آخر الأخبار

أفريقيا في مواجهة إسرائيل.. عامان من المواقف الراسخة تجاه غزة

شارك

على امتداد العامين الماضيين، تحول التضامن الأفريقي مع سكان غزة، إلى مسار متكامل من التحركات المؤسسية والقانونية والدبلوماسية والشعبية، وهو ما وضع القارة بين أبرز الداعمين للقضية الفلسطينية منذ اندلاع الحرب على غزة في الـ7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

منذ الأيام الأولى للحرب، رفع الاتحاد الأفريقي سقف لهجته، ففي قمته الرئاسية لعام 2024 وصف بيانها الختامي، الحرب الإسرائيلية على غزة بأنها عدوان همجي ضد الشعب الفلسطيني، مطالبا المجتمع الدولي بوقف الكارثة الإنسانية فورا ورفع الحصار المفروض على القطاع.

مصدر الصورة حفيد نيلسون مانديلا، العائد من أسطول "الصمود العالمي" لدى وصوله مطار أوليفر تامبو بجوهانسبرغ (رويترز)

ثم جاءت قمة الاتحاد الأفريقي لعام 2025 مع تصعيد كبير للموقف، لا سيما وأنها جاءت في ظل استمرار الحرب وتفاقم الكارثة الإنسانية في غزة، حيث وصف البيان الختامي للقمة الحرب على غزة بأنها عدوان يرقى إلى الإبادة الجماعية.

وطالب الاتحاد الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بالتدخل العاجل لوقف الكارثة وفرض العقوبات على إسرائيل، كما شدد القادة على ضرورة الإفراج الفوري عن الأسرى الفلسطينيين وفتح ممرات إنسانية آمنة لإغاثة المدنيين.

من قمة 2024 إلى قمة 2025، تبلور الموقف الأفريقي ليصبح أكثر وحدة، وصلابة، وجرأة في مخاطبة المجتمع الدولي، ففي القمة الأولى، ثبتت أفريقيا رؤيتها القانونية والإنسانية تجاه العدوان الإسرائيلي، وفي القمة الثانية، رفعت سقف مواقفها إلى مستوى المواجهة الدبلوماسية المباشرة.

قمم الشراكات مع أفريقيا

لم يقتصر الموقف الأفريقي الداعم لفلسطين على القمم الأفريقية داخل أروقة الاتحاد، بل امتد إلى القمم والمنتديات التي تجمع القارة بشركائها الدوليين من تركيا إلى الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا وغيرها، حيث حملت الوفود الأفريقية خطابا موحدا يدين الحرب الإسرائيلية على غزة، وبهذا تحولت القضية الفلسطينية إلى عنصر دائم في خطابات الوفود الأفريقية في كل منصة دولية.

مصدر الصورة مناصرو القضية الفلسطينية يغطّون تمثال الناشط أوليفر تامبو بالأعلام الفلسطينية والجنوب أفريقية (الأوروبية)

طرد السفير الإسرائيلي

على المستوى الإجرائي، سجل الاتحاد في فبراير/شباط 2024، سابقة تاريخية هي الأولى من نوعها، حيث لم يكتف بتعليق عضوية المراقب لإسرائيل ومُنع وفدها من المشاركة في قممها الرئاسية.

وقد وصل الأمر إلى طرد السفير الإسرائيلي ومنعه من المشاركة في أي من فعاليات الاتحاد الأفريقي، وهو ما اعتبر حدثا مفصليا ومؤشرا على تحول عميق في المزاج الأفريقي تجاه إسرائيل، وهي سابقة سياسية ورسالة أخلاقية من القارة إلى العالم، وبهذا القرار، أصبح الاتحاد الأفريقي أول منظمة دولية تتخذ موقفا مؤسسيا واضحا ضد تمثيل إسرائيل في اجتماعاتها، متجاوزا بيانات الشجب إلى فعل عملي يعكس إرادة سياسية متماسكة.

إعلان

ورغم أن إسرائيل سارعت إلى اتهام الاتحاد الأفريقي بمعاداة السامية، فإن مسؤولي الاتحاد ردوا بأن الموقف لا يستهدف ديانة أو قومية، بل يدافع عن القيم التي قامت عليها المنظمة وهي قيم التحرر ومناهضة الاستعمار والتمييز العنصري.

محكمة العدل الدولية

لم تكتفِ أفريقيا بالبيانات والمواقف، فقد قادت جنوب أفريقيا واحدا من أهم المسارات القانونية في لاهاي، حين رفعت دعوى أمام محكمة العدل الدولية تتهم فيها إسرائيل بارتكاب انتهاكات جسيمة لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، مما حمل المحكمة لاحقا الي إصدار أوامر طالبت باتخاذ إجراءات لمنع الإبادة وضمان وصول المساعدات، وهي خطوة وُصفت أفريقيّاً بأنها انتصار رمزي وأخلاقي للقانون الدولي.

وقد حظي المسار الجنوب أفريقي بتأييد واسع وتبنٍّ من الاتحاد الافريقي ومؤسساته المختلفة.

مصدر الصورة وزيرة خارجية جنوب أفريقيا السابقة ناليدي باندور والسفير لدى هولندا فوسيموزي مادونسيلّا خلال جلسة لمحكمة العدل (رويترز)

في القرن الأفريقي، تموضعت جيبوتي مبكرا على خطاب يربط بين أمن البحر الأحمر والتجارة العالمية في باب المندب والحرب على غزة، ففي ديسمبر/كانون الأول 2023، دعا الرئيس إسماعيل عمر جيله إلى وقف فوري للجريمة النكراء في غزة.

وأكد جيله دعم نضال الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه، وبعدها بأسابيع، أعلن وزير خارجيته حينها محمود علي يوسف تحفظ بلاده على الانخراط في ترتيبات عسكرية متعددة الجنسيات في باب المندب، محذرا من أثر توقف التجارة في المضيق على التجارة الدولية بسبب الحرب على غزة، ومؤكدا أن معالجة جذور الأزمة تمر عبر وقف الحرب وحماية المدنيين في غزة.

الاتحاد الأفريقي والإعلاميون

ولم يقتصر الحضور الأفريقي في دعم فلسطين على المستوى السياسي فحسب، بل امتد إلى مجال الدفاع عن حرية الصحافة والإعلاميين، بعد أن تحولت غزة إلى واحدة من أخطر مناطق العمل الصحفي في العالم منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية في أكتوبر/تشرين الأول 2023.

فقد برزت القارة الأفريقية رسميا وشعبيا كإحدى أكثر المناطق تضامنا مع الصحفيين الفلسطينيين ومنذ الأسابيع الأولى للحرب، عبّر الاتحاد الأفريقي في بيانات متعددة عن قلقه من الاستهداف المتعمد للإعلاميين في غزة، مؤكدا أن ما يجري يمثل انتهاكا سافرا لحرية الصحافة وللقانون الدولي الإنساني.

مصدر الصورة الزعماء الأفارقة في صورة جماعية بمقر الاتحاد الأفريقي العام الماضي (رويترز)

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2024، استضاف الاتحاد بالتعاون مع منظمة اليونسكو مؤتمرا دوليا بمناسبة اليوم العالمي لسلامة الصحفيين في مناطق النزاع، ركز على أوضاع المراسلين في فلسطين.

وفي بادرة غير مسبوقة، أعلنت مجموعة من الإعلاميين الأفارقة في 20 أغسطس/آب 2025 عن تأسيس تحالف الصحفيين الأفارقة من أجل غزة، حيث دعوا إلى فرض عقوبات على إسرائيل واجراء تحقيقات دولية ومساءلة قانونية في جرائم القتل بحق الصحفيين.

كما نظم التحالف بالتعاون مع اتحادات محلية في عدة دول أفريقية ندوات تضامنية ومعارض صور توثق معاناة الإعلاميين في غزة.

الفضاء الثقافي الأفريقي

لم تكن القضية الفلسطينية في أفريقيا مجرد شأن سياسي أو دبلوماسي بل تحولت إلى قضية ثقافية متجذرة في الوجدان الشعبي، امتزجت فيها مشاعر التضامن مع قيم الحرية ومناهضة الاستعمار التي شكلت أساس الهوية الأفريقية.

مصدر الصورة أنس الشريف ضيفا مباشرا ومشاركا من غزة في فعالية اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي نظمه الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا (الجزيرة)

وعلى مدى العامين الماضيين، ترددت فلسطين في الشوارع، والأغاني، والجداريات، والجامعات، وحتى في المساجد والكنائس، لتصبح رمزا إنسانيا يختصر معاني الصمود في الذاكرة الأفريقية، من دكار ونيروبي وجوهانسبرغ وفي غانا ونيجيريا وإثيوبيا وجيبوتي، وغيرها كثير من الدول الأفريقية التي عبرت من خلال فعاليات مختلفة عن تضامنها مع الفلسطينيين.

إعلان

وهي فعاليات برهنت أن القضية الفلسطينية ليست غريبة على قلوب الأفارقة، ولم تعد مجرد ملف سياسي عابر، بل صارت وجدانا حيا يعيد تعريف معنى التضامن الإنساني.

الاتحاد الأفريقي وفلسطين

خلاصة الأمر أن القارة الأفريقية، بمؤسساتها ودولها ومجتمعاتها، صاغت خلال عامين مسارا كبيرا من الدعم من قرارات قارية إلى تحرك قانوني وصولا إلى منابر تضامن ثقافي ومدني.

ولم يكن الموقف الأفريقي الداعم لفلسطين وليد الحرب على غزة، بل هو امتداد طبيعي لجذور تاريخية تعود إلى حقبة الكفاح ضد الاستعمار والتمييز العنصري، حين التقت حركات التحرر الأفريقية والفلسطينية في ساحات النضال والمبادئ.

لقد رأت أفريقيا في فلسطين منذ بدايات القرن العشرين مرآة لتجربتها الخاصة مع الاستعمار، والتقسيم، ومحاولات طمس الهوية، فارتبطت القضيتان في الوعي السياسي الأفريقي كقضيتين تَوْأَمَتين تسعيان إلى التحرر والكرامة والعدالة.

حركة المواطنين من مدينة غزة باتجاه الجنوب عبر شارع الرشيد (الجزيرة)

ومنذ ستينيات القرن الماضي، ومع تصاعد حركات الاستقلال في القارة، تبنت منظمة الوحدة الأفريقية (التي تحوّلت لاحقا إلى الاتحاد الأفريقي) موقفا مبدئيا واضحا من القضية الفلسطينية، معتبرة إياها قضية تحرر وطني لا تقل شرعية عن نضال شعوب القارة ضد الاستعمار الأوروبي.

وفي عام 1973، وخلال القمة العاشرة للمنظمة في أديس أبابا، تم اعتماد قرار تاريخي يعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، لتصبح فلسطين من أوائل القضايا غير الأفريقية التي تحظى بمكانة دائمة على جدول أعمال المنظمة الأفريقية.

ومنذ ذلك التاريخ يشارك ممثلو فلسطين في جميع اجتماعات القمم واللجان الوزارية، ويلقى ممثلوه كلمات سنوية في قمم الاتحاد الأفريقي، كما تمتلك فلسطين سفارات نشطة في أكثر من 45 دولة أفريقية.

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا