في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
أنقرة- في خطوة جمعت مختلف أطياف السياسة التركية، أقرّ مجلس بلدية إسطنبول الكبرى في جلسته، الأربعاء الماضي، مقترحا لإعلان مدينة غزة مدينة توأم لإسطنبول، وذلك بإجماع كامل من أعضاء المجلس وممثلي الأحزاب الرئيسية.
وعقدت الجلسة برئاسة نائب رئيس البلدية، نوري أصلان، الذي تولى إدارة الجلسة نيابة عن رئيس البلدية، وشهدت تقديم المقترح بصورة مشتركة بين الكتل الحزبية كافة، من حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى حزب الشعب الجمهوري المعارض وحلفائهما القوميين.
وتلا نص المقترح المتحدث باسم كتلة العدالة والتنمية، مراد تورك يلماز، مؤكدا في كلمته أن "إسطنبول لا يمكن أن تقف صامتة أمام العدوان على غزة "، ومشيرا إلى الروابط التاريخية التي تجمع الشعبين التركي والفلسطيني.
وجاء في نص القرار أن التوأمة تهدف إلى "تعزيز التعاون في مجالات التعليم والثقافة والاقتصاد والمساعدات الإنسانية، وتوطيد روابط الصداقة والتضامن مع سكان غزة". وحظي القرار بموافقة بالإجماع بدون أي اعتراض، في سابقة نادرة توحَّدت فيها أصوات المجلس على قضية خارجية.
وقوبل قرار بلدية إسطنبول الكبرى بإعلان التوأمة مع غزة بترحيب رسمي واسع من مختلف الأطياف السياسية التركية، إذ أكد مسؤولون في بلدية إسطنبول أن القرار يتجاوز رمزيته السياسية ليُجسّد التزاما إنسانيا متجذِّرا تجاه الشعب الغزي.
وقال نوري أصلان نائب رئيس البلدية، في تصريحات عقب الجلسة، إن إسطنبول "عازمة على مواصلة دعم أشقائنا الفلسطينيين بكل الإمكانات المتاحة"، مضيفا أن "غزة ستنهض من جديد بتكاتفنا جميعا"، في إشارة إلى نية توسيع التعاون البلدي والإغاثي في مجالات إعادة الإعمار والتعليم والخدمات العامة.
أما مراد تورك يلماز، وهو صاحب مبادرة المقترح، فاعتبر في كلمته أمام المجلس أن التوأمة ليست مجرد اتفاق بروتوكولي، بل "أداة عملية لتعزيز التعاون في مجالات التعليم والثقافة والاقتصاد والتجارة والإغاثة"، مؤكدا أن التصويت بالإجماع "هو إعلان تركي صريح بالوقوف إلى جانب المظلومين في مواجهة الظلم".
وفي المقابل، عبّر نواب حزب الشعب الجمهوري، الذي يدير بلدية إسطنبول، عن فخرهم بالتوافق غير المسبوق داخل المجلس. وقال العضو باتوهان إرسوي "مساعداتنا لغزة تعبر عن نهج يقف إلى جانب المظلوم في مواجهة القهر"، مضيفا أن "ضمير إسطنبول سيمتد اليوم إلى غزة، ليقدم للعالم مثالا جديدا في التضامن الإنساني".
ولم يقتصر الترحيب على المستوى المحلي، إذ أشاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالخطوة خلال حديث صحفي، معتبرا أن إعلان غزة "مدينة شقيقة لإسطنبول" سيسهم في "تعزيز التعاون الإنساني والثقافي والاقتصادي بين الشعبين"، مجددا تأكيده استمرار دعم أنقرة الثابت للفلسطينيين في مختلف المحافل.
ولا تقف أهمية اتفاقية التوأمة بين إسطنبول وغزة عند بعدها الرمزي أو السياسي، بل يُنتظر منها أن تشكل منصة تعاون فعلي بما ينعكس مباشرة على حياة سكان القطاع المحاصر.
في السياق، قال عضو اللجنة التنفيذية في بلدية إسطنبول، يشار تونجار، إن البلدية باشرت عمليا بتشكيل لجنة عمل مشتركة ستعنى بمتابعة ملفات التوأمة مع غزة، تضم ممثلين عن إدارات مختلفة، بينها الشؤون الخارجية، والإغاثة، والتعليم، والثقافة، والتخطيط الحضري.
وأشار تونجار في حديثه للجزيرة نت، إلى أن أولى الخطوات العملية تشمل تجهيز دفعة مساعدات إغاثية عاجلة من مواد غذائية وطبية، يجري إعدادها بالتنسيق مع منظمات تركية وفلسطينية لضمان إيصالها إلى قطاع غزة بأسرع وقت ممكن.
واختتم تونجار مؤكدا على أن بلدية إسطنبول تدرك التحديات اللوجيستية والسياسية المحيطة بالقطاع، لكنها ملتزمة بالعمل وفق ما تسمح به الظروف.
على الصعيد التربوي، يمكن للتوأمة أن تتيح تبادلا منتظما للخبرات بين الجامعات والمدارس في المدينتين، من خلال منح دراسية للطلبة الغزيين، ودورات تدريبية مهنية، وفرص تبادل طلابي، كما يرتقب أن تبرم توأمات جزئية بين مؤسسات تعليمية محددة لتعزيز التعليم المتخصص.
وفي مجال الإدارة المحلية، يُنتظر أن تنقل إسطنبول خبراتها التقنية والفنية إلى نظيرتها في غزة، ويشمل ذلك إرسال فرق تخطيط وهندسة للمساعدة في تطوير المخططات الحضرية، وأنظمة المياه والصرف الصحي، أو إدارة الكهرباء في ظل ظروف الحرب و الحصار .
كما يمكن تنظيم ورش عمل افتراضية بشكل دوري بين مسؤولي البلديتين لتبادل الحلول في إدارة المدن في أوقات الأزمات.
ويتوقع أن تُنسَّق حملات مشتركة بين الهلال الأحمر التركي ونظيره الفلسطيني، إلى جانب تنظيم برامج طبية، تشمل إرسال فرق طبية من تركيا ، أو استقبال الجرحى في مستشفيات إسطنبول، وتنظيم مخيمات دعم نفسي للأطفال الغزيين في تركيا.
من جهته، قال المحلل السياسي، جنك سراج أوغلو، إن قرار التوأمة مع غزة يتجاوز البعد الرمزي، ويُعبر عن تصاعد دور البلديات الكبرى في تركيا كجهات فاعلة في السياسة الخارجية، لا سيما في القضايا الإنسانية، حيث باتت تشكل امتدادا ميدانيا للدبلوماسية الرسمية، بل وتتقدم عليها أحيانا في التعبير عن نبض الشارع.
وأضاف للجزيرة نت، أن رمزية إسطنبول تمنح هذه الخطوة ثقلا خاصا، نظرا لما تمثله المدينة من مركز حضاري واقتصادي له صوته داخل تركيا وخارجها، مؤكدا أن ما يُميز القرار هو توافقه النادر بين الأحزاب المتنافسة.
وأوضح سراج أوغلو أن البلديات باتت تلعب دورا متناميا في ما سماه "اللامركزية الأخلاقية" للسياسة التركية، إذ تتيح هذه المبادرات مساحة تحرك مرنة للدولة خارج الأطر الرسمية، وتُعبِّرُ عن التزام شعبي حي تجاه قضايا مثل فلسطين ، واللاجئين، والأزمات الإنسانية في الإقليم.