في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
يشهد الحزب الجمهوري بأميركا نقاشاً محتدماً بين كبار المانحين اليهود بعد سلسلة من الوقائع التي أعادت طرح سؤال معاداة السامية داخل التيار المحافظ، وأظهرت هشاشة الإجماع التقليدي حول العلاقة مع إسرائيل ومكانة اليهود الجمهوريين في بنية الحزب. وقد بدأت هذه التوترات بالظهور العلني خلال الأسابيع الأخيرة، عقب الحوار الذي جمع الإعلامي المحافظ تاكر كارلسون.
بمن يطلق عليه إعلاميا "الداعم لنظريات تفوق العرق الأبيض ومُنكِر المحرقة"، نيك فوينتس، والذي فجّر معركة داخلية حول ما إذا كان ينبغي على الجمهوريين مواجهة المؤثرين اليمينيين الذين يروّجون لخطاب معادٍ لليهود، وفقا لموقع بوليتيكو.
فبعض كبار المانحين يسعون لتجنّب الخوض في الموضوع، بينما يشعر آخرون بأنهم "بلا مأوى سياسي" داخل حزب يرى بعضهم أنه يواجه "مشكلة نازية" متفاقمة. وفي المقابل، يستعد فريق ثالث لمواجهة المرشحين الجمهوريين الذين يتبنّون خطاباً معادياً للسامية، خصوصاً مع إعلان فوينتس في نوفمبر إعادة إطلاق منظمة سياسية استعداداً لانتخابات 2026، مؤكداً أنه يسعى إلى "التسلل للسياسة" وتوجيه الناخبين، وأنه يستهدف ما يسميه "لوبي إسرائيل أولاً" و"حركة اجعلوا إسرائيل عظيمة مجدداً".
ويقول إيتان لاؤور، جامع التبرعات الجمهوري ومؤسس American Principles PAC، إن هناك قوى بدأت تتشكل لمواجهة هذا التوجّه، وإن وسائل التواصل الاجتماعي منحت الشخصيات التي تتبنى خطاباً معادياً للسامية قدرة نفاذ مذهلة: "من المدهش مدى تأثيرهم عبر تاكر وكانديس أوينز"، التي سبق أن قلّلت من شأن "المحرقة" ووصفت إسرائيل بأنها "أمة طائفة".
ويعبّر هذا القلق عن لحظة سياسية معقّدة بالنسبة لليهود المحافظين في الولايات المتحدة، إذ يعتبر كثير منهم أن الحزب الديمقراطي سمح خلال السنوات الماضية بانتشار خطاب معادٍ للسامية داخل تياره الرئيسي، ويخشون اليوم تكرار المشهد داخل الحزب الجمهوري.
ومنذ نشر حلقة بودكاست كارلسون وفوينتس في 27 أكتوبر، وما تضمنته من إشادات بستالين ومن حديث فوينتس عن "اليهود المنظمين" باعتبارهم "التحدي الأكبر" أمام وحدة البلاد، اهتزت أروقة الحزب الجمهوري. كارلسون، الذي يحتفظ بقاعدة جماهيرية ضخمة بعد مغادرته فوكس نيوز، وصف الجمهوريين المؤيدين لإسرائيل بأنهم يعانون من "فيروس دماغي". وأثارت الحلقة إدانة من السيناتورين تيد كروز وليندسي غراهام، ومن المعلق المحافظ بن شابيرو، فيما أدى دفاع رئيس مؤسسة "هيريتج" كيفن روبرتس في البداية عن الحلقة إلى اضطرابات داخلية وانتقادات خارجية واسعة. أما الرئيس دونالد ترامب فقال عند سؤاله إن لكارلسون الحق في استضافة فوينتس، وإن "على الناس أن يقرروا".
وشعر كبار المانحين بالصدمة نفسها. وقال أحد كبار المانحين اليهود، الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، إن المقارنة بين مقابلة كارلسون القاسية مع كروز ومقابلته اللطيفة مع فوينتس تعكس ميلاً واضحاً: "كارلسون مزّق كروز الذي يدعم إسرائيل، لكنه عامل فوينتس بلطف شبه مطلق".
وأضاف المانح أن "معاداة إسرائيل ومعاداة السامية كثيراً ما تُخلطان، لكن البعض يختبئ وراء النقد السياسي لإسرائيل"، مشيراً إلى أنه يتعرف على الخطاب المعادي للسامية عندما يراه: "إنهم يختبئون خلف حرية التعبير والعزلة السياسية، لكن هناك قدراً كبيراً من معاداة السامية الكلاسيكية".
من جهته، قال مات بروكس، المدير التنفيذي للائتلاف اليهودي الجمهوري، إن منظمته ستعمل على استهداف أي مرشح يحصل على دعم فوينتس: "علينا التأكد من أن أحد هؤلاء لا يصل إلى مواقع السلطة، كما حدث لدى الديمقراطيين حين تمكن المتطرفون من اختراق الحزب".
ويؤكد بروكس وعدد من النواب الجمهوريين، مثل ديفيد كوستوف وراندي فاين، أن معاداة السامية ما زالت محصورة في هامش الحزب. أما السيناتور ليندسي غراهام، فقال في خطاب أمام الائتلاف اليهودي الجمهوري إن أي جمهوري يتبنى خطاباً معادياً للسامية سيواجه معارضة قوية من الحزب: “يمكنك أن تجلس في قبو مع أناس غريبي الأطوار وتقول أشياء غريبة، فهذا بلد حر. لكن إذا قررت الترشح كجمهوري وتبنّيت هذا الهراء، فسوف نسحقك".
وقال غابرييل غرويسمان، وهو مانح جمهوري من فلوريدا، إنه سيعمل مع آخرين لضمان عدم صعود شخصيات كهذه: "عندما نرى أحدهم يعلن ترشحه، ستسمعون منا ومن كل من حولنا عبر كل منصة نملكها".
ورغم الاعتراف بوجود المشكلة، فإن بعض المانحين غير متأكدين من كيفية التعامل مع "المدّ المتصاعد". وقال أحدهم: "الحاجة إلى التدقيق والسؤال: هل أنا أدعم شخصاً معادياً للسامية أم لا؟ أصبحت مهمة أكبر وأكثر تعقيداً".
وجاءت مقابلة كارلسون وفوينتس بعد سلسلة حوادث أخرى داخل اليمين، منها انسحاب بول إنغراسيا من ترشيحه لمكتب المستشار الخاص بعد التفاخر بأن لديه "نزعة نازية"، وتسريب محادثات شباب جمهوريين يمدحون فيها هتلر، والعثور على رمز نازي داخل مكتب عضو جمهوري في الكونغرس.
ويأتي كل ذلك في وقت يشهد تحوّلاً واسعاً داخل القاعدة اليهودية الأميركية. فقد حسّن ترامب أداءه في 2024 داخل المناطق ذات التجمعات اليهودية، وخلص تحليل مجلة Tablet إلى أن النتائج "تاريخية". كما أظهر استطلاع حديث لـ"واشنطن بوست" أن النظرة إلى الحزبين الجمهوري والديمقراطي أصبحت متساوية من حيث “الود تجاه اليهود”، بعدما كان الديمقراطيون يتقدمون بفارق 15 نقطة قبل خمس سنوات.
أما ترامب، فقد أشاد خلال رسالة مصورة عُرضت في مؤتمر الائتلاف الشهر الماضي بأنه حصل على "أعلى نسبة تصويت يهودية لأي جمهوري منذ 1988".
في المقابل، تتغير نظرة الأميركيين لإسرائيل. فاستطلاع لمركز بيو في سبتمبر كشف أن نحو 60% من الأميركيين يحملون نظرة سلبية للحكومة الإسرائيلية، وأن السلبية تضاعفت تقريباً بين الجمهوريين تحت سن الخمسين خلال السنوات الثلاث الماضية.
ومع دخول الحزب مرحلة ما بعد ترامب، تشير التقديرات إلى أن معركة المواقف من إسرائيل ومعاداة السامية ستكون مركزية في انتخابات 2028. وقال آري فليشر، السكرتير الصحافي الأسبق في إدارة بوش وعضو مجلس إدارة الائتلاف اليهودي الجمهوري، إن طريقة تعامل المرشحين مع المسألة "ستحدد مسار الانتخابات التمهيدية".
ويقول نيك موزين، المستشار السابق للسيناتورين تيد كروز وتيم سكوت، إن هناك "جهود تواصل واسعة" مع السيناتور جيه دي فانس من جانب المانحين اليهود، لأن سجله بشأن إسرائيل محدود: "هو أحدث سناً وليس لديه سجل طويل، لذا هناك بعض التحفظ، رغم أن العمل جارٍ لبناء العلاقات".
المصدر:
العربيّة