في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
تسير المواجهة بين واشنطن وكراكاس في مسار متسارع تتداخل فيه الاتهامات المرتبطة بالمخدرات مع حسابات جيوسياسية أوسع، حيث تتعامل الولايات المتحدة مع الملف بوصفه جزءا من مقاربتها لأمنها القومي، في حين ترى فنزويلا أن هذه الاتهامات تتجاوز بعدها الجنائي لتلامس جوهر سيادتها ومسارها السياسي.
هذا التباين في تفسير الدوافع منح الجدل حول الأزمة استقطابا واضحا، وهو ما ظهر في حديث المحللين بحلقة "ما وراء الخبر"، حيث لم يعد ملف الفنتانيل مجرد عنوان لتحرك أمني، بل أصبح محورا في جدل يرتبط بتوازن القوى في القارة الأميركية.
فعلى الجانب الأميركي، تُطرح القضية باعتبارها تهديدا مباشرا يمتد من الحدود الجنوبية إلى الداخل الأميركي، أما في الرواية الفنزويلية، فتُصوَّر القضية كأداة ضغط سياسي تُستحضر كلما ارتفعت حرارة الخلافات مع واشنطن.
وفي هذا السياق، قدّم المحلل الإستراتيجي في الحزب الجمهوري أدولفو فرانكو قراءة تدعم فكرة ارتباط التصعيد بإستراتيجية أميركية متعددة المستويات، موضحا أن مكافحة المخدرات تمثل جانبا من خطاب إدارة الرئيس دونالد ترامب ، لكنها ليست العامل الوحيد.
فالمخاوف من علاقات فنزويلا مع قوى دولية كروسيا والصين وإيران ، إضافة إلى اعتقاد واشنطن بعدم شرعية حكومة نيكولاس مادورو ، تشكل -في تقديره- عناصر رئيسية في تفسير النهج الأميركي.
ومع ذلك، تضع كاراكاس تفسيرا مغايرا لهذا المشهد، فالإعلامية وعضو الحزب الحاكم في فنزويلا إيزابيل فرنجية تستند إلى تقارير أممية تعتبر أن إنتاج الفنتانيل داخل البلاد معدوم، معتبرة أن الربط الأميركي بين فنزويلا والمخدرات لا يستند إلى أساس واقعي، بل إلى تصور سياسي مسبق.
ويعكس هذا الرأي شعورا بأن الاتهامات تُستخدم لإعادة تدوير خطاب التدخل الخارجي بأشكال جديدة، رغم اختلاف الظروف والسياقات.
ويشير اختلاف السرديتين إلى أن ملف المخدرات يقوم بدور يتجاوز جوهره الجنائي، فالتحركات الأميركية في البحر الكاريبي وتداول تقارير عن خيارات عسكرية طُرحت على الرئيس الأميركي، تُعطي انطباعا بأن واشنطن تسعى لإعادة ضبط ميزان النفوذ في المنطقة.
وفي هذه المقاربة لا يعود السؤال متعلقا بمسار شحنات المخدرات، بل بمدى تأثير التحالفات الفنزويلية على البيئة الإستراتيجية المحيطة بالولايات المتحدة.
ويجد هذا التفسير سندا في رؤية الكاتب والمحلل السياسي علي فرحات، الذي اعتبر أن التمدد الاقتصادي والعسكري الروسي والصيني في فنزويلا شكل أحد أهم دوافع التصعيد.
فالتعاون النفطي مع الصين، ووجود الخبراء العسكريين الروس، يُنظر إليهما كتحولات إستراتيجية تضع واشنطن أمام مشهد إقليمي جديد، وتفرض عليها -وفق تقديره- إعادة تقييم أدوات القوة المستخدمة في محيطها الحيوي.
وتعكس هذه المقاربات اختلافا واضحا في تعريف التهديد، ففي حين تربط واشنطن بين الفنتانيل والأمن القومي، ترى كراكاس أن جوهر الأزمة سياسي يرتبط بثرواتها الطبيعية، وبدورها في خريطة التحالفات الدولية، وبإرثها السياسي الذي يمتد من الحقبة التشافيزية إلى اليوم.
أما فيما يتعلق بخيارات القوة، فيظهر من تحليل فرانكو أن الولايات المتحدة لا تتجه نحو غزو شامل، لكنه لم يستبعد إمكانية توجيه ضربات جوية محدودة تُصاغ تحت شعار مكافحة المخدرات، ويعتبر أن مثل هذه العمليات قد تؤدي -إذا ترافقت مع ضغط داخلي- إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي الفنزويلي.
لكن هذا التصور لا يلقى قبولا لدى فرنجية، التي رأت أن واشنطن أساءت فهم المزاج الشعبي في البلاد، وأن تجارب العقدين الماضيين تُثبت أن احتمالات الانقلاب لا تتماشى مع واقع التوازنات الداخلية.
ويأتي سيناريو الاغتيال ليعقّد الصورة أكثر، إذ أشار فرانكو إلى مكافأة مالية رصدتها واشنطن لمن يقدم "رأس مادورو"، وهو ما اعتبرته كراكاس -وفق فرنجية- تهديدا مباشرا لرئيس دولة، ويعكس مستوى غير مسبوق من التصعيد السياسي.
وعلى مستوى الإقليم، يلفت فرحات إلى أن أي ضربة عسكرية أميركية ستنعكس على علاقات واشنطن مع البرازيل والمكسيك وكولومبيا، التي ترتبط بمواقف متفاوتة من الأزمة الفنزويلية.
كما يرى أن روسيا والصين، رغم استثماراتهما الكبيرة في فنزويلا، قد لا تتدخلان عسكريا، لكنهما ستعتبران أي عمل أميركي مساسا بمجال نفوذهما الدولي، وهو ما يجعل التداعيات الجيوسياسية تتجاوز حدود الكاريبي.
ومع تصاعد الاحتمالات، تتجه بعض التقديرات إلى أن الضوضاء العسكرية قد تكون -حسب فرحات- جزءا من تكتيك تفاوضي عبر وسطاء إقليميين، بهدف دفع فنزويلا إلى تقديم تنازلات سياسية أو اقتصادية دون الحاجة إلى مواجهة مباشرة.
في المحصلة، تبرز من هذا الجدل رؤية تقول إن ملف الفنتانيل تحوّل إلى مدخل تجاذب واسع حول مستقبل النفوذ في القارة الأميركية، ففي حين تصرّ واشنطن على أن أمنها الداخلي مهدد، تؤكد كراكاس أن جوهر الصراع هو السيادة والموارد والتحالفات.
المصدر:
الجزيرة