آخر الأخبار

رأي.. بارعة الأحمر تكتب: نظام لبنان السياسي في مرمى إعادة الهندسة

شارك
مصدر الصورة Credit: COURTNEY BONNEAU/Middle East Images/AFP via Getty Images

هذا المقال بقلم بارعة الأحمر، صحافية وكاتبة سياسية لبنانية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأيها ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

لم تمرّ تحذيرات المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا وسفير واشنطن في تركيا توم باراك، في يوليو/تموز الماضي، مرور الكرام. حين حذّر من أن لبنان يواجه "تهديداً وجودياً (...) وقد يعود إلى بلاد الشام". وانفجرت يومها موجة غضب لبناني ورفض عابر للطوائف، إذ اعتُبرت تدخلاً مباشراً بشوؤن دولة مستقلة ومساساً بتاريخ لبنان السياسي وهويته، وضربا للصيغة التي نشأت تاريخياً لتبقى خارج مشاريع الدمج والإلحاق الإقليمي، ودَفع اللبنانيون أثماناً جسيمة لتكريسها خارج هذه المشاريع.

وفق قراءة باراك، يقف لبنان عالقاً بين إسرائيل وإيران وسوريا "التي تتقدم بسرعة كبيرة"، وقد يصبح عرضة لإعادة إدماج قسرية في محيطه إذا لم يُعالج ملف سلاح حزب الله. والخطورة هنا لا تكمن في تحميل اللبنانيين مسؤولية ما قد يحدث وحسب، بل في الإطار الذي يُطرح الحل من خلاله، أي المقاربة الأمنية لسلاح الحزب كشرط لإنقاذ لبنان من الزوال السياسي. بذلك، يتم نقل النقاش من الساحة الوطنية والدستورية إلى المستوى الدولي، حيث تُحدَّد معايير الاستقرار والبقاء من خارج المؤسسات الدستورية اللبنانية، وبمعزل عن التوازنات الداخلية.

التطورات اللاحقة وتراكم المؤشرات السياسية، تفرض اليوم قراءة أعمق لتصريحات باراك. فهي لم تكن زلة لسان ولا قراءة تاريخية متقادمة بل جزءاً من رؤية سياسية أوسع تندرج ضمن "خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط" التي تعيد ترتيب المنطقة تحت عناوين الاستقرار ونزع السلاح، وفق منطق القوة لا منطق الدول. وعندما يتحدث مسؤول أمريكي بهذا المستوى عن "تهديد وجودي"، يصبح السؤال مشروعاً حول مستقبل النظام اللبناني وصيغته الحالية. فهذا الطرح لا يقدّم توصيفاً أمنياً بقدر ما يعكس نظرة تعتبر أن لبنان لم تعد تتم مقاربته كدولة ذات سيادة كاملة، بل كنظام سياسي هش، قابل للتفكيك أو لإعادة التركيب ضمن ترتيبات إقليمية أوسع.

في هذا السياق، تنقل أوساط دبلوماسية غربية في بيروت، معلومات أكثر دقة حول المقاربة الأمريكية الجديدة لحل أزمة الحكم في لبنان، تقوم على إدراج لبنان ضمن منظومة أمنية سياسية إقليمية، وتتعامل معه كجزء من مسرح عمليات واحد يمتد من سوريا إلى فلسطين، وتُدار فيه الأزمات وفق أولويات الأمن الإقليمي من منظور واشنطن وحلفائها.

الهدف هو مساعدة الدولة اللبنانية على بسط سلطتها على أراضيها ومعابرها. غير أن الوسائل المطروحة تتجاوز الدعم التقليدي للجيش والمؤسسات، لتدخل في إطار الترتيبات ذات الطابع الوصائي، تُفرض تحت ضغط الانهيار المالي والسياسي، وتستند إلى فرضية أن النظام اللبناني، بصيغته الحالية، عاجز عن إنتاج حلول ذاتية. وهكذا، تُعاد صياغة الأزمة اللبنانية كملف أمني إقليمي، لا كأزمة حكم تُعالج ضمن الأطر الدستورية.

وللتذكير، لا يمكن فصل هذا المسار عن الضغط الأمريكي في مجلس الأمن في شهر أغسطس/آب الماضي للتجديد لولاية القوات الدولية، الـ"يونيفيل" العاملة في جنوب لبنان، لسنة واحدة أخيرة، في مؤشر على مرحلة انتقالية قد يتبدّل فيها شكل الحضور الدولي ودوره. كما لا يمكن فصل ذلك عن خلفيات زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى واشنطن، وإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد (داعش) الذي لا يقتصر على التنظيمات الجهادية، بل يشمل كل أشكال السلاح خارج الدولة. ما يعيد وضع لبنان في موقع التقاطع مع الملفات الإقليمية الكبرى. ويعزّز هذا الاتجاه إعلان رئيس أركان الجيش السوري عن استعداد بلاده لمساعدة الحكومة اللبنانية في نزع سلاح حزب الله.

لا يواجه لبنان اليوم مجرد ضغوط دبلوماسية أو إنذارات أمنية، بل اختباراً وجودياً لنظامه السياسي. فالمسار المطروح يضع الصيغة اللبنانية برمّتها تحت مشرط "إعادة الهندسة" الإقليمية. فهل يدافع اللبنانيون عن نظام أثبت عجزه عن حماية سيادته، وأنتج كل أشكال الفساد والمحاصصة، وغطّى الانهيار، حتى بدا في نظر كثر دولة مارقة؟ أم أن الصمت والخوف والتردد سيفتحون الباب أمام إعادة الصياغة لنظامه السياسي، تُكتب خارج إرادة اللبنانيين.

سي ان ان المصدر: سي ان ان
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا