آخر الأخبار

لماذا هدد ترامب نيجيريا بالحرب؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

احتلت التهديدات التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتدخل عسكري في نيجيري ا حيزا واسعا من الاهتمام، بالنظر إلى اعتبارها نقطة علامة بارزة في العلاقة بين واشنطن وعملاق الغرب الأفريقي تنذر بتحولات على تحالف بين البلدين لطالما وصف بالوثيق.

وعند النظر إلى وثيقة نشرتها السفارة الأميركية في أبوجا تمهيدا لزيارة وزير الخارجية الأميركي السابق أنتوني بلينكن لنيجيريا في يناير/كانون الثاني 2024 سنجد تكرارا لاستخدام مفردتي الشراكة والشراكات بين البلدين أكثر من 16 مرة، في بيان واضح لطبيعة العلاقة بين الطرفين المبنية وفقا للوثيقة على "المصالح والقيم المشتركة".

مصدر الصورة بلينكن (وسط) خلال مراسم افتتاح "الركن الأميركي" بمقر شركة تكنولوجيز القرن الحادي والعشرين 2024 (الفرنسية)

شراكة ومصالح

تمتد هذه الشراكات في مجالات متعددة كالأمن، فقد كانت نيجيريا أول الدول الأفريقية التي انضمت إلى "التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة" الذي أطلقته واشنطن عام 2014، في حين يشكل الاقتصاد عصبا رئيسيا في العلاقة بين البلدين، حيث تعد أبوجا ثاني أكبر شريك تجاري لواشنطن في أفريقيا مع تجاوز حجم التجارة بين الطرفين إلى أكثر من 11.2 مليار دولار في عام 2023.

وتوضح الأرقام التي نشرتها "إدارة التجارة الدولية" التابعة لوزارة التجارة الأميركية في سبتمبر/أيلول 2025 أن الولايات المتحدة لا تزال من أكبر المستثمرين الأجانب في نيجيريا، باستثمارات كبيرة في قطاعات النفط والتعدين وتجارة الجملة.

وقد بلغت قيمة الصادرات الأميركية إلى نيجيريا عام 2023 نحو 4.2 مليارات دولار، وذلك ما جعلها وجهة تصدير رئيسية في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، وتشمل الصادرات الأميركية الرئيسية المركبات والآلات والقمح والمنتجات النفطية المكررة والبلاستيك.

أما قيمة الصادرات النيجيرية إلى الولايات المتحدة فقدّرت بنحو 6.4 مليارات دولار، وتتضمن بشكل رئيسي النفط الخام والكاكاو والمنتجات الزراعية مثل الكاجو.

إعلان

وتشير بيانات صادرة عن "مكتب ممثل تجارة الولايات المتحدة" إلى تسجيل واشنطن عجزا في تجارة السلع مع نيجيريا عام 2024 بقيمة 1.5 مليار دولار، وهو انخفاض حاد بلغ 53.3% مقارنة بالعام السابق.

وفي المقابل، حققت الولايات المتحدة فائضا كبيرا في تجارة الخدمات، فقد بلغ الفائض 1.7 مليار دولار، مدعوما بصادرات خدمات بقيمة 2.3 مليار دولار (بزيادة 5.9%) مقابل واردات خدمات نيجيرية بقيمة 635 مليون دولار.

وتستفيد نيجيريا من العديد من الأطر التعاقدية مع الولايات المتحدة، وعلى رأسها قانون النمو والفرص "أغوا" الذي يوفر لها مزايا خاصة في تصدير المنسوجات والملابس.

كما وقع البلدان عام 2000 على اتفاقية إطار التجارة والاستثمار بما يضمن توفير آلية للحوار المنتظم والمستدام حول تحسين فرص التجارة وتعزيزها، في حين بلغت قيمة الاستثمارات الأميركية المباشرة في نيجيريا 5.6 مليارات دولار عام 2022.

بجانب ما سبق، تقدم الولايات المتحدة مروحة واسعة من المساعدات لنيجيريا، إذ بلغت قيمتها عام 2022 وحده قرابة 1.2 مليار دولار، في حين استثمرت الخطة الأميركية للإغاثة من الإيدز ما يقرب من 8.3 مليارات دولار خلال عقدين من الزمن وفقا لأرقام رسمية أميركية منشورة عام 2024.

عاصفة من التهديدات

رغم هذه العلاقات التي تصفها السفارة الأميركية في نيجيريا في يناير/كانون الثاني 2024 بأنها "شراكة عميقة ودائمة تمتد لأكثر من 6 عقود"، فقد برز نمط جديد في التعامل مع تولّي دونالد ترامب مقاليد السلطة بلغ ذروته مع تحذير الرئيس الأميركي أن بلاده قد تنشر قوات أو تنفذ ضربات جوية في نيجيريا لوقف ما وصفه بقتل أعداد كبيرة من المسيحيين في نيجيريا.

جاء هذا التصريح للصحفيين على متن الطائرة الرئاسية في 2 نوفمبر/تشرين الثاني أثناء عودة ترامب إلى واشنطن بعد عطلة نهاية الأسبوع في فلوريدا، حيث أعلن أنه أصدر تعليماته لوزارة الحرب بالاستعداد لعمل عسكري "سريع" محتمل.

سبق ذلك اتهام ترامب في منشور على موقع "تروث سوشيال" حكومة نيجيريا بالسماح باستمرار قتل المسيحيين في البلاد، وأن الولايات المتحدة ستوقف على الفور كل المساعدات المقدمة لنيجيريا إذا ستمر الوضع، مضيفا أنه أصدر تعليماته لـ"وزارة الحرب" بالاستعداد لأي عمل محتمل، ومتوعدا أنه "إذا هاجمنا، فإن هجومنا سيكون سريعا ووحشيا ودمويا"، ليحذر في النهاية الحكومة النيجيرية مطالبا إياها بسرعة التحرك.

ترافق ذلك مع قرار الرئيس الأميركي بإعادة نيجيريا إلى قائمة "الدول المثيرة للقلق بشكل خاص"، وهو تصنيف رسمي أميركي له أبعاد قانونية وسياسية مهمة، ويُطلق تحديدا في سياق الحرية الدينية، ويستهدف الدول التي تشارك أو تتسامح مع انتهاكات منهجية ومستمرة وجسيمة للحرية الدينية وفق المعايير الأميركية.

وسبق لترامب في ولايته الأولى إدراج أبوجا تحت هذا التصنيف الذي أخرجتها منه إدارة الرئيس الأميركي السابق جون بايدن لعدم استيفاء البلاد لشروط هذا الإدراج وفقا لوزير الخارجية السابق أنتوني بلينكن.

ولم تكن هذه كل مصاعب أبوجا في واشنطن حيث يسعى السيناتور الأميركي اليميني المعروف تيد كروز إلى فرض مشروع قانون مقدم إلى الكونغرس الأميركي تحت اسم "قانون المساءلة عن الحربة الدينية في نيجيريا لعام 2025″، والذي يهدف إلى محاسبة المسؤولين النيجيريين الذين يُزعم أنهم يسهلون أو يتسامحون مع العنف والاضطهاد ضد المسيحيين والأقليات الدينية الأخرى في نيجيريا.

إعلان

وتنفي الحكومة النيجيرية كل الاتهامات السابقة إذ أكد الرئيس النيجيري بولا تينوبو أن الحرية الدينية والتسامح هما مبدأ أساسي في الهوية النيجيرية.

وأشار أحد المسؤولين في الطائفة المسيحية في نيجيريا دانجوما ديكسون أوتا لهيئة الإذاعة والتلفزيون السويسري إلى أن العنف في نيجيريا، خاصة في ولايات "الحزام الأوسط"، غالبا ما يكون صراعا دمويا بين مزارعين معظمهم مسيحيون ومربّي ماشية معظمهم مسلمون من قبيلة فولاني على خلفية تضاؤل الموارد والأراضي، وأنه يودي بحياة أبناء المجموعتين على حد سواء.

الاقتصاد في قلب التهديدات

على الرغم من الصبغة الأخلاقية والإنسانية التي تحاول إدارة ترامب رسم تهديداتها لنيجيريا بها، فإن العديد من المراقبين يشيرون إلى أن هذه "الحملة" قد تستبطن أهدافا اقتصادية غير معلنة.

وفي هذا السياق، يربط تحليل صادر عن "معهد روبرت لانسينغ لدراسات التهديدات العالمية والديمقراطيات" الأميركي بين هذه التهديدات وبين مجموعة من المكاسب الاقتصادية المتعلقة بضمان وصول الولايات المتحدة إلى النفط والمعادن الحيوية، وحماية استثمارات الشركات الأميركية، بجانب منع الهيمنة الإستراتيجية الصينية.

وتعد نيجيريا أكبر منتج للنفط في القارة الأفريقية، ويشير تحليل مطول منشور على منصة "أفريكا توداي"، وهي منصة معنية بالشؤون الاقتصادية مقرها نيجيريا، إلى أن توقيت هذه التهديدات ليس مصادفة، إذ تزامنت مع إعلان نيجيريا أن مصفاة دانغوتيه، وهي الأكبر في أفريقيا (بطاقة 1.4 مليون برميل يوميا)، قد وصلت إلى طاقتها التشغيلية الكاملة تقريبا.

وتهدف هذه المصفاة إلى تلبية احتياجات نيجيريا المحلية من المشتقات النفطية بالكامل، وتصدير الفائض، وذلك يمثل تحديا مباشرا لصناعات التكرير الغربية التي كانت تعتمد على استيراد نيجيريا للمنتجات المكررة، حيث تصنف بيانات رسمية أميركية المنتجات النفطية المكررة ضمن أهم صادرات البلاد إلى نيجيريا.

السباق نحو المعادن النادرة

وتشير تحليلات وفقا لمقال منشور على وكالة "إيكوفين"، وهي وكالة إعلامية متخصصة في القضايا المالية والاقتصادية مع التركيز على أفريقيا، إلى أن هذا التطور في موقف واشنطن لا يمكن فصله عن الأهمية المتزايدة لنيجيريا في السباق العالمي نحو العناصر الأرضية النادرة والمعادن الأساسية، وهي مواد أساسية في المركبات الكهربائية والطاقة المتجددة وتكنولوجيا الدفاع الأميركية.

وتمتلك نيجيريا رواسب كبيرة من المونازيت، الغني بالسيريوم واللانثانوم والنيوديميوم والبراسيوديميوم، بالإضافة إلى النيكل والكوبالت والنحاس والليثيوم الذي اجتذب وحده استثمارات صينية بأكثر من 1.3 مليار دولار منذ عام 2023، وذلك ما يجعلها أهم اللاعبين في هذا المجال في نيجيريا، في حين أن من اللافت أن العديد من هذه المعادن النادرة تتركز في مناطق تواجه أيضا تحديات أمنية.

وقد شهدت السنوات الأخيرة سعيا أميركيا محموما لكسر هيمنة الصين على سلاسل إمداد المعادن النادرة والتي تسيطر على نحو 70% من الإنتاج العالمي و90% من طاقة التكرير، في حين حددت واشنطن هدفا لتقليص هذا الاعتماد من خلال تطوير سلاسل توريد بديلة.

وقد صرح وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت لصحيفة "فاينشال تايمز" بأن الصين ارتكبت "خطأ فادحا" بفرضها لقيود على تصدير هذه المعادن في وقت سابق من هذا العام والذي تم تعليقه في نوفمبر/تشرين الثاني الحالي.

مصدر الصورة نيجيريا أكبر منتج للنفط في القارة الأفريقية (غيتي)

تداعيات اقتصادية

خطوات ترامب كان لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد النيجيري، فقد أشار تحليل منشور على "بلومبيرغ" إلى أن السندات النيجيرية المقومة بالدولار تكبدت خسائر كبيرة يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني مع انخفاض قيمة السندات المستحقة عام 2047 بمقدار 6 سنتات مقابل الدولار لتصبح ضمن السندات العشرة الأسوأ أداء في الأسواق الناشئة في العالم.

إعلان

بجانب ما سبق، يشير التحليل إلى انخفاض قيمة العملة المحلية (النايرا) بنسبة 1.2% مقابل الدولار وهو أكبر انخفاض لها منذ يونيو/حزيران، حيث كانت هذه أكبر خسارة لعملات الأسواق الناشئة خلال اليوم المذكور.

من جهة أخرى، يوضح الباحث في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية الأفريقية محمد زكريا أن التداعيات الاقتصادية لخطوات إدارة ترامب حيال نيجيريا تتركز في عدد من النقاط، يأتي على رأسها ارتفاع "علاوة المخاطر السيادية"، حيث تزيد التهديدات الأميركية المخاطر أمام المستثمرين، مما قد يؤدي إلى تكلفة أعلى للاقتراض، وتأخّر استثمارات رأس المال الأجنبي، وخروج بعض رؤوس الأموال أو تجميد خطط النمو.

ويضيف زكريا -في تصريحه للجزيرة نت- أن تشديد التأشيرات من الولايات المتحدة سيقلّل من سيولة حركة رجال الأعمال والشركات الأميركية التي تعمل في نيجيريا أو تمرّ عبرها، مما يعطل اتفاقات الخدمات والصيانة والتكنولوجيا، ويضعف قناة "الخدمات غير النفطية".

أما صادرات نيجيريا غير النفطية إلى الولايات المتحدة فستظل عرضة لخطر التراجع في حال حدوث تحولات تحد من قدرة أبوجا على الاستفادة من قانون "أغوا"؛ من قبيل فرض شروط أميركية مشددة على سبيل المثال.

ويرى زكريا أن هذه التداعيات قد تدخل المزيد من المخاطر على حركة النفط النيجيري إلى الولايات المتحدة، وأن هذا المناخ الجديد قد يضعف في النهاية موقع أبوجا التفاوضي مع شركائها، ويؤدي إلى مخاطر طويلة الأمد في البنى التحتية والعلاقات الإستراتيجية.

مصدر الصورة قيمة العملة النيجيرية (النايرا) انخفضت بنسبة 1.2% مقابل الدولار بعد تهديدات ترامب وهو أكبر انخفاض لها منذ يونيو/حزيران (شترستوك)

ما الحل إذن؟

أمام هذه المخاطر المحتملة، أوضح الرئيس التنفيذي لـ"مركز تعزيز المشاريع الخاصة"، وهو منظمة غير حكومية تُعنى بالمشاريع الخاصة في الاقتصاد النيجيري، مودا يوسف، أن على أبوجا تبنّي استجابة دبلوماسية إستراتيجية واستباقية، داعيا إلى إجراء مناقشات ثنائية فورية مع الحكومة الأميركية لتوضيح الحقائق وتهدئة الخطاب.

وأوصى يوسف في بيان أصدره في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني بتعميق التعاون مع الولايات المتحدة والشركاء الإقليميين في مجال الاستخبارات ومكافحة الإرهاب وبناء السلام، مع ضرورة إطلاق رسائل عامة منسقة لطمأنة المستثمرين المحليين والدوليين بشأن استقرار البلاد.

من جانبه، أشار محمد زكريا إلى ضرورة تبنّي نيجيريا منهجا واقعيا في التعامل مع هذه الأزمة، فتلويح واشنطن بالتدخل العسكري قد يُفهم في أبوجا كأداة ضغط سياسي وأخلاقي أكثر من كونه تهديدا فعليا، وذلك يستدعي مقاربة تقوم على "الاحتواء المتبادل" وليس "المجابهة المفتوحة"، أي استيعاب الهواجس الأميركية من دون التفريط بالسيادة الوطنية أو تعريض الاقتصاد لهزّات إضافية.

وانطلاقا من ذلك، يرى زكريا أنه يمكن لنيجيريا تحويل الأزمة إلى فرصة لإعادة تموضعها الإستراتيجي، عبر توسيع شبكة علاقاتها مع أوروبا والصين والهند ودول القارة الأفريقية، ضمن سياسة تنويع متوازنة لا تُفهم كخروج من الفلك الغربي، وقد يمنحها ذلك قدرة تفاوضية أعلى، ويقلّل من أثر الضغوط الاقتصادية والسياسية، خصوصا مع توظيف أدوات التمويل الإفريقية لتقوية البنية التحتية وتخفيف الاعتماد على القروض المشروطة سياسيا.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا