منذ بداية الهجمات الإسرائيلية المكثفة على لبنان يوم 23 أيلول الماضي، أصبح القطاع الصحي في قلب الصراع، إذ تضرر عدد كبير من المراكز الصحية والمستشفيات، وباتت مهددة مع تحولها إلى أهداف للجيش الإسرائيلي.
وفي 21 تشرين الأول الماضي، نفذ الجيش الإسرائيلي غارة عنيفة قرب مستشفى رفيق الحريري في بيروت، وقال طبيب شاهد الضربة، كان يعالج وقتها مريضاً في المستشفى الأكبر في البلاد: "اهتزت الأرض، وتحطمت النوافذ، وارتفع صراخ المرضى".
وقال محمد فوعاني، الممرض في غرفة الطوارئ في مستشفى رفيق الحريري الجامعي لشبكة "سي أن أن"، متذكراً هجوم 21 تشرين الأول: "كنت أعالج مريضاً عندما انفجرت القنبلة، سقطت على المريض من الصدمة، كان الدخان كثيفاً للغاية؛ بالكاد تمكنت من رؤية زملائي".
وزعمت إسرائيل أن الضربة أصابت هدفاً لحزب الله، رغم أن المنطقة لم تكن مشمولة بأوامر الإخلاء العسكرية الإسرائيلية للمواقع التي يُزعم أنها مرتبطة بالحزب في جنوب بيروت.
بدورها، قالت وزارة الصحة اللبنانية حينها، إن 4 على الأقل، بينهم طفل، استشهدوا، وأصيب 24 آخرون في المبنى السكني على بعد حوالي 70 متراً من المستشفى.
أضرار كبيرة
وفي الشهر الأول من الهجوم الجوي الإسرائيلي الشامل على لبنان، الذي بدأ في 23 أيلول الماضي، ألحقت الضربات الإسرائيلية أضراراً بـ 34 مستشفى، وقتلت 111 من فرق الطوارئ، وأصابت 107 سيارات إسعاف، وفق بيانات جمعتها وزارة الصحة اللبنانية.
وبحسب هذه البيانات تضرر نحو 20% من المستشفيات المسجلة لدى وزارة الصحة في لبنان خلال شهر من الهجمات، حيث سقطت معظم الضربات في محيطها.
وتظهر بيانات وزارة الصحة اللبنانية وتحليل شبكة سي إن إن، أن الجيش الإسرائيلي أسقط قنابل على مقربة خطيرة من المستشفيات، التي يحميها القانون الدولي.
ورداً على طلب من الشبكة الأميركية للتعليق، قال الجيش الإسرائيلي، إنه "ملتزم بالقانون الدولي لكن حزب الله يتوغل في المناطق المدنية".
وفي بلد شهد العديد من الحروب والأزمات، فإنه نادراً ما كان قطاع الرعاية الصحية اللبناني عرضة للنار، وفق وزير الصحة اللبناني الدكتور فراس الأبيض.
واتهم الوزير إسرائيل باستهداف البنية التحتية الصحية، وفرق الرعاية الطبية، وقارن بين ما يحدث لبنان مع ما يجري في غزة، حيث هاجمت إسرائيل المستشفيات علناً، واتهمتها بالارتباط بحماس.
وفي تصريح له، قال الأبيض: "من المفترض أن تكون المؤسسات الصحية ملاذات آمنة. ومن الواضح أن هذا الاستهداف الإسرائيلي متعمد، وأن هذه سياسة واضحة تتبعها إسرائيل، في غزة، وفي لبنان".
استهداف مباشر
وتقول الشبكة في تقريرها، إنها راجعت أكثر من 240 غارة جوية في لبنان، ووجدت أن ما لا يقل عن 24 مستشفى كانت ضمن منطقة خطرة تبلغ 500 متر، تستخدمها القوات العسكرية الإسرائيلية معياراً لمناطق الإخلاء، من القنابل. وأظهر التحليل، الذي غطى الشهر الأول من الحرب، أن إسرائيل أسقطت ذخائر ضمن ما يُعرف بـ "المدى المميت" 340 متراً، قرب 19 مستشفى على الأقل في لبنان.
ويؤكد تريفور بول، وهو خبير فني سابق في الذخائر المتفجرة في الجيش الأميركي أن "حتى المستشفى الذي لم يستهدف بشكل مباشر يمكن أن يتضرر من موجة الانفجار، أو الشظايا الناجمة عن ضربة قريبة"، ويضيف: "يمكن للشظايا أن تؤذي أو تقتل أشخاصاً على بعد مئات الأمتار، ما يعني أن ضربة على بعد مئات الأمتار يمكن أن تؤذي أو تقتل أشخاصاً ليسوا ضمن منطقة الحماية الكافية".
وتوضح الشبكة، أنها شاركت نتائج تحليلاتها مع الجيش الإسرائيلي، وأطلعته على قائمة بإحداثيات جميع المستشفيات الـ 24 التي تعتبر على مقربة خطيرة من الضربات الإسرائيلية، وتضرر 16 منها، لكن الأخير لم يعلق على النتائج، وأكد أنه "يعمل فقط ضد حزب الله".
وقال وزير الصحة اللبناني، إن الضربات القريبة كان لها تأثير مدمر على الرعاية الصحية فبمجرد استهداف منطقة قرب المراكز الطبية "يعني أن الناس يخافون الآن من الذهاب إلى المستشفى"، وتابع قائلاً: "يفضل البعض في المستشفى العودة إلى منازلهم بدل العلاج لأنهم يخشون استهدافهم في المستشفيات".
ومع تكرار الهجمات الإسرائيلية على المراكز الصحية في لبنان، باتت الصورة عند البنانيين، تذكر بشكل عام بما جرى في غزة، حين هاجمت القوات الإسرائيلية مستشفى الشفاء في القطاع، بذريعة وجود مركز سيطرة وتحكم لحركة حماس.
وقال الدكتور ثائر أحمد، وهو طبيب أميركي تطوع في مستشفى ناصر في خان يونس في غزة في وقت سابق من هذا العام ويعمل الآن في لبنان: "بالنسبة لي، فإن ما يثير القلق حقاً هو أن خطاب الإسرائيليين هو نفسه، خاصة عندما يتحدثون عن البنية التحتية تحت مراكز الرعاية الصحية".
وأكد أحمد، أن جميع العاملين في الرعاية الصحية الذين تعامل معهم "متشائمون"، ويخشون أن يعاني النظام الصحي من نفس المصير الذي واجهه في غزة.
كذلك، قال أحمد للشبكة: "لا توجد خطوط حمراء. ولا يوجد احترام للقانون الإنساني الدولي. رأينا ذلك في غزة خلال الأشهر الـ13 الماضية، ونراه في لبنان. هل نتجه في نفس الاتجاه، هل سنرى هذا يتكرر بالفعل؟".
(24 - CNN)