نشر موقع "الجزيرة نت" تقريراً تحت عنوان: "إستراتيجية محور المقاومة بعد التهدئة.. استخلاص الدروس وإعادة البناء"، وجاء فيه:
منذ دخول اتفاق التهدئة بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس حيز التنفيذ في قطاع غزة، برزت تساؤلات لدى الأوساط الإيرانية حول دور طهران في معركة طوفان الأقصى، والدروس المستفادة منها، وإستراتيجية محور المقاومة في اليوم التالي للحرب.
كيف تنظر الأوساط الإيرانية إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة؟
يعتقد الباحث العسكري الإيراني علي عبدي، أنه "لا يمكن النظر إلى نزول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من فوق شجرة الحرب التي استمرت أكثر من 15 شهرا إلا في إطار الهزيمة التي مُني بها".
وبرأي عبدي، ثمة عناصر تحدد الجهة المنتصرة في النزاعات، لعل أبرزها:
- مدى تحقيق الأهداف المعلنة.
- تحييد العدو أو قدراته من الساحة.
وأخيرا، التحكم بمجريات الصراع والسيطرة على ساحات النزال. "وهذا ما عجزت تل أبيب عن تحقيقه" بحسب عبدي.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول عبدي إنه فضلا عن إحياء القضية الفلسطينية جراء عملية طوفان الأقصى وتعاطف الرأي العام العالمي مع الفلسطينيين وضغطه على الأنظمة السياسية بضرورة دعم إقامة الدولة الفلسطينية، فإن الجبهة الداخلية الإسرائيلية في اليوم التالي للوقف الكامل للعمليات العسكرية في غزة لن تعود إلى ما كانت عليه قبيل أحداث السابع من تشرين الأول عام 2023.
وبرأي الباحث العسكري، فإن صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان وعدم تخليه عن دعم المقاومة الفلسطينية في غزة كان سببا رئيسا في إفشال مخططات تل أبيب الرامية إلى القضاء على فصائل المقاومة المسلحة وتحييد التنظيم الإداري والسياسي لحركة حماس.
وأكد أن "مناورة شرطة حماس وإدارتها لملف تبادل الأسرى عقب دخول الهدنة حيز التنفيذ كانت مباغتة من العيار الثقيل بالنسبة للحرب النفسية التي طالما سوقت لها حكومة نتنياهو للاستهلاك الداخلي واستعراض قوتها في الإعلام".
وتابع أن دخول فصائل المقاومة على خط العمليات الإسنادية لغزة حال دون استفراد العدو الإسرائيلي بالقطاع المحاصر، وأربك مخططات حلفائه الغربيين لا سيما في البحر الأحمر، مما أقنع الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب بأن إسرائيل غير قادرة على القضاء على حماس. وبالتالي، لا بد من الضغط على تل أبيب للقبول بالهدنة، على أمل تعويض الخسارة العسكرية بمناورة سياسية تديرها واشنطن لتطبيع المزيد من الدول العربية مع تل أبيب خلال المرحلة المقبلة.
ما أسباب إطالة أمد الحرب الأخيرة على غزة؟
"رؤية إسرائيل حيال غزة وما أرادت تحقيقه بذريعة مهاجمتها فجر السابع من تشرين الأول عام 2023 تعتبر سببا رئيسيا لاستمرار الحرب على مدى نحو 15 شهرا" وفق الباحث العسكري علي عبدي، الذي أوضح أن تل أبيب رأت في نتائج عملية طوفان الأقصى "معركة وجودية" تفضي إلى وضع "كيان الاحتلال" على سكة الضعف والزوال أو القضاء على أعدائه اللدودين، فقررت مواصلتها حتى تحييد غالبية التحديات الماثلة أمام أمنها القومي من دون جدوی.
ويضيف المتحدث نفسه، أن القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة ترى في وجود إسرائيل "قاعدة وأرضية لمواصلة الهيمنة الغربية في الشرق الأوسط"، ما برر لها أن تمده بشتى أنواع الدعم التسلحي والمادي والأمني، حيث أسهمت في إطالة أمد العدوان.
ما الدور الذي لعبته طهران في مواجهة العدوان الإسرائيلي على غزة؟
يصف السفير الإيراني السابق في النرويج وسريلانكا وهنغاريا، عبد الرضا فرجي راد، بلاده بأنها "الغائب الحاضر" في جميع محطات الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، وذلك في إطار سياستها المبدئية الداعمة للقضية الفلسطينية.
وفي حديث للجزيرة نت، يوضح الدبلوماسي الإيراني السابق أن طهران أخذت على عاتقها أدوارا مختلفة لدعم غزة، بدءا من تفعيل أوراقها للضغط العسكري على إسرائيل وحلفائها الغربيين في سياق "وحدة الساحات" وصولا لتنشيط دبلوماسيتها لوقف العدوان من جهة ومنع تشريد أهالي غزة إلى خارج القطاع من جهة أخرى.
ولدى إشارته إلى إطلاق بلاده الصواريخ والمسيرات باتجاه الأراضي المحتلة دعما للمقاومة في لبنان وغزة، يضيف فرجي راد أن طهران قدمت ما بوسعها من الدعم المناسب لحلفائها مما قد لا يمكن الكشف عنه بما فيه الدعم الأمني والاستشاري.
ما مسوغات التحرك الإيراني لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان وإشهارها الضوء الأخضر للحشد الشعبي العراقي بتجميد عملياته ضد إسرائيل؟
يذكّر فرجي راد بأن منع إسرائيل من تحقيق أهدافها في غزة لا يعني أن حلفاء إيران لم يتلقوا ضربات موجعة خلال أكثر من عام من الحرب، مستدركا أن طهران عملت من أجل وقف إطلاق النار في غزة منذ الساعات الأولى للعدوان الأخير على القطاع تفاديا لسقوط ضحايا بين المدنيين العزل.
وأرجع الدبلوماسي الإيراني السابق السبب الآخر لدفع طهران باتجاه وقف إطلاق النار في غزة ولبنان، إلى إنقاذ حلفائها وقدراتهم البشرية والعسكرية من آلة الدمار الإسرائيلية ومنحهم الفرصة اللازمة لاستعادة قوتهم.
أما عن إظهار طهران الضوء الأخضر للحشد الشعبي العراقي من أجل الانصياع لإرادة الدولة العراقية، فيعزو المتحدث نفسه السبب إلى تزايد الضغوط الدولية على بغداد وتفويت الفرصة على العدو الإسرائيلي وحلفائه الغربيين الذين يمَنون أنفسهم بالعبث في الأمن العراقي بذريعة استمرار إطلاق الصواريخ والمسيّرات باتجاه الأراضي المحتلة.
ما هي إستراتيجية محور المقاومة بعد وقف العدوان في المنطقة؟
يعتقد الباحث الإيراني في الشؤون الإسرائيلية مجيد صفا تاج، أن معركة طوفان الأقصی ورغم آلامها للشعب الفلسطيني في غزة فإنها حشرت كيان الاحتلال الإسرائيلي في الزاوية ووضعته في أسوأ حالاته خلال العقود الأخيرة، مؤكدا أنه لا بد من توظيف مكتسبات عملية طوفان الأقصى في الإستراتيجية التي ستعتمدها المقاومة في اليوم التالي للهدنة.
وأوضح صفا تاج، أن مجريات معركة طوفان الأقصى منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وصولا إلى قبول الاحتلال بشروط حركة حماس لوقف إطلاق النار وضعت العدو الإسرائيلي أمام ضعفه وهشاشة أجهزته الاستخبارية التي عجزت عن التنبؤ بالمعركة ثم تحرير الأسرى وكسرت هيبة قواته البرية وأفشلت مخططاته الرامية للدمج في نسيج الشرق الأوسط.
ورأى الباحث الإيراني، أن إستراتيجية محور المقاومة "ستركز على إعادة بناء قدرات فصائله خلال المرحلة المقبلة وإعادة صياغة معادلات القوة وقواعد الاشتباك، مستفيدة من التجارب التي اكتسبها خلال الجولة الأخيرة من الصراع مع الحرص على إبقاء البوصلة ثابتة نحو القدس".
وأشار إلى أن إسرائيل دشّنت مرحلة جديدة من الصراع بشنها حربا إلكترونية على المقاومة وجمهورها في لبنان واستعانتها بالذكاء الاصطناعي لتدمير غزة، مضيفا أن إستراتيجية المقاومة خلال المرحلة المقبلة ستأخذ جميع الدروس المستفادة من معركة طوفان الأقصى ومنها تعزيز القدرات السيبرانية والإلكترونية والأمنية.
(الجزيرة نت)