تحدثت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية عن 3 أسباب قد تؤدي إلى تأخير الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان بعد مهلة الـ60 يوما لاتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم بوساطة أميركية، والتي من المفترض أن تنتهي في 27 كانون الثاني 2025.
وسلط تقرير مطول أعده المحلل العسكري للصحيفة رون بن يشاي الذي يرافق قوات الاحتلال في الجنوب اللبناني، الضوء على هذه الأسباب التي قال إنها عسكرية ولوجستية، وقد تدفع بإسرائيل إلى تأخير الانسحاب من الأراضي التي احتلتها في جنوب لبنان.
والجدير بالذكر أن هذه الأسباب التي ذكرتها الصحيفة ليست ضمن اتفاق وقف إطلاق النارالذي تم بوساطة أميركية، ووفقاً للاتفاق فإنَّ دور إسرائيل يقتصر على إبلاغ اللجنة الأمنية المشكّلة من قوات اليونيفيل وأميركا وفرنسا وألمانيا بأي اختراقات تجدها من الطرف اللبناني أو من حزب الله.
وتناول بن يشاي هذه الأسباب بالتفصيل، زاعماً، بحسب التقرير، إنها تتركز في تمكن الجيش الإسرائيلي من اكتشاف وتدمير البنية التحتية لحزب الله، وعدم تمكن الجيش اللبناني من تنفيذ كافة مسؤولياته في تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، وعدم اكتمال أنظمة الدفاع الحدودية في إسرائيل.
واعتبر التقرير أن استمرار اكتشاف وتدمير البنية التحتية لحزب الله في جنوب لبنان يعد من أبرز الأسباب التي قد تؤدي إلى تأخير انسحاب الجيش الإسرائيلي.
وزعم أنه من خلال العمليات العسكرية التي نفذها الجيش الإسرائيلي ضد حزب الله في الأشهر الماضية، فقد تم كشف العديد من الأنفاق والمواقع العسكرية التي كان الحزب قد قام بتشييدها في مناطق نائية وصعبة التضاريس، مشيرا إلى تقارير عسكرية إسرائيلية تفيد أن حزب الله قد اتخذ من هذه المناطق، التي تشمل غابات وأودية جبلية، قاعدة خلفية لتنفيذ عملياته في حال اندلاع صراع جديد مع إسرائيل.
وذكر المراسل العسكري أنه في بعض الحالات، اكتشف الجيش الإسرائيلي أن البنية التحتية لحزب الله بعد مرور وقت طويل من عمليات التفتيش الأولية لا تزال موجودة وفاعلة. وعلى سبيل المثال، ذكر التقرير أنه في إحدى الحالات، عندما كانت إحدى الفرق العسكرية الإسرائيلية واثقة من أنها أكملت مهمتها في تطهير إحدى القرى، تبين لاحقا أن هناك بنية تحتية أخرى لم يتم اكتشافها بعد، ما أدى إلى إرسال وحدات خاصة، مثل وحدة شلداغ ووحدة الغارات، لاكتشاف وتدمير هذه المنشآت العسكرية المخفية.
وأشار التقرير إلى ما سماها الأنفاق والمرافق التي أنشأها حزب الله في الجنوب، بما في ذلك منصات إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون، معتبراً إياها تمثل تهديداً محتملاً لإسرائيل.
واعتبر بن يشاي أن "هذه البنية التحتية تتطلب مزيدا من الوقت والجهد لاستكشافها، وتحديد مواقع جديدة تحت الأرض، وعلى الأخص تحت الغطاء النباتي الذي كان حزب الله يخفي فيه أسلحته ومعداته"، وأضاف: "كل عملية اكتشاف جديدة تأخذ وقتا أطول نظرا لصعوبة التضاريس وصعوبة الوصول إلى بعض المناطق المخبئة في الأدغال أو تحت الأنفاق".
ونقل عن المصادر العسكرية الإسرائيلية التي يتلقى منها معلوماته، قولها "لا يمكن للجيش الإسرائيلي أن يخرج من هذه المنطقة من دون التأكد من إتمام هذه المهمة بشكل كامل".
كذلك، أكد المحلل العسكري أنه في سياق هذه العمليات، يواصل الجيش الإسرائيلي تفتيش الوديان والمرتفعات القريبة من الحدود اللبنانية، حيث يتم اكتشاف العديد من مواقع إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون التي استخدمها حزب الله ضد إسرائيل في الماضي.
ولم تقتصر أعمال التدمير على المنشآت الظاهرة فقط، بل شملت أيضا تدمير مواقع تحت الأرض كانت مخبأة بعناية.
وفي محاولة للتأكيد على أهمية استمرار الاحتلال الإسرائيلي للقرى الحدودية في جنوب لبنان، يقول التقرير "من المستحيل ألا نفكر في مدى حظنا لأن أمين عام حزب الله السابق حسن نصر الله لم يأمر بغزو شمال إسرائيل في الثامن أو التاسع من تشرين الأول 2023، (بعد طوفان الأقصى) وبدلا من ذلك شن حرب استنزاف مكنت القيادة الشمالية وسلاح الجو من استهداف مجموعة قرى إطلاق الصواريخ لدى الحزب، ما أدى إلى دفع قوة الرضوان (قوات النخبة في الحزب) إلى ما وراء نهر الليطاني".
ويضيف: "كان من الممكن أن يكون الضرر الذي لحق بما خطط له وأسسه حزب الله هنا تحت إشراف إبراهيم عقيل، قائد هذه القوة الذي اغتيل في أيلول الماضي، أكبر بكثير مما فعلته حماس في السابع من تشرين الأول".
ويؤكد بن يشاي نقلا عن مصادره العسكرية أن "الوجود في الميدان يوضح أن العمل لم يكتمل بعد، وسيستغرق الأمر بضعة أشهر أخرى على الأقل قبل أن يتمكن سكان شمال إسرائيل من العودة إلى منازلهم بأمان".
التشكيك بقدرة الجيش اللبناني
أما السبب الثاني لتأخير الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، حسب التقرير، فهو النقص في قدرة الجيش اللبناني على الوفاء بمسؤولياته في تنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار.
ويزعم التقرير أنه "على الرغم من أن الجيش اللبناني قد نشر بعض القوات في جنوب نهر الليطاني، إلا أن قدراته العسكرية ما زالت غير كافية لضمان تنفيذ الاتفاق بشكل كامل، حيث يقتصر دور الجيش اللبناني في الوقت الحالي على الحراسة والمراقبة، وليس على التعامل مع البنية التحتية العسكرية لحزب الله التي تم اكتشافها في المنطقة".
كذلك، يشير التقرير إلى أن الجيش اللبناني يفتقر إلى التجهيزات اللازمة لمواجهة التحديات الأمنية المعقدة التي يطرحها حزب الله. ويضرب على ذلك مثالا بصعوبة وصول الجيش اللبناني إلى بعض المناطق التي يتم فيها تخزين الأسلحة والذخائر بسبب التضاريس الصعبة أو الأنفاق المخفية التي بناها حزب الله، ما جعل من الصعب على الجيش اللبناني أن يتخذ الإجراءات اللازمة لإزالة الأسلحة والمعدات العسكرية في الوقت المحدد، وفق مزاعم بن يشاي.
مع هذا، يسلط الضوء على أن "الجيش اللبناني يواجه تحديات في تدمير منصات الإطلاق أو المخابئ المحصنة التي أعدها حزب الله، حيث لا يمتلك الجيش اللبناني الخبرة الكافية في مواجهة هذه الأنواع من التهديدات العسكرية، بما في ذلك الصعوبة في الحصول على المعدات المناسبة واللوجستيات اللازمة لتعقب الأسلحة المخفية وتدميرها".
ويشير بن يشاي إلى أنّ قوات الاحتلال الإسرائيلي لن تتم انسحابها "إلا عندما تشعر أن الجيش اللبناني قادر على استلام زمام الأمور"، بحسب مزاعمه.
عدم اكتمال نظام الدفاع الحدودي
والسبب الثالث، حسب التقرير، والذي قد يؤجل انسحاب قوات الاحتلال من جنوب لبنان، فيتمثل بأن الجيش الإسرائيلي لم يكمل بعد إنشاء نظام الدفاع الحدودي الجديد الذي يهدف إلى حماية المستوطنات الإسرائيلية القريبة من الحدود اللبنانية.
ويقول القادة العسكريون الإسرائيليون للمحلل العسكري ليديعوت أحرونوت إن "الجيش الإسرائيلي يعمل حاليا على بناء مواقع دفاعية متقدمة على الحدود الشمالية، تشمل منشآت للمراقبة وكشف التهديدات ونصب أنظمة الإنذار المبكر على الحدود لضمان عدم وقوع أي هجمات مفاجئة من حزب الله أو غيره من الفصائل المسلحة".
وأشار التقرير إلى أن الحدود مع لبنان لم تكن مجهزة بشكل كافٍ قبل العملية العسكرية الأخيرة، وهو ما جعل إسرائيل تدرك ضرورة تحسين تدابير الدفاع على الحدود بشكل جذري.
(الجزيرة نت)