آخر الأخبار

مجلس الشعب السوري الجديد.. تجربة ديمقراطية على أنقاض الاستبداد

شارك

دمشق- تحت أروقة المكتبة الوطنية في دمشق ، ارتسمت ملامح يوم استثنائي في ذاكرة السوريين، إذ امتلأت القاعات منذ ساعات الصباح الأولى بأصوات الناخبين وحركتهم وهم يتنقلون بين طاولات التسجيل وصناديق الاقتراع، في أجواء يغلب عليها الحذر والأمل معا.

كان المشهد يعكس عودة السوريين إلى ممارسة السياسة علنا بعد سنوات طويلة من الصمت، وذلك في أول انتخابات لمجلس الشعب تجرى بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي.

الموظفون في اللجان الانتخابية بدوا منشغلين بتنظيم الصفوف وتدقيق القوائم، بينما كان المراقبون المحليون والدبلوماسيون الأجانب يتنقلون بين القاعات لمتابعة سير العملية الانتخابية. وفي الخارج، كانت عدسات الكاميرات تتأهب لالتقاط لحظة وصفت بأنها علامة فارقة في تاريخ البلاد، بعد أكثر من عقد من الصراع والانقسام.

تؤكد اللجنة العليا للانتخابات أن عمليات العد والفرز بدأت في عدد من المحافظات فور إغلاق الصناديق، على أن تعلن النتائج تباعا، وبحسب اللجنة، فقد جرت العملية "في أجواء هادئة ومنظمة"، مع تسجيل نسب مشاركة مرتفعة في بعض المدن الكبرى.

مصدر الصورة ناخبون أمام المقر الانتخابي في المكتبة الوطنية بدمشق (الجزيرة)

ملامح تفاؤل حذر

تباينت انطباعات الناخبين الذين تحدثت إليهم الجزيرة نت بين التفاؤل الحذر والرغبة في بداية جديدة، وتقول بيان المهايني إن مشاركتها في التصويت كانت "تجربة مميزة"، مشيرة إلى أن "برامج المرشحين هذه المرة بدت أكثر وضوحا، وأن كثيرا منهم يمتلك رؤية واقعية لإدارة المرحلة المقبلة".

أما سامي تحسين الخطيب، المهندس البالغ من العمر 45 عاما، فيرى أن الانتخابات "تمثل اختبارا لقدرة السوريين على الانتقال من حالة الانقسام إلى المشاركة الواعية"، مضيفا أن "الهيئة الناخبة تتحمل مسؤولية كبيرة في اختيار من يستحق تمثيل الناس".

إعلان

وتصف رهف الحمصي المشهد الانتخابي بأنه "انعكاس لحالة من الوعي الجماعي بعد سنوات القهر"، مؤكدة أن "الإقبال الكثيف يعبر عن رغبة السوريين في استعادة دورهم في تقرير مصيرهم.

بينما ترى نالين سليمان، التي تخوض التجربة الانتخابية للمرة الأولى، أن العملية "فرصة لإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة"، رغم اعترافها بأن "الآلية غير المباشرة للانتخاب قد تحد من المشاركة الشعبية الكاملة".

ويشير المحامي معتصم عرار إلى أن عدد الناخبين في العاصمة تجاوز 500 ناخب، معتبرا أن "الإقبال كان جيدا بالنظر إلى الظروف الأمنية والسياسية التي تمر بها البلاد"، مضيفا أن "المشهد العام يوحي بعودة تدريجية إلى الحياة المدنية".

مصدر الصورة المرشح عبدالله تقي الدين خارج المقر الانتخابي بدمشق (الجزيرة)

بين التأييد والتحفظ

وعلى الرغم من الطابع الاحتفالي الذي رافق الاقتراع، فإن الآلية الانتخابية غير المباشرة أثارت نقاشا واسعا بين الناخبين والمرشحين. فبينما رأى البعض فيها خطوة ضرورية لضمان التوازن والتمثيل، عبر آخرون عن تحفظهم على استبعاد الاقتراع العام المباشر .

يقول المحامي عرار إن "نظام الهيئة الناخبة خيار مناسب لمرحلة ما بعد التحرير"، موضحا أن "هذا الأسلوب معمول به في دول عدة وله جذور فكرية في التراث الإسلامي من خلال مبدأ أهل الحل والعقد". ويضيف أن "المجتمع السوري ما زال في طور استعادة ثقته بالعملية السياسية، ومن الطبيعي أن يمر بمرحلة انتقالية".

من جهتها، ترى المهايني أن "اختيار هيئة ناخبة مؤلفة من شخصيات ذات كفاءة وتوزيع جغرافي متوازن، يضمن تمثيلا أعدل من التصويت العام"، لأن الكثير من السوريين خارج البلاد أو غير ملمين بعد بتفاصيل المشهد السياسي.

أما نالين سليمان فتقول إن هذا النظام يحرم جزءا من المواطنين من حقهم في المشاركة المباشرة، لكنها تستدرك بأن البلاد تحتاج في الوقت الحالي إلى آليات مؤقتة تضمن الاستقرار وتمنع الفوضى الانتخابية.

مصدر الصورة الرئيس السوري أحمد الشرع يطلع على مسار العملية الانتخابية في دمشق (الفرنسية)

برامج وأولويات

وفي موازاة الحراك الانتخابي، طرحت برامج متنوعة ركزت على إصلاح القضاء والتعليم وتحفيز الاستثمار، إلى جانب مطالب بإعادة بناء مؤسسات الدولة ومحاربة الفساد.

يقول المرشح عبد الله تقي الدين إن المجلس القادم "يجب أن يكون برلمانا إصلاحيا بامتياز"، مشددا على أن إصلاح القضاء والتعليم هو الطريق الوحيد لنهضة البلاد.

أما المرشح محمد سعدي سكرية فيرى أن المجلس الجديد مطالب بسن قوانين تواكب التحديات الأمنية والاقتصادية، وتعيد الثقة بالقطاع الاستثماري، مؤكدا أن "الاستقرار القانوني هو الأساس لأي تنمية مستدامة".

وتضيف بيان المهايني أن المجلس ينبغي أن يكون قريبا من الناس في قضاياهم اليومية، وأن يضع التعليم والخدمات العامة في صدارة اهتماماته، بينما تعتبر رهف الحمصي أن العدالة وحقوق المعتقلين والمغيبين يجب أن تتصدر جدول أعمال المجلس، لأن لا نهضة بلا إنصاف.

ويشدد معتصم عرار على أن المجلس المقبل عليه مراجعة القوانين السورية القديمة، وإلغاء النصوص التي تتعارض مع مبادئ العدالة والمواطنة، تمهيدا لسن دستور جديد يعيد الثقة بين الدولة والمجتمع.

مصدر الصورة جانب من المشاركين في الانتخابات أمام المكتبة الوطنية في دمشق (الجزيرة)

تجربة انتخابية استثنائية

تجرى هذه الانتخابات وفق نظام مختلط، ينتخب بموجبه 140 عضوا من أصل 210 عبر اقتراع غير مباشر من قبل نحو 6 آلاف ناخب يمثلون مختلف القطاعات والمحافظات، بينما يعين الثلث المتبقي بمرسوم رئاسي يصدر عن الرئيس أحمد الشرع .

إعلان

وفي انتظار اكتمال إعلان النتائج، يعيش الشارع السوري حالة ترقب وأمل بأن تفتح هذه الانتخابات الباب أمام مرحلة سياسية جديدة، تنهي سنوات الصراع وترسخ مفهوم المشاركة والمساءلة في مؤسسات الدولة.

ورغم الجدل الدائر حول آلية التصويت ومحدودية المشاركة، فإن ما جرى في دمشق بدا أشبه بـإعلان رمزي لعودة السياسة إلى الحياة العامة، في بلد أنهكته الحرب لكنه لا يزال يحاول النهوض بالكلمة والصندوق، لا بالسلاح.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا