ما يقوم به الجيش من مهمات أمنية على كل شبر من الأراضي اللبنانية ليس سوى تنفيذ مقررات مجلس الوزراء، الذي وافق على تفاهم وقف إطلاق النار بالإجماع، بمن فيهم وزراء "حزب الله". وهذه المهمات غير محصورة بمنطقة دون أخرى كما يحاول البعض تفسير ما هو مفسّر أساسًا، ولا يحتاج بالتالي إلى أي اجتهاد لغوي. وقد جاءت الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يرافقه قائد الجيش العماد جوزاف عون إلى العمق الجنوبي لتؤكد الإصرار على الدور المعطى للجيش ليس في المنطقة الواقعة جنوب الليطاني فحسب، بل في كل بقعة جغرافية من أقاصي الجنوب إلى أقاصي الشمال، ومن السهل حتى الساحل. فالبنود الواردة في هذا الاتفاق الذي وافق عليه "الحزب" تعطي الجيش صلاحية مطلقة في التصرّف لتنفيذ ما ورد فيه من دون زيادة أو نقصان، وصولًا إلى حصر السلاح بأيدي القوى الشرعية من جيش وقوى أمن داخلي وأمن عام وأمن دولة وجمارك وعناصر الشرطة التابعين للبلديات.
وتطبيقًا لهذا الاتفاق، وعلى وقع سقوط نظام حزب البعث في سوريا، استكمل الجيش تسلم المراكز العسكرية التي كانت تشغلها تنظيمات فلسطينية خارج المخيمات الفلسطينية. ومن بين هذه المراكز مركزا قوسايا – قضاء زحلة التابع لـ "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة"، وأنفاق الناعمة، وصادرت كمية من الأسلحة والذخائر بالإضافة إلى أعتدة عسكرية. كما عملت الوحدات المختصة على تفجير الألغام المزروعة في جوار المركز وتفكيك الذخائر الخطرة غير المنفجرة ومعالجتها.
فهذا التطور الجديد أتي في سياق مرحلة تاريخية بدأت لبنانياً وسورياً ما يؤشر إلى أن إمساك الجيش بزمام السلاح الفلسطيني غير الشرعي هو خطوة إضافية في مسار تعزيز الأمن الشرعي وحصر السلاح بأيدي القوى اللبنانية الشرعية، كمقدمة لا بدّ منها لخطوات أخرى تطبيقًا للقرار 1701 وما له صلة بالقرارين 1559 و1680. وهذا يعني بالتأكيد اتجاه الأنظار نحو تفكيك البنية العسكرية لـ "حزب الله"، على أن يأتي دور المخيمات الفلسطينية في مرحلة لاحقة بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية بما يحفظ أمن اللبنانيين وأمن الفلسطينيين على حدّ سواء. وهذه الخطوة من شأنها أن تنهي ما يُعرف بالمربعات الأمنية أو الجزر الأمنية، التي كانت تحتضن جميع الفارين من وجه العدالة، وذلك لأن الأجهزة الأمنية اللبنانية كان محرّم عليها الدخول إليها. وكان الأمر يقتصر على تولي الجيش مراقبة الداخلين إلى هذه المخيمات والخارجين منها، الذين كانوا يخضعون لعملية تفتيش روتينية.
إلا أن دون الوصول إلى هذه المرحلة من التعامل مع السلاح الفلسطيني داخل المخيمات صعوبات وعوائق تحتاج إلى الكثير من الحكمة والتعقّل لمعالجة مشكلة عمرها سنوات طويلة، خصوصًا أن أحداث مخيم نهر البارد وما نتج عنها كانت مغطاة سياسيًا من قِبل المجتمع الدولي أولًا، ومن توافق لبناني – لبناني ثانيًا بعدما تمادى بعض الخارجين عن القانون في اعتداءاتهم على عناصر الجيش والقوى الأمنية. وهذا الغطاء غير متوافر اليوم في ظل الظروف، التي يعيشها لبنان وفي ظل مواصلة إسرائيل اعتداءاتها في قرى الشريط الحدودي، وفي ظل عدم توافق اللبنانيين على انتخاب رئيس للجمهورية يُعتبر المدخل الطبيعي لكثير من الحلول، التي لا تزال مستعصية.
لكن ما هو أكيد أن المجتمع الدولي يضغط في اتجاه جعل المخيمات الفلسطينية، وبالأخص مخيم عين الحلوة، خاليًا من السلاح كخطوة مكّملة لما يمكن للمهمات التي ستوكل إلى الجيش بعد أن ينسحب الجيش الإسرائيلي كليًا من القرى التي لا تزال خاضعة لسيطرته حتى الساعة.