عبّر زميل صديق في جلسة نقاش عن فرحه بالعهد الجديد. قال لي: لقد أصبح لدينا رئيس للجمهورية بعد طول انتظار. ويكفي أن تتطلع بوجوه الناس في الشوارع لتكتشف مدى فرحتهم بهذا الإنجاز. فقبل 9 كانون الثاني بيومين تقريبًا لم يكن أحد يتوقع أن تتم هذه العملية بنجاح، أو أن يخرج الدخان الأبيض من مدخنة البرلمان، وكان الاتجاه العام أن تُدرج الجلسة الثالثة عشرة في خانة الجلسات التي سبقتها، والتي لم ينتج عنها أي توافق على اسم من أثنين: إمّا سليمان فرنجية وإمّا جهاد أزعور. ولكن "الطحشة" الدولية والعربية في هذا التوقيت بالذات أقنعت النواب بالذهاب نحو خيار العماد جوزاف عون. وهكذا تمت العملية بنجاح، مع العلم أن اسم قائد الجيش كان مطروحًا بقوة طيلة فترة الفراغ الرئاسي.
أوافق صديقي على ما قاله وأبصم له بالعشرة. ويكفيه أن يراجع عشرات المقالات من بين مقالاتي السابقة ليكتشف مدى دفاعي المستميت عن الرئيس عون يوم تعرّض لحملات مغرضة عندما كان قائدًا للجيش. ولكن لعدم "فحطتي" الكبرى بما حدث أسبابًا، إذ تعود بي الذاكرة إلى يوم انتخاب الرئيس أميل لحود، وما رافق هذا الانتخاب من تهليل وتبجيل وأغانٍ، ومن بينها "من فرح الناس" للموسيقار الراحل ملحم بركات. أذكر أن ضابطًا صديقًا لامني وقتها كما يلومني زميلي اليوم لعدم "فحطتي". قلت للأول "وايت اند سي". وأقولها اليوم أيضًا ليس من باب التشكيك بنوايا الرئيس عون وعزمه على إحداث التغيير المطلوب، ولكن من غيرتي على العهد ورهاني على قدرة الرئيس العماد بما لديه من صفات قيادية استثنائية على نقل الوطن من ضفة الانهيار إلى ضفة التعافي التدريجي. هذا ما فعله في المؤسسة العسكرية. وهذا ما ينوي أن يفعله على مستوى الوطن، ولكن مع فارق كبير. في اليرزة كان يطلب التنفيذ قبل الاعتراض. أما في بعبدا فإن الاعتراض السياسي يسبق التنفيذ.
قد أكون أول الفرحين والمهللين يوم تبصر الحكومة النور، والتي يسعى إلى تشكيلها الرئيس المكّلف القاضي نواف سلام في أسرع وقت ممكن و"بخطى ثابتة" على رغم ما يواجه عملية التأليف من عراقيل يُحسب لها ألف حساب.
قد يُقال إن ما يميز العهد الجديد عن غيره من العهود السابقة هو أن ما يلاقيه من دعم دولي وعربي، وبالتحديد أميركي وسعودي، لم يكن متوافرًا لغيره. ولولا هذا الدعم المزدوج لما كان للبنان رئيس، ولما عمّت الفرحة في أمكنتها الصحيحة. وعلى هذين الدعمين تُعلّق الآمال العريضة. فلبنان لوحده غير قادر على الخروج من عنق زجاجة الأزمات المتراكمة لوحده، بل يحتاج إلى مساعدة الأشقاء والأصدقاء على حدّ سواء.
أمّا المساعدات اللاحقة، والتي يحتاج إليها لبنان بقوة، فستأتي مشروطة. وهذه الشروط واضحة المعالم. لأن المطلوب من المسؤولين اللبنانيين في المرحلة، التي ستلي تشكيل الحكومة العتيدة، هو السير على سكّة الإصلاحات المالية والسياسية، والإدارية، والاقتصادية، والاجتماعية. ومن دون هذه الإصلاحات الضرورية لن تأتي المساعدات، التي تتطلب شفافية مطلقة. وهذا ما لمسه المجتمع الدولي من خلال المساعدات التي قُدّمت إلى المؤسسة العسكرية يوم كان الرئيس جوزاف عون على رأسها. وهذا ما يعّول عليه الآن.