بعد صدور اتفاق وقف إطلاق النار، بدأ الحديث عطفا على سلاح حزب الله، عن إشكالية سلاح المخيمات الفلسطينية وخارجها، وقد بدأ الجيش يوم السبت عملية إزالة السلاح الفلسطيني المنتشر خارج مخيمات اللاجئين وتسلم 3 مراكز عسكرية كانت تابعة لفصائل فلسطينية في البقاع الغربي والبقاع الأوسط، وفي منطقة راشيا. ومن المؤكد، بحسب مستشار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بولس مسعد" أن اتفاق وقف إطلاق النار يشمل البلد بأكمله، وليس فقط جنوب الليطاني، ويتناول مسألة نزع سلاح جميع المجموعات المسلحة وهذا يعني أن يطال السلاح الفلسطيني سواء داخل المخيمات الفلسطينية أو خارجها. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الفصائل الفلسطينية داخل المخيمات تتمسك بسلاحها وتعتبره ضروريا لها من اجل الدفاع عن أنفسهم عند اي اضطرابات محلية لبنانية، ولأن اسرائيل على الحدود مع لبنان.
من المعلوم أن مفاوضات القاهرة التي كان طرفاها رئيس منظمة التحرير الراحل ياسر عرفات، وقائد الجيش العماد إميل البستاني، مهدت لدخول السلاح إلى المخيمات بشكل رسمي. وبموجب "اتفاق القاهرة"، سمح للفلسطينيين بإقامة قواعد عسكرية في الجنوب والعمل السياسي داخل المخيمات وتم تشكيل لجان للفلسطينيين ونقاط للكفاح المسلح داخل المخيمات، وتأمين الطرق للمشاركين في الثورة الفلسطينية، وهو ما أعطى شرعية للعمل الفلسطيني المقاوم في لبنان، وامتلاك السلاح في المخيمات.
فكيف بدأت مسألة حل سلاح المخيمات الفلسطينية؟
يقول العميد المتقاعد اكرم سريوي في العام 1969 كانت الدولة اللبنانية تتولى الأمن داخل المخيمات الفلسطينية، لكن في أيلول من ذلك العام، اوقف الجيش بناء مكتب لحركة فتح في شمال لبنان، فانتفض الفلسطينيون، ودخلت عناصر فلسطينية مسلحة من الحدود السورية، وهاجموا مراكز قوى الامن اللبنانية، واحتلوا 76 مركزاً، وتدخّل على أثر ذلك الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وتم بعدها توقيع اتفاق القاهرة، الذي سمح للفلسطينيين بالعمل المسلح ضد إسرائيل من داخل الأراضي اللبنانية الجنوبية، خاصة في منطقة العرقوب والقطاع الأوسط، وتم سحب مخافر الدولة اللبنانية من داخل المخيمات، وشكّل هذا الاتفاق ضربة لهيبة الدولة اللبنانية، وشرّع وجود السلاح الفلسطيني، واعتبرته إسرائيل خرقا لاتفاق الهدنة مع لبنان، رغم أن إسرائيل كانت قد خرقت هذا الهدنة، في كانون الاول 1968 عندما هاجمت مطار بيروت، ودمرت 13 طائرة مدنية. ولم يتقيد الفلسطينيون ببنود الاتفاق، وتمددوا من الجنوب على كامل الأراضي اللبنانية، خاصة في بيروت والبقاع، مما تسبب لاحقاً باندلاع الحرب الأهلية في لبنان، التي كانت شرارتها الاحتكاك الذي حصل بين الفلسطينيين والكتائب في عين الرمانة، فأدخل اتفاق 1969 لبنان بشكل مباشر في الصراع العربي الاسرائيلي، وحوله إلى دولة مواجهة، دون أن يكون مستعداً لذلك. وفي عام 1978 اجتاحت إسرائيل الشريط الحدودي، بحجة حماية مستوطنات الشمال، وفي حزيران 1982 وسعت اجتياحها حتى وصلت الى العاصمة بيروت، وأخرجت منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان. وفي 21 ايار عام 1987 أقرّ البرلمان اللبناني قانون إلغاء اتفاق القاهرة، ووقعه لاحقاً رئيس الحكومة سليم الحص، ورئيس الجمهورية آنذاك أمين الجميل.
بعد هذا التاريخ أصبح السلاح الفلسطيني في لبنان، كما يؤكد سريوي، غير شرعي، لكنه استمر حتى بعد اتفاق الطائف، بغطاء من القوات السورية التي كانت موجودة في لبنان. في ايلول عام 1993 وقع ياسر عرفات اتفاق أوسلو مع إسرائيل، ولم يعد هناك من مبرر لوجود سلاح فلسطيني في لبنان، لكن المخيمات الفلسطينية في لبنان تحولت إلى بؤر أمنية، وشكّلت مأوى لبعض الحركات الإرهابية والمجرمين والخارجين عن القانون، وفي عام 2007 شنت جماعة فتح الاسلام هجوماً على مراكز الجيش اللبناني، مما اضطر الجيش الى مهاجمة المخيم، وطرد المسلحين منه، الذين فرّ قسم منهم إلى سوريا.
وليس بعيداً شكلت معركة نهر البارد إنذاراً للبنان، حول خطورة السلاح الفلسطيني المتفلّت داخل المخيمات وخارجها . لكن الدولة اللبنانية لم تتخذ قراراً حاسماً بالدخول إلى المخيمات، ولا الى المراكز الأخرى، لعدة اعتبارات، أولها الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان والذي استمر حتى عام الفين، وحتى بعد هذا التاريخ لم تتم معالجة مسألة السلاح الفلسطيني المنتشر في لبنان.
لكن أما وقعّ لبنان اليوم اتفاقاً لوقف الحرب مع إسرائيل، وتطبيق القرار الدولي 1701 الذي ينص على عدم وجود أي سلاح غير شرعي في منطقة جنوب لبنان، فقد بات وفقاً لهذا الاتفاق واجباً ولزاماً على الدولة اللبنانية، منع وجود أي سلاح غير شرعي على أراضيها. وكانت بعض المنظمات الفلسطينية مرتبطة بشكل مباشر بالنظام السوري السابق، ورغم عدم احتفاظها بالسلاح في سوريا، كانت تحتفظ بمراكز مسلحة لها في لبنان، واليوم بدأت بعد سقوط النظام السوري، بتسليم مراكزها للجيش .
لقد بات السلاح الفلسطيني، خاصة داخل المخيمات، يشكّل، بحسب سريوي، خطراً على الفلسطينيين، وكذلك على أمن واستقرار لبنان، ولا بد من وضع حد نهائي لهذا الأمر، وتسليم كل الأسلحة إلى الجيش ، وتسوية وضع المخيمات، بعودة الدولة اللبنانية إليها، أولاً لضبط الأمن ومنع أن تكون المخيمات مصدراً لاعمال مخلّة بالأمن، أو أن تُشكّل مأوى للخارجين عن القانون، وثانياً لتسوية أوضاع الفلسطينيين، وتنظيم وجودهم في لبنان، بما يحفظ حقوقهم، وتأمين الخدمات اللازمة لهم. فلم يعد هناك أي مبرر أمام الفلسطينيين، للاحتفاظ بسلاحهم في لبنان، وعليهم احترام القوانين اللبنانية، واحترام سيادة هذا البلد، الذي استضافهم وما زال يستضيفهم منذ أكثر من 75 عاماً، وهذا الشعب اللبناني الذي ساند وما زال يدعم قضيتهم، وقدم آلاف الشهداء من أجل فلسطين.
وعليه، يمكن القول، إنه لا يمكن قيام دولة ذات سيادة إذا كان يوجد على أرضها سلاح لمجموعات مسلحة خارج سلطتها، واليوم حان الوقت، وفق سريوي، لكي يتم الاتفاق بين الدولة اللبنانية والفلسطينيين على حل مسألة وجود السلاح الفلسطيني، ليتم تسليمه إلى الدولة اللبنانية، وعلى الدولة اللبنانية وحدها أن تتحمل مسؤولية الأمن داخل المخيمات، ولا يمكن القبول بأن تكون هناك بقعة أرض لبنانية خارج سلطة الدولة.
وليس بعيداً، تحدّث البعض عن أمكانية ابقاء السلاح الفلسطيني داخل المخيمات، بأمرة الدولة اللبنانية، لكن هذا الطرح يشكّل، بحسب سريوي، التفافاً على قرار الغاء اتفاق القاهرة، وما يستتبعه من ضرورة تسليم السلاح الفلسطيني، ومن المعروف أن فكرة الأمن المجتزأ لا تتوافق مع منطق سيادة الدولة، فالقوى الشرعية اللبنانية وحدها عليها ولها الحق، في حمل السلاح، وحفظ الأمن على الأراضي اللبنانية.
وعليه، يبقى السؤال هل سيحظى نزع السلاح الفلسطيني داخل المخيمات بتفاهم وتوافق سياسيين وبدعم خارجي، لا سيما وأن الجيش والأجهزة الأمنيّة، ووفق القانون عليهم موجب ضبط السلاح؟ وهل هذه الخطوة المنتظرة تنتظر انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة؟ الأشهر المقبلة ستحسم ذلك.