في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
حذر خبراء دوليون في العلوم السياسية من أن العالم دخل حقبة جديدة تهيمن عليها شخصيات حاكمة تمارس السلطة بإرادتها المطلقة من دون ضوابط مؤسسية أو أعراف تقيدها.
جاء هذا التحذير في مقال مشترك نشرته صحيفة نيويورك تايمز لـ3 كُتّاب، وهم إيريكا فرانز وأندريا كيندل تايلور وجوزيف رايت، الذين أشاروا في مستهله إلى اللقاء المرتقب الأسبوع المقبل بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ في كوريا الجنوبية .
لكنهم لا يعلقون آمالا كبيرة على مخرجات هذا الاجتماع أيا كانت، بل يتوقعون ألا تتجاوز نتائجه هدنة مؤقتة بين زعيمين لا يقيدان أنفسهما بضوابط مؤسسية أو محاسبة داخلية، ويستطيعان تغيير مواقفهما في أي لحظة، حسب تعبيرهم.
وبهذا المعنى، فإن حالة التوتر والاضطراب التي تسود الساحة الدولية ليست عرضا طارئا، بل يرون أنها انعكاس لبنية سياسية آخذة في التشكل، يقودها زعماء يحكمون بإرادتهم الشخصية، لا بالمؤسسات والقواعد.
حالة التوتر والاضطراب التي تسود الساحة الدولية ليست عرضا طارئا، بل هي انعكاس لبنية سياسية آخذة في التشكل، يقودها زعماء يحكمون بإرادتهم الشخصية، لا بالمؤسسات والقواعد
ووفقا للمقال، فإن من بين هؤلاء يبرز رؤساء في كل أنحاء العالم من أمثال نجيب أبو كيلة في السلفادور، وقيس سعيّد في تونس، وفيكتور أوربان في المجر، إلى جانب "المستبدين الراسخين" مثل فلاديمير بوتين في روسيا وكيم جونغ أون في كوريا الشمالية .
واليوم، وللمرة الأولى في تاريخ العلاقة بين الولايات المتحدة والصين ، يقود الدولتين -كما يقول خبراء العلوم السياسية الثلاثة في مقالهم- شخصيتان تتشابهان في نمط الحكم.
وطبقا للمقال، فإن الرئيسين ترامب وشي يشتركان في سمة واضحة تنزع إلى إخضاع المؤسسات لسلطتهما الشخصية. فقد حول ترامب الحزب الجمهوري إلى أداة سياسية خاصة، بينما بسط شي هيمنة تكاد تذكِّر بحقبة مؤسس الصين الحديثة ماو تسي تونغ .
وهذه السلطة المطلقة، التي تمنحهما حرية المناورة، تجعل في الوقت نفسه أي اتفاق بينهما "هشا وقابلا للانهيار" في أي لحظة، "فالرجال الأقوياء ربما لا يكونون شركاء دوليين موضع ثقة".
ويرى الكتّاب الثلاثة أن الزعماء الذين يحيطون أنفسهم بالمؤيدين المخلصين ويتحررون من المساءلة الداخلية يكونون أكثر نزوعا إلى المخاطرة وسوء التقدير.
وتدلّ التجارب الأخيرة على ذلك، فبوتين -حسب المقال- "أخطأ في حساباته" عندما قرر غزو أوكرانيا ، وترامب "أطلق حروبا تجارية متقلبة وعمليات عسكرية مثيرة للجدل"، في حين "عزز شي نهجه العسكري" في بحر جنوب الصين ومضيق تايوان . ومع تلاشي الضوابط الدولية، يزداد خطر التصعيد والمواجهة.
ولا تقتصر آثار الحكم ذي الطابع الشخصي على السياسة الخارجية -حسبما ورد بالمقال- بل تمتد إلى الاقتصاد والمجتمع. فهجمات ترامب المتكررة على مجلس الاحتياطي الفدرالي "تهدد بزعزعة استقرار السياسات النقدية"، في حين يستخدم شي حملات "مكافحة الفساد" لتصفية خصومه، في وقت تتراكم فيه الثروات في أيدي عائلته والمقربين منه.
ويشير الكتّاب إلى أن هذه الأنظمة تميل إلى تركيز الثروة في أيدي النخب، وتضعف الاستثمارات الخاصة، وتُهمل الخدمات العامة كالتعليم والصحة والبنية التحتية.
هذه الأنظمة تميل إلى تركيز الثروة في أيدي النخب، وتضعف الاستثمارات الخاصة، وتُهمل الخدمات العامة كالتعليم والصحة والبنية التحتية
أما في الداخل، فإن وتيرة القمع تتصاعد عندما يختلق الحكام المستبدون "أعداء من الداخل". ويخص المقال بالذكر الزعيم الصيني شي الذي ضيّق الخناق على الصحفيين والمحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان ، وألغى الحريات التي كانت تتمتع بها هونغ كونغ في السابق بذريعة الأمن القومي.
وفي الولايات المتحدة، يشير الكُتّاب الثلاثة إلى أن ترامب استخدم أجهزة الدولة لأغراض سياسية، فنفّذ مداهمات ضد المهاجرين ونشر قوات الحرس الوطني في مناطق معارضة له، وأطلق ملاحقات قضائية ضد خصوم سياسيين.
ويخلص المقال إلى أن الحقبة التي تلت الحرب العالمية الثانية ، والتي اتسمت بحكم مؤسسي قائم على التوافق، وأنتجت عقودا من السلام والازدهار، آخذة في الأفول.
وربما لا تبث قمة ترامب وشي المرتقبة هذا الأسبوع الطمأنينة المأمولة، بقدر ما تدل على أن الاضطرابات والتقلبات الملازمة لحكم الرجال الأقوياء قد عادت بالفعل، على حد تعبير المقال.
المصدر:
الجزيرة