كتبت سابين عويس في" النهار": تدفع الأجواء المتشنّجة ما بين القوى السياسية على خلفية التمثيل السياسي لـ"حزب الله" في الحكومة العتيدة، في ظل شروط يفرضها على مشاركته ،رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف في اتجاه الخروج من مأزق التأليف وتسهيل مشاركة كل المكونات إلى حكومة من الاختصاصيين على قاعدة "الرجل المناسب في المكان المناسب"، ما يعيد طرح مفهوم حكومات التكنوقراط ومدى نجاح تجربتها في لبنان في ظل الاصطفافات السياسية القائمة، وما إن كانت مرحلة التغيير الجديدة التي فرضها انتخاب العماد جوزف عون رئيساً وتكليف القاضي نواف سلام ستحمل منحى تغييرياً أيضاً في منهج تشكيل الحكومات في لبنان وآلية عملها وجدواه على مستوى الإنتاجية في ملاقاة شؤون الدولة والناس.
وإن كان أكثر توصيف لعهد عون قد اعتبر أنه عهد شهابي جديد، فلا بد من الإشارة إلى أن أولى حكومات شهاب وقد ترأسها في حينها (عام 1960) أحمد الداعوق ترجمت هذا المفهوم من خلال تشكيل حكومة تكنوقراط مطعّمة بسياسيين، لكن لم يُكتب لها العمر لفترة طويلة بسبب حلّ المجلس النيابي، علماً بأن ثانية حكومات شهاب بعد نحو 4 أعوام كانت أيضاً من التكنوقراط، وقد سجلت الإنجازات والإصلاحات التي صبّت في رصيد العهد وعُرفت في ما بعد بالإصلاحات الشهابية. كذلك كان الوضع لاحقاً مع حكومات الرئيس الراحل شارل الحلو. أما الرئيس الراحل سليمان فرنجية فبالرغم من كونه شخصية سياسية كانت حكومتاه اللتان ترأسهما كل من الرئيسين الراحلين صائب سلام وأمين الحافظ، أيضاً حكومتي تكنوقراط. تبعها ايضاً 4 حكومات ذات طابع تقني في عهود كل من الرؤساء إلياس سركيس وأمين الجميّل وإميل لحود.
لكل حكومة تكنوقراط ظروفها وحيثياتها، قبل الطائف كما بعده. وأكثر الأسباب وضوحاً في هذا الشأن يكمن في سعي القوى السياسية إلى إبعاد الحكومات عن المنحى السياسي المفجر لها من الداخل، في ظل نظام طائفي تحاصصي، من دون أن يكون الهدف الحقيقي إصلاحياً، خصوصاً أن تلك الحكومات لم تكن تعمّر طويلاً ولأكثر من بضعة أشهر خلافاً لحال الحكومات المتعاقبة ما بعد الطائف ولا سيما مع دخول الرئيس الراحل رفيق الحريري المعترك السياسي.
يسجل قيام نحو 12 حكومة تكنوقراط منها ما كان مطعّماً بسياسيين ومنها ما كان من التقنيين البحت وتحت عناوين محددة كما كانت حال حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الأولى في عهد الرئيس إميل لحود والتي تشكلت على أثر استقالة حكومة الرئيس عمر كرامي غداة اغتيال الرئيس الحريري وكانت مهمتها وعمرها محددين: إعداد قانون للانتخاب وإجراء الانتخابات النيابية.
من أكثر الحكومات تعرّضاً للانتقاد والمعارضة نظراً إلى أن تشكيلها وظروف قيامها كانت من الأشد صعوبة على اللبنانيين بسبب العناوين التي تناولتها، حكومة الرئيس حسان دياب التي جاءت على أثر انتفاضة السابع عشر من تشرين، وتضمّنت وجوهاً جديدة غير منغمسة في الحياة السياسية، لكن التحديات الاقتصادية والمالية الناجمة عن أزمة الودائع وانهيار العملة الوطنية قضت على فرص نجاحها بعدما جاء قرار التخلف عن سداد ديون لبنان السيادية وتعثر إقرار القوانين الإصلاحية المطلوبة لرد الودائع وطمأنة المودعين لتقضي على فرص نجاحها.
وإن كانت الأنظار اليوم إلى الحكومة العتيدة للرئيس المكلف تنحو في اتجاه حكومة التكنوقراط نظراً إلى حجم التحديات الاقتصادية والمالية الكبيرة التي ستواجهها، فإن أي حكومة اليوم ما لم تحظ بالغطاء السياسي المحلي والدولي لن تكون قادرة على مواجهة هذه التحديات التي ستتطلب أيضاً صلاحيات استثنائية!