ما يُسهِمُ في تحسينِ الكفاءةِ الإداريةِ وتعزيزِ الشفافية. كما الإسراعُ في تعيينِ هيئةِ إدارةِ النفايات الصلبة وتفعيلُ القانون الخاص بها، بما يضمنُ تنفيذَ سياساتٍ مستدامة لمعالجةِ أزمة النفاياتِ بطريقةٍ منظّمة وفعّالة. وإعادةُ طرحِ قانون تعيين الفئة الأولى والثانية، الذي سبقَ أن طُرِحَ وتمَّ ردُّهُ، مع إدخالِ تعديلاتٍ محدودةٍ إذا لزمَ الأمر، لأنه أساس في فصل السياسة عن الإدارة وإعادة بناء مؤسسات الدولة.
ثالثاً: إن البيانات المترابطة للدولة اللبنانية ليست مجرد مسألة إداريّة، بل هي أساس في قراءة المؤشّرات، وحجر الزاوية في الأمن القوميّ. أنا أعتبرُ أن الأرشَفَةَ والتوثيقَ وحفظ المعلومات وفقَ أحدثَ تقنياتِ المكننة والقُدرةِ على الولوجِ إليها، تشكّلُ حجرَ الزاوية في رقمنةِ الدولة، إذ أن أهمَّ ثروة وطنيّة اليوم هي البيانات والمعلومات المتعلّقة بسجلاتِ النفوس، الكهرباء، الصحّة، الضرائب، المالية، والمحاكم وسائرِ الإدارات. إنّ ربطَ هذه البياناتِ وإدارتِها بشكلٍ متكامل، يشكّل الأساسَ لإطلاقِ مؤشّراتِ الحوكمة وقياسِ الأداء، لأنّنا ببساطة لا يمكُننا تطويرَ ما لا يُمْكِن قياسَهُ. ومن الإيجابيّ أن تكونَ هذه أوّل حكومة تتحدّثُ عن أهميّةِ المؤشّرات، لكن لا يمكن بناءَ قراءةٍ دقيقةٍ لها دونَ وجودِ قاعدةِ بياناتٍ مترابطة تخضَعُ لحمايةٍ أمنيّةٍ ضمنَ إطارِ الأمنِ القوميّ اللبناني. ولا أستبعدُ أن يكونَ من الضروري وضعَ هذه الأنظمةِ داخِلَ منشآتٍ محصَّنةٍ وآمنة، مع توفيرِ أعلى مستويات الأمان للـ servers واعتمادِ آلياتٍ متقدّمةٍ لإدارةِ التعافي من الكوارثِ المعلوماتيّةِ أو غيرها. وأنا أخشى أن نكونَ تأخّرنا كثيراً في حمايةِ سجلاتِ النفوس، التي يمكن أن تكون قد تعرّضَت سابقاً للتلاعُب، ما يشكِّلُ خطرًا هائلًا على مستقبلِ الأجيال.
رابعاً: أحْسَنَت الحكومةُ صُنعًا بالتركيزِ على الحيادِ في سياساتِها الخارجيّة، إذ باتَ استقرارُ لبنان وكيانُه مرتبطًا بشكلٍ مباشر بهذا المبدأ. فالدولُ التعدديّة كلبنان، إن لم تكُن حيادية، يكونُ مصيرُها الانزلاقِ إلى الصراعاتِ الداخليّة والحروب، مهما بلغَت الجهودُ المبذولة لتفادي ذلك.
خامساً: إنّ إقرارُ قانون استقلاليّة القضاء يُشكّلُ حجرَ الأساس في بناءِ دولةِ القانون والمؤسّسات، على أن تستندُ هذه الاستقلاليّة إلى مبدأ أن تكونُ كلمةَ الفصلِ في تعيينِ القضاةِ بيدِ مجلس القضاء الأعلى، دون أي قابليّة للإقالة أو العزل.
سادساً: أطالب الحكومةَ بإيلاءِ منطقة كسروان وجبيل اهتمامًا خاصًا، إذ تعاني بنيَتُها التحتيّة من ترهّلٍ وتآكل، بعدما صُمّمت لخدمة ِ100 ألف نسمة في عهدِ الرئيس فؤاد شهاب، فيما تخدمُ اليومّ نحو نصف مليون نسمة، مما يجعَلُ الاستثمارُ في تحديثِها أولويّةً وطنيّة لا تحتملُ التأجيل.
فأوتوستراد جونية يُشكّلُ شريانًا حيويًا يربطُ العاصمةَ بالشمال، ومع ذلك، فهو يعاني من اختناقاتٍ مروريّةٍ هائلة. ولدينا المخطط A1 الجاهز للتنفيذ، والذي يتطلبُ فقط قرارًا جريئًا وتمويلاً مناسبًا للمباشرة فورًا بتحقيقِ هذا المشروع الحيوي. أما طريق عيون السيمان، فلا يُعقلُ أن تبقى بهذهِ الحال، فيما تُعتبرُ منطقةَ فاريا وكفردبيان كنزًا سياحيًا نادرًا بثروتِها الطبيعيّةِ الفريدة من نوعِها على امتداد 1000 كلم، وهي وجهةٌ يقصُدُها الأشقّاءُ العرب سنويًا. إلا أنّ الطرقاتَ القديمة والضيّقة لا تحتملُ الزحمة. كذلك، فإنّ مرفأ جونية القديم، ومن دونِ أي تكلفة تُذكر، يمكنُ تفعيلُهُ فورًا لإطلاقِ خطٍ بحريٍّ سياحيّ يستقطبُ ملايينَ السياح الذين يزورون قبرص، حيث يمكنُ استحداث رحلات بحريّةٍ توفرُ تجربةً ترفيهيّة مميزة على الباخرة، مع قضاءِ يومين في لبنان قبلَ العودة ِإلى قبرص، ما يُعززُ السياحةُ ويُدخلُ العملةَ الصعبة إلى البلاد. أمّا المرفأ الجديد، الذي لم يُستكمل بعد، فيمكنُ إنجازُهُ وفق نظام BOT، وبأقلِ من ثلاثِ سنوات، ليصبحَ قادراً على استقبالِ البواخرِ العملاقة، ما يسمحُ لهُ بأخذِ دورِه الطبيعي كمرفأ سياحي استراتيجي يخدُمُ لبنان بأكملِهِ، تمامًا كما خُطّط لهُ منذ البداية".
وختم قائلاً:" نتمنى لدولةِ الرئيس كما لهذه الحكومة بما فيها من شخصيّاتٍ مرموقة وكفوءة كلّ التوفيق كحكومة أولى في العهدِ الجديد، وكحكومةٍ أولى من المئويّة الثانية للبنان الكبير، لعلّنا نتعلّم ُمن المئويّةِ الأولى وإخفاقاتِها العظيمة، لندعّمَ البناءَ ونرسِّخَ الاستقرارَ ونضاعِفَ الإنتاجيّةَ، وإلّا سيكونُ الكيانُ في تهديدٍ وجوديّ دائم".