في مقابلة مع برنامج "لقاء خاص" على الجزيرة الإنجليزية، وجهت وزيرة خارجية جمهورية الكونغو الديمقراطية تيريز كاييكوامبا فاغنر، انتقادات حادة لرواندا، مطالبة إياها بإثبات التزامها الحقيقي بالسلام، في ظل استمرار وجود قواتها داخل الأراضي الكونغولية وتصاعد التوترات في شرق البلاد.
وقالت فاغنر إن تصرفات رواندا الميدانية تثير الشكوك حول جديتها في الانخراط بعملية سلام تهدف إلى إنهاء عقود من الصراع في شرق الكونغو.
وأضافت أن اللقاء الرئاسي المخطط له لا يزال معلّقا، بينما تستمر الانتهاكات رغم الجهود الدبلوماسية.
وأكدت أن إحراز تقدم حقيقي يتطلب ضغطا فعليا من الوسطاء الدوليين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة وقطر وشركاء إقليميون، لضمان محاسبة الطرفين ودفع العملية نحو اتفاق موثوق ومستدام.
وأكدت فاغنر أن الحكومة الكونغولية تمتلك أدلة دامغة على دعم رواندا لحركة "إم 23" المسلحة، التي تزعزع الاستقرار في إقليم شمال كيفو.
وقالت إن هذا الدعم لا يقتصر على التمويل والتسليح، بل يشمل أيضا التنسيق العسكري المباشر، مشيرة إلى أن وجود قوات رواندية داخل الأراضي الكونغولية يمثل انتهاكا صارخا للسيادة الوطنية.
وشددت الوزيرة على أن رواندا لم تُظهر حتى الآن أي خطوات ملموسة نحو الانسحاب أو وقف دعمها للجماعات المسلحة، معتبرة أن تصريحات كيغالي بشأن السلام لا تتطابق مع أفعالها على الأرض.
أوضحت الوزيرة فاغنر أن بلادها منفتحة على الحوار، وقد شاركت في عدة جولات تفاوضية ضمن مسارات إقليمية، أبرزها مبادرة لواندا ومحادثات نيروبي، لكنها أشارت إلى أن التقدم ظل محدودا بسبب ما وصفته بـ"غياب الإرادة السياسية لدى رواندا".
وأضافت أن الكونغو الديمقراطية قدمت مقترحات واضحة لوقف إطلاق النار وسحب القوات الأجنبية، إلا أن الطرف الرواندي لم يلتزم بها، مما يثير شكوكا حول نياته الحقيقية.
وأشادت الوزيرة بالدور القطري في استضافة مفاوضات مباشرة بين الحكومة الكونغولية وممثلي حركة إم 23، مؤكدة أن الدوحة وفّرت بيئة تفاوضية "هادئة ومحايدة" بعيدا عن الضغوط الإقليمية.
وأشارت إلى أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه في قطر شكّل نقطة تحول في مسار الأزمة، حيث نص على وقف إطلاق النار وتحديد آليات للانسحاب التدريجي من المناطق التي تسيطر عليها الحركة.
واعتبرت فاغنر أن الوساطة القطرية ساعدت في دمج مساري نيروبي ولواندا ضمن إطار تفاوضي واحد، ما عزز فرص التوصل إلى تسوية شاملة.
وكشفت الوزيرة أن الولايات المتحدة لعبت دورا مهما في التمهيد لاتفاق الدوحة، من خلال استضافة لقاءات تمهيدية بين أطراف النزاع في واشنطن، وتقديم ضمانات سياسية لتنفيذ مخرجات التفاوض.
وقالت إن واشنطن مارست ضغوطا دبلوماسية على القيادة الرواندية لوقف دعمها لحركة إم 23، مشيرة إلى أن هذا الضغط كان "حاسما" في دفع كيغالي نحو الانخراط في المسار التفاوضي.
وأكدت فاغنر أن الولايات المتحدة ترى في استقرار الكونغو الديمقراطية مصلحة إستراتيجية، خاصة في ظل أهمية المعادن النادرة التي تنتجها البلاد، والتي تدخل في صناعات التكنولوجيا العالمية.
تطرقت الوزيرة الكونغولية إلى البعد الإقليمي للصراع، مشيرة إلى أن عدم استقرار شرق الكونغو يؤثر على الأمن في منطقة البحيرات الكبرى بأكملها.
ودعت الوزيرة الدول المجاورة إلى احترام الحدود وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، مؤكدة أن السلام في الكونغو الديمقراطية هو شرط أساسي لاستقرار المنطقة.
كما طالبت المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، باتخاذ موقف أكثر حزما تجاه الانتهاكات الرواندية، ودعم جهود الكونغو في استعادة سيادتها وحماية مواطنيها.
سلطت فاغنر الضوء على الأوضاع الإنسانية الكارثية في شرق البلاد، حيث أدت المعارك إلى نزوح مئات الآلاف من المدنيين، وتفاقم أزمة الغذاء والخدمات الأساسية.
مدنيون فرّوا من مدينة غوما شرقي الكونغو ، إثر اشتباكات بين حركة إم 23 والقوات الحكومية (رويترز)وأكدت الوزيرة أن الحكومة تعمل على تقديم المساعدات، لكنها تواجه تحديات كبيرة بسبب استمرار القتال وعرقلة وصول الدعم الإنساني.
وأشارت إلى أن الجماعات المسلحة، وعلى رأسها حركة إم 23، تستهدف المدنيين وتستخدمهم كدروع بشرية، مما يزيد من تعقيد الوضع ويجعل الحل العسكري غير كاف دون معالجة الأسباب السياسية والجيوسياسية للصراع.
أكدت وزيرة الخارجية الكونغولية أن بلادها لا تسعى إلى الحرب، بل إلى سلام عادل ومستدام، يقوم على احترام السيادة الوطنية ووقف التدخلات الخارجية.
العاصمة الكونغولية كنشاسا (الجزيرة)وقالت إن الكونغو مستعدة للعمل مع جميع الأطراف، بما في ذلك رواندا، شريطة أن تكون هناك ضمانات واضحة والتزامات قابلة للتحقق.
وأضافت أن الحكومة الكونغولية تضع مصلحة الشعب في المقام الأول، وتسعى إلى بناء دولة قوية قادرة على حماية حدودها وتحقيق التنمية، مشددة على أن السلام ليس خيارا تكتيكيا بل ضرورة إستراتيجية.
في ختام المقابلة، وجهت فاغنر رسالة مباشرة إلى القيادة الرواندية، دعتها فيها إلى مراجعة سياساتها تجاه الكونغو، والاختيار بين الاستمرار في دعم الجماعات المسلحة أو الانخراط في مسار سلام حقيقي يخدم مصالح الشعبين.
وقالت "إذا كانت رواندا تريد السلام فعلا، فعليها أن تثبته بالأفعال، لا بالأقوال"، مؤكدة أن الكونغو لن تتراجع عن الدفاع عن سيادتها، لكنها تفضّل دائما الحلول السياسية والدبلوماسية.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة