توجد حاليًا في مدينة فرانكفورت الألمانية 80 مركز حوسبة، ومن المخطط أيضًا إنشاء نحو 30 مركزًا آخر فيها. وهذا يجعلها حرفيًا بؤرة حيوية لهذه الصناعة أيضًا: إذ يجب تبريد مزارع الخوادم الضخمة تبريدًا مُكلفًا حتى لا تسخن بسبب حركة البيانات الكثيرة. وهي تساهم بهذا في تسخين مناخ هذه المدينة الواقعة على نهر الماين.
ومدينة فرانكفورت تريد استخدام هذه الحرارة المهدرة من أجل تغطية جزء كبير من احتياجاتها من التدفئة . ويبدأ العمل في مشروع "فرانكي"، وهو منطقة سكنية جديدة تضم أكثر من 1300 شقة وثلاث روضات أطفال. ويحتاج المشروع إلى تدفئة تبلغ نحو 4000 ميغاواط/ساعة سنويًا بحسب مزوّد الطاقة شركة "ماينوفا". ومن المتوقع أن يوفر مركز الحوسبة "تيليهاوس" المجاور على الأقل 60 بالمائة من التدفئة.
والهواء الذي تبلغ درجة حرارته 35 درجة مئوية سيتم تحويله في محطة تدفئة حي فرانكي من خلال مبادلات حرارية ومضختين حراريتين كبيرتين إلى ماء ساخن درجة حرارته 70 مئوية، ثم يتدفق عبر شبكة التدفئة المحلية. وفي الأيام الباردة جدًا، تستخدم شركة ماينوفا أيضًا إمدادات التدفئة عن بعد من مصادر أخرى. ويوجد مشروع مشابه في مدينة هاترسهايم أم ماين، سيزوّد فيه مركز حوسبة جديد التدفئة لـ450 بيتًا.
وحول ذلك قالت باولا غيسنيت من شركة ماينوفا في مؤتمر الولايات الاتحادية "تحوّل الطاقة الفيدرالي" إنَّ "التحديات تكمن في مستوى درجة حرارة الحرارة المهدرة، والمساحة الضرورية لمضخات الحرارة الكبيرة، وموقع المستخدمين". وفي مناطق البناء الجديدة من السهل مدّ الأنابيب والتفاوض مع مستثمر البناء على حزمة تدفئة كاملة، ولكن ذلك صعب في المناطق القائمة، كما تقول المهندسة غيسنيت، التي تدير قسم تخطيط التدفئة والتعاقد: "يجب هنا البحث عن العملاء بشكل فردي وإبرام عقود جميعها لها نفس مدة الصلاحية".
يجب على مراكز الحوسبة أن تقدّم جزءًا من حرارتها المهدرة عندما تصل إلى مستوى معين. وفي المباني الجديدة، يتم التفكير تقنيًا منذ البداية في مثل هذا النوع من تحويل الحرارة. بيد أنَّ مشغلي شبكات التدفئة المحلية غير ملزمين بقبول هذه الحرارة. وغالبًا ما يرفضونها حتى مقابل لا شيء تقريبًا، وذلك لأنَّهم سيضطرون إلى الاستثمار من أجل استغلال هذا المصدر من الطاقة.
وبالإضافة إلى ذلك فإنَّ حرارة الهواء وكذلك مياه التبريد الخارجة من مزارع الخوادم بدرجات حرارة تتراوح بين 15 و60 درجة مئوية تعتبر منخفضة جدًا بالنسبة لأنابيب المياه القديمة. ولكن يمكن استخدامها مع مضخات حرارية لتدفئة المباني المكتبية والفنادق والمجمعات السكنية والصالات الرياضية وحمامات السباحة والمجمعات السكنية.
والالتزام بتقديم الحرارة المهدرة يزيد من صعوبة البحث عن المواقع، بحسب الاتحاد المهني "بيتكوم". بينما يزداد الطلب على قدرة الحوسبة من خلال زيادة استخدام الذكاء الاصطناعي والتدفق المعلوماتي والقيادة الذاتية والمنشآت الصناعية المتصلة بالشبكة.
محلل كهربائي PEM لاستخدام الحرارة على السطحصورة من: Paul Glaser
ومراكز الحوسبة هي مصادر تدفئة موثوقة لمدة 15 عامًا على الأقل، كما يروّج لها روديغر لوزه، المشارك في تأسيس الشبكة: "لم نرَ أيًا منها يغلق قط". ولذلك من المفيد التفكير بها خلال تخطيط التدفئة المحلية. ولكن في المقابل تشعر بعض الشركات الصناعية بالقلق على احتمال بقاء الموقع موجودًا بعد خمس سنين وقدرته على توليد ما يكفي من الحرارة المهدرة.
ومراكز الحوسبة الضخمة تنشأ الآن بشكل متزايد خارج المدن الكبرى. ومثلًا تقوم شركة مايكروسوفت بإنشاء مقرها في منطقة كانت سابقًا منجمًا مكشوفًا بمنطقة الراين. وبإمكان البلديات أن تدعو تحديدًا هذه الشركات التي تحتاج إلى الهواء الدافئ من مراكز الحوسبة، وأن تنشأ بذلك مناطق صناعية جديدة في المنطقة المحيطة، كما يقول لوزه. والحرارة المهدرة المنخفضة يمكن استخدامها مثلًا في تربية الأسماك وزراعة الطحالب والخضراوات في مزراع حضرية، وكذلك في أنظمة التجفيف لدى مصنعي الأغذية أو الورق والأثاث.
صورة من داخل المحلل الكهربائي PEMصورة من: Paul Glaserوبالإضافة إلى مراكز الحوسبة، يزداد الطلب باستمرار على أجهزة التحليل الكهربائي لإنتاج الهيدروجين الأخضر. وينتج عن هذا التحليل منتجان ثانويان هما الأكسجين والحرارة المهدرة. وقد قام مشروع "IntegrH2ate" في معهد أبحاث فراونهوفر للبنى التحتية للطاقة والتقنيات الجيولوجية (IEG) بإجراء دراسة حول كيفية الاستفادة من ذلك.
وحتى الآن كان ينصب اهتمام الاقتصاد فقط على الهيدروجين كخزان طاقة ومادة خام كيميائية. وكان يتم هدر المنتجين الثانويين من دون استخدام. ومع أنَّ الأكسجين يمكن استخدامه في الطب أو في محطات تنقية المياه.
وتبلغ درجة حرارة الحرارة المهدرة الناتجة عن مياه التبريد في جهاز التحليل الكهربائي أكثر من 50 درجة مئوية. ويجري حاليًا فريق بحثي تابع لمعهد فراونهوتفر في مرافق بلدية مدينة تسيتاو أول اختبار لتحويل هذه الحرارة المهدرة. وهنا ترفع مضخة حرارة كبيرة درجة الحرارة إلى 90 درجة مئوية، ثم تقوم شركة مرافق البلدية بضخ هذه المياه الساخنة في شبكة التدفئة عن بعد الخاصة بها.
ويقول مدير المشروع كليمنس شنايدر من معهد فراونهوفر: "التحدي في التحليل الكهربائي أنَّه يتم تشغيله وإيقافه باستمرار". وتستخدم في هذه العملية فوائض من طاقة الرياح والطاقة الشمسية ، مما يؤدي إلى إنتاج كميات أحيانًا كبيرة وأحيانًا صغيرة من الحرارة المهدرة. ويساعد الذكاء الاصطناعي في توقع الكميات المتاحة.
وتخطط الحكومة الألمانية كجزء من الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين تجهيز عشرة غيغاوات من قدرة التحليل الكهربائي بحلول عام 2030. وتقع المواقع المناسبة لذلك إما بالقرب من مزارع الرياح والطاقة الشمسية، أو حيث يوجد اتصال بشبكة الهيدروجين الأساسية أو بالقرب من المستهلكين الكبار. وكذلك يجب وجود كمية كافية من الماء للتفاعل الكيميائي ولتبريد جهاز التحليل الكهربائي. وتظهر في أطلس احتمالا جديد (H2PoWerD) أماكن التقاء العديد من العوامل، بما في ذلك إمكانية استخدام الحرارة المهدرة.
أعده للعربية: رائد الباش
تحرير: ع.ج.م
المصدر:
DW