كتبت روزانا بو منصف في" النهار": سرت في الساعات الأخيرة معلومات عن لقاء لم يكن موفّقاً بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والموفد الأميركي آموس هوكشتاين على عكس الانطباعات السائدة عن الارتياح الدائم من جانب بري للمرونة التي يتحلّى بها المفاوض الأميركي. ولكنّ الأخير قدّم أجوبة عن تساؤلات كثيرة تتعلق بحتمية انسحاب إسرائيل من الجنوب وعدم الخشية من بقائها على عكس مخاوف كثُر في هذا الإطار، وعن التزام تنفيذ اتفاق وقف النار الذي بدا موضوعاً خلافياً بين بري وهوكشتاين الذي أبدى تساؤلات إزاء التزام ما تم التعهّد به في اتفاق وقف النار وما إن كان هناك حرص على تأكيد ذلك وتثبيته من أجل إتاحة البدء بإعادة الإعمار في القرى الجنوبية. لكن ما عبّر عنه هوكشتاين أمام الإعلام بدا مريحاً لأكثر من جهة رأت أنها فهمت أن هناك حرصاً على تنفيذ اتفاق وقف للنار بهذا الحجم قبل تسلّم الرئيس دونالد ترامب الرئاسة الأميركية. ويضيف هؤلاء أن الجانب الإسرائيلي ضمن وضعه إلى حد بعيد بتمركزه في جبل الشيخ بعد سقوط نظام بشار الأسد وما حصل في سوريا أراحه جداً على صعيد إبعاد إيران إلى حد أنه لن يعاند الولايات المتحدة في تنفيذ وقف النار وتالياً إراحة الوضع في لبنان، لا سيما إن كانت النية تتّجه إلى ضبط الحوثيين في اليمن. وبالتالي، فإن أهمية ما قاله هوكشتاين يصب في خانة حصر الكثير من الكلام التهديدي في ما يتعلق بالجنوب في إطار الاستهلاك الداخلي، فيما الضغوط الواقعية على اللبنانيين وتحديداً على بيئة الثنائي الشيعي موجعة جداً حيث تفرض حاجة ماسة لتنفيسها.
يجد كل ذلك صداه في الاستعدادات لانتخاب رئيس للجمهورية على خلفية ضيق الخيارات المتاحة أمام الجميع، لا سيما أمام الثنائي الشيعي. فتأكيد الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط حيال إعادة تأكيد دعم الحزب وكتلته لانتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون لا يأتي من فراغ ولا يدور في فراغ. فعودة الانخراط السعودي في الشأن اللبناني والتأكيد على إيصال موقف موحّد للخماسية الدولية من موضوع الرئاسة الأولى يكشف حجم الضغوط المباشرة التي نزلت بها هذه الخماسية إلى الموضوع الانتخابي على قاعدة أن لبنان ليس متروكاً، وأن عدم قدرة الداخل على التوافق على أي شخصية لانتخابها وعدم القدرة على التوافق في المطلق يضيّق هامش الخيارات المتاحة أمام القوى الداخلية. وتحدثت آخر المعطيات عن أنه فيما نسب إلى الموفد القطري دعم خيار مختلف عن خيار سائر دول الخماسية أتى النفي من الجهتين القطرية التي أكّد موفدها أنها لا تدعم مرشحاً معيّناً، والسعودية التي أكدت وحدة الموقف لدى جميع أعضاء الخماسية. والبعض يضيف أيضاً خلفية الوضع السوري الذي يمر بمرحلة انتقالية ليست سهلة ووضعته السعودية في مسار الاهتمام نفسه مع لبنان الذي سيتحمّل مسؤولية عدم تلقف الكرة كما فعلت السلطة الانتقالية في سوريا.
ثمة الكثير من المناورات السياسية والكلامية في الساعات الفاصلة عن موعد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية. ثمة أثمان مطلوبة أو يسعى إليها البعض فيما يعتقد أن ليس من مرشح متقدم آخر سوى قائد الجيش الذي يتصدّر الواجهة أقله حتى الآن إن لم تساعد القوى السياسية نفسها في الاتفاق على أي مرشح آخر. سيناريو جلسة الخميس مبني على أنه لن يكون متاحاً طرح اسم قائد الجيش من أجل حرقه بل من أجل انتخابه فقط نظراً لاعتبار أساسي يتصل بداعميه الدوليين والإقليميين بنحو خاص ما قد يكفل حصوله على أكثر من 90 أو 100 صوت من الدورة الأولى. فيما كل المرشحين الآخرين على اختلاف نسب دعمهم موجودون ولكن خارج حلبة السباق إلى حين حسم موضوع دعم انتخاب جوزف عون. وإن لم يُبتّ الموقف من دعم انتخاب قائد الجيش بطريقة أو بأخرى، يرجّح ألا يدخل النواب إلى الجلسة وهم لن يدخلوها وهم غير مدركين لمن سينتخبون. اللاعبون الكبار ممسكون راهناً بناصية اللعبة وهم لن يتركوا الأمور للمصادفة خصوصاً أن الوقت أصبح داهماً جداً، فيما الصورة الضبابية لا تستطيع أن تبقى على ما هي حتى اللحظة الأخيرة، على عكس كل تجارب الانتخابات الرئاسية السابقة أقله منذ ما بعد اتفاق الطائف. الكرة في ملعب الثنائي الشيعي على خلفية أن أصواته ستكون وستؤدي دوراً حاسماً في انتخاب جوزف عون، ما ينفي أو يستبعد فكرة تهميش دور الطائفة الشيعية في انتخاب رئيس الجمهورية