في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
شدد محللون وخبراء على أن إسرائيل تسعى إلى استبدال صورة المقاتل الصامد -كصورة يحيى السنوار وهو يقاتل بآخر ما لديه من رمق- بصورة مقاتل آخر يخرج بثيابه الداخلية رافعا الراية البيضاء، في محاولة لتحقيق نصر إعلامي بعد الفشل في تحقيق الأهداف المعلنة من الحرب.
وأكد المحللون -في مقابلات للجزيرة نت- أن ملف المقاتلين في الأنفاق معقد من النواحي العسكرية والأمنية، خاصة أن خريطة غزة أصبحت مختلفة منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في شرم الشيخ ، وبات المقاتلون جغرافيا خارج الخط الأصفر، أي في المنطقة التي يسيطر عليها جيش الاحتلال الإسرائيلي .
ومن الناحية القانونية، حذروا من أن ما يجري ضد مقاتلي المقاومة الفلسطينية المحاصرين في أنفاق رفح (جنوبي قطاع غزة ) يشكل انتهاكا جسيما لاتفاق وقف إطلاق النار، ويرقى إلى جريمة اغتيال بموجب القانون الدولي ، وأن إسرائيل تضعهم أمام خيارين كلاهما مر: إما الاستسلام المهين أو القتل داخل الأنفاق.
واعتبر الخبراء أنه بعد أي وقف لإطلاق النار بين قوتين متقاتلتين، ينسحب المقاتلون إلى خطوط محددة، ولا يجوز التعرض لهم بأي شكل من الأشكال. وأضافوا أن ما تقوم به إسرائيل ليس قتلا في سياق معركة، بل هو اغتيال صريح لمقاتلين يجب أن يكونوا محصنين بموجب اتفاق وقف إطلاق النار.
وفي ظل محاولات إسرائيل المستميتة لتحقيق نصر إعلامي بعد عامين من عدوان أسفر عن استشهاد 70 ألف فلسطيني وإصابة نحو 170 ألفا، وتدمير نحو 90% من البنية التحتية لقطاع غزة وفقا لإحصاءات وزارة الصحة في غزة، يرى مدير مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي أن إسرائيل وضعت المقاومة الفلسطينية أمام خيارين كلاهما مر.
الخيار الأول -حسب الرنتاوي- هو "الخروج المهين والمذل لمقاتلي المقاومة من الأنفاق، في صورة المستسلم الذي تريد إسرائيل أن تقدمه كعبرة للآخرين، حتى تلتقط لنفسها صورة نصر ولو كان جزئيا، وتخلق مشهدا بديلا لصورة البطولة والبسالة التي قدمها المقاتل الفلسطيني خلال السنتين الأخيرتين".
وأضاف مدير مركز القدس -في تصريحات للجزيرة نت- أن إسرائيل تسعى إلى استبدال صورة يحيى السنوار وهو يقاتل بآخر رصاصاته، ويقذف الطائرة الإسرائيلية المسيرة بعصاه وهو جريح في مواجهة مباشرة وعلى مسافة صفر، بصورة مقاتل آخر يخرج بثيابه الداخلية رافعا الراية البيضاء.
أما الخيار الثاني الذي تطرحه إسرائيل على المقاومة، فهو قتل المقاتلين داخل مواقعهم، وتصفيتهم داخل الأنفاق أو بعد خروجهم منها، حسب ما ذهب إليه الرنتاوي.
ويؤكد أن إسرائيل "ما تزال تتربص بهؤلاء المقاتلين، وتحاول القضاء عليهم داخل الأنفاق، سواء بالقصف الوحشي أو بإغلاق الأنفاق وقطع الماء والهواء والغذاء، لتحويل تلك الأنفاق إلى مقابر جماعية ".
وفي السياق ذاته، يتفق الخبير الأمني والعسكري أسامة خالد مع هذا التقييم، مؤكدا أن التعنت الإسرائيلي ومحاولة الاستثمار في هذا الملف يعد استثمارا "لضعف موقف المقاومة التي لا زالت تسعى لملمة صفوفها وإدامة الاتفاق بما يضمن عدم عودة الإبادة للحاضنة الشعبية".
ويشدد خالد على أن جيش الاحتلال "يصر على استسلام من تبقى من المقاتلين لكي يحصل على صورة نصر ومشهدية كبيرة يعوض بها حالة الضعف والجبن أمام مقاتل صمد في باطن الأرض أكثر من عامين".
وحسب تصريحات جيش الاحتلال الإسرائيلي، فقد أعلن أنه قتل أكثر من 40 مسلحا خلال غارات وتفجيرات استهدفت أنفاقا في منطقة رفح جنوبي قطاع غزة خلال الأيام الأخيرة. في المقابل، تقدر حركة المقاومة الفلسطينية ( حماس ) بأن عدد مقاتليها العالقين داخل الأنفاق يتراوح بين 80 و100 مقاتل، وهم في وضع إنساني بالغ الصعوبة مع انعدام سبل الحياة من ماء وغذاء وهواء.
وفي سياق التحليل القانوني لما يجري في أنفاق رفح، يؤكد الخبير في القانون الدولي أنيس القاسم أن الوضع القانوني واضح تماما، معتبرا أن "ما يجري مع مقاتلي المقاومة الفلسطينية داخل الأنفاق هو عملية اغتيال".
وفي تصريحات للجزيرة نت، يشرح القاسم ذلك بأنه "عادة بعد أي وقف لإطلاق النار بين قوتين متقاتلتين ينسحب المقاتلون إلى خطوط محددة، ولا يجوز التعرض لهم بأي شكل من الأشكال، لأن الهدنة تفترض عودتهم إلى مواقع متفق عليها من الطرفين، ويُفترض أيضا أن يجري خلالها تبادل للأسرى".
ويضيف "لذلك، ما تقوم به إسرائيل ليس قتلا في سياق معركة، بل هو اغتيال صريح، لأن هؤلاء المقاتلين يجب أن يكونوا محصنين بموجب اتفاق وقف إطلاق النار".
وفي معرض شرحه للغطاء القانوني المزعوم الذي تحاول إسرائيل استخدامه لتبرير أفعالها، يوضح الخبير القانوني أن تل أبيب "تعتمد قانونا يسمح لها بتوصيف المقاتلين في الأنفاق ضمن ما تسميه المقاتلين غير الشرعيين، وهو تصنيف لا أساس له في القانون الدولي".
ويشدد على أنه "وفق اتفاقيات جنيف ، لا توجد سوى فئتين من الناس، هم: مدنيون ومقاتلون، ولا وجود لفئة ثالثة بينهما". ويستنتج من ذلك أن "مصطلح المقاتلين غير الشرعيين الذي تستخدمه إسرائيل هو مجرد غطاء قانوني للاغتيال، لكنه غطاء يتعارض تماما مع قواعد القانون الدولي، وتمكن محاكمة إسرائيل عليه".
غير أن القاسم لا يخفي الصعوبات العملية التي تواجه محاكمة إسرائيل على هذه الجريمة، موضحا أنه يدرك أن "ملاحقة إسرائيل أمام القضاء الدولي بشأن هذه النقطة تحديدا ستواجه صعوبات فنية كبيرة".
ويشرح هذه الصعوبات الفنية بأنه "لكي يتحرك المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في هذه الجريمة لا بد من وجود دولة عضو في المحكمة تتقدم بطلب رسمي. أي أن الأمر يعتمد على دولة تكون قادرة ومستعدة لتبني القضية رسميا أمام المحكمة".
لكنه يبدي تفاؤلا حذرا بالقول "بالطبع، هناك بعض الدول التي أعتقد أنها لا تزال راغبة في دعم هذا النوع من القضايا، لكن ذلك يتطلب من قيادات المقاومة المبادرة بالاتصال بهذه الدولة لتقديم طلب رسمي، ومطالبة المحكمة بالتحقيق في الجريمة الإسرائيلية الجديدة باعتبارها اغتيالا وقتلا من دون وجه حق".
وفي قراءته للوضع العسكري الراهن وموقع ملف الأنفاق ضمن معادلة القوى الأوسع، يؤكد خالد أن "ملف المقاتلين في الأنفاق معقد من النواحي العسكرية والأمنية، خاصة أن الميدان أصبحت خريطته مختلفة منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في شرم الشيخ".
ويوضح أن المقاتلين "أصبحوا جغرافيا خارج الخط الأصفر، أي في المنطقة التي يسيطر عليها جيش الاحتلال الإسرائيلي فيزيائيا وناريا، وهذا يعني أن التفاوض والوصول لصيغة محددة مقبولة تضمن خروج ما تبقى من المقاتلين بشكل آمن" يواجه تحديات جمة.
ويحذر من أن "مصير المقاتلين مجهول وقد وُضعوا أمام خيارين: إما الاستسلام، وإما القتال حتى الرمق الأخير، ومع انعدام سبل الحياة داخل الأنفاق هناك".
ومع ذلك، يضع الخبير العسكري ملف الأنفاق في سياق إستراتيجي أوسع، مؤكدا أنه "في الميزان العسكري أصبحت أنفاق رفح جزئية أمام كليات كبيرة مع دخول المرحلة الثانية من الاتفاق، التي أبرزها محاولة نزع سلاح المقاومة وضمان عدم مشاركة فصائل المقاومة الفلسطينية في الحكم وإدارة قطاع غزة".
ويضيف أن "الأنفاق في نهاية المطاف هي أداة من أدوات المقاومة التي تستطيع ترميمها أو إعادة بنائها، والتي تشكل ميزانا كبيرا وحقيقيا في سياقها الموضوعي".
لكنه يستدرك بالقول "لا نعتقد أن ملف أنفاق رفح ذو ثقل كبير حاليا، مع التأكيد على أن المقاومة الفلسطينية عودتنا على مفاجآت كبيرة في مراحل عديدة، وهذا يُبنى عليه في وقته".
في ظل هذا الوضع الكارثي، يحمّل الرنتاوي المسؤولية لأطراف متعددة، مؤكدا أن "هذه المسؤولية لا تقع فقط على عاتق وسطاء الهدنة"، لكن "المطلوب هو حل سياسي مشرف يكفل حياة هؤلاء المقاتلين، ويضمن عودتهم إلى المناطق التي ما تزال تحت سيطرة المقاومة، ويتيح لهم خروجا لائقا".
ويشدد على أن "الأمر مسؤولية عربية ومسؤولية المجتمع الدولي ، فالتفرج على عمليات قتل مستهدف لمقاتلين داخل الأنفاق يخالف أخلاقيات الحرب وقوانينها الأساسية".
وفي ختام تصريحاته، يوجه مدير مركز القدس للدراسات السياسية رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي، قائلا "يتعيّن على المجتمع الدولي -وعلى الإدارة الأميركية صاحبة المبادرة التي تحولت إلى قرار لمجلس الأمن – أن تتحرك بالقدر الكافي من الضغط على الحكومة الإسرائيلية لضمان خروج مشرف للمقاتلين الذين صمدوا في الأنفاق كل هذه الفترة".
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة