آخر الأخبار

انتخابات مجلس الشعب السوري بين انتقادات وترحيب

شارك
مصدر الصورة

تستعد سوريا في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول لتشكيل أول مجلس شعب منذ الإطاحة بحكم الرئيس السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول العام الماضي. وبينما يراها البعض بأنها "بداية حياة سياسية جديدة" هناك من يشكك بآلية العملية الانتخابية ويصف مجلس الشعب القادم بأنه مجلس "سلطة" جديد.

في منتصف سبتمبر/أيلول أصدرت مجموعة من المنظمات الحقوقية والمدنية وثيقة انتقدت فيها النظام الانتخابي المؤقت واصفة المنظومة الانتخابية بأنها تعاني "خللاً بنيوياً عميقاً، يجعلها بعيدة عن تحقيق الحد الأدنى من المعايير الدولية للمشاركة السياسية"، وفق بيان صحفي مشترك نشرته المنظمات المشاركة على مواقعها الالكترونية.

وأصدرت المنظمات الأربع عشرة التي وقعت على الورقة توصيات للسلطات الانتقالية في دمشق، من بينها إلغاء دور رئيس المرحلة الانتقالية في تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب، وإعادة تشكيل الهيئات الناخبة بالتشاور مع المجتمع المدني السوري، ومع كافة التيارات والقوى السياسية الفاعلة في مختلف مناطق سوريا.

إضافة إلى إلغاء ما وصفته ب"القيود والعبارات الفضفاضة في شروط الترشيح." كما طالبت بإنشاء هيئة مستقلة فعلياً عن السلطة التنفيذية للإشراف على العملية الانتخابية، مع إشراف قضائي محايد متعدد الدرجات.

مصدر الصورة

"ليست انتخابات"

الرئيس الانتقالي أحمد الشرع أصدر في 20 أغسطس/آب مرسوماً يقضي بالمصادقة على النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب. ووفقاً لوكالة الأنباء الرسمية (سانا)، يفترض أن يضمّ مجلس الشعب (البرلمان) السوري الجديد 210 أعضاء، يُعيّن ثلثهم رئيس البلاد ويُنتخب الباقون عبر هيئات ناخبة تشكلها لجان فرعية بحسب التوزيع السكاني للمحافظات. كما من المفترض أن يعمل مجلس الشعب الجديد لفترة انتقالية محددة بثلاثة أعوام، يتم في نهايتها إقرار دستور جديد.

البعض رحب بهذا الإعلان، ووصف المحلل السياسي المقرب من الحكومة عبد الكريم العمر إجراء الانتخابات البرلمانية بأنه "إنجاز يُسجل لسوريا شعباً وقيادةً"، مضيفاً أن البلاد أثبتت أنها تستطيع أن "تخرج من تحت الرماد وأن تثبت وجودها في ظل تحديات كبرى تهدد وحدتها وأمنها".

لا يتفق مع هذا الرأي مروان قبلان، الأكاديمي ومدير وحدة الدراسات السياسية في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في قطر. فهو يرى أن العملية الانتخابية "التفاف على العملية الديمقراطية"، مشيراً إلى أن الناس العاديين "ليس لديهم رأي بالموضوع"، لذلك يعتبرها قبلان عملية "تعيين" لثلث المجلس بشكل مباشر، وثلثيه بشكل غير مباشر.

مصدر الصورة

ومن النقاط التي أثارت جدلاً في الأوساط السياسية السورية حصر اختيار المرشحين بلجان فرعية وهيئات ناخبة، تعينها اللجنة العليا للانتخابات، والتي قام الرئيس الشرع بتسميتها أيضاً.

ما يعني عدم قدرة عامة الشعب على اختيار ممثليهم من خلال انتخابات عامة.

المتحدث باسم اللجنة العليا للانتخابات نوار نجمة دافع عن النظام الانتخابي الجديد مبرراً إنه ليس بالإمكان القيام بانتخابات بآلية أخرى بسبب "استحالة إجراء انتخابات مباشرة نتيجة الوضع الديموغرافي للسوريين وحجم النزوح وغياب الأوراق الثبوتية." ويتابع أن رئيس الجمهورية "مهمته الأساسية سد الثغرات، والتعويض عن أي خلل بالتمثيل ضمن تشكيل الهيئات الناخبة،" في إشارة إلى تعيين الرئيس الانتقالي لثلاثين بالمئة من النواب.

ونزح 14 مليون سوري من ديارهم بدءاً من 2011، مع تصاعد حدّة الاقتتال الداخلي بين النظام السابق ومعارضيه، بحسب مفوضية اللاجئين لدى الأمم المتحدة. وبالرغم من أن عدد السوريين العائدين إلى البلاد منذ سقوط الحكومة السابقة تجاوز نصف مليون لاجئ، حتى منتصف مايو/أيار، إلا أن كثراً منهم يواجهون تحديات كبيرة لوجستية واقتصادية.

ما الذي اختلف؟

مصدر الصورة

كانت سوريا قد شهدت آخر دورة انتخابية في منتصف يوليو تموز 2024، أي قبل خمسة أشهر على سقوط الحكم.

وعلى مدى العقود الخمسة التي سبقت، لم تختلف كثيراً صورة مجلس الشعب عما كانت عليه منذ تولي الرئيس الأسبق حافظ الأسد السلطة في بداية السبعينيات، ومن بعده ابنه بشار الأسد.

فمنذ حينه، هيمن حزب البعث على ثلثي مقاعد المجلس البالغ عددها 250، بما فيها تسعة أحزاب أخرى شيوعية واشتراكية تنضوي تحت "الجبهة الوطنية التقدمية"، إضافة إلى الاتحاد العام لنقابات العمال والفلاحين، فيما يتم شغل المقاعد المتبقية من قبل "مستقلين" ممن كان كثيرون يشككون بمدى استقلاليتهم.

مصدر الصورة

بالرغم من التحديات السياسية والأمنية التي واجهت الحكومة السابقة، خاصة مع فقدان سيطرتها على أجزاء من الأراضي السورية لصالح قوات المعارضة المسلحة، إلا أن الانتخابات البرلمانية واصلت انعقادها بشكل دوري في مناطق سيطرة القوات الحكومية وبمشاركة شعبية.

لكنها كانت دائماً موضع انتقادات من قبل المنظمات الحقوقية باعتبارها "غير نزيهة" و"تفتقد للشرعية،" على حد وصفهم.

بعد سقوط نظام الحكم، أعلنت السلطة الجديدة في "مؤتمر النصر" نهاية يناير/كانون أول عن حل حزب البعث العربي الاشتراكي الذي ظل قائداً للدولة والمجتمع وفق المادة الثامنة من الدستور السوري لعقود، قبل أن تُحذف تلك المادة في دستور عام 2012. وكذلك تم حل الجبهة الوطنية التقدمية.

ولم يصدر قانون يتيح تشكيل أحزاب جديدة في سوريا، ما يعني غياب المعارضة المنظمة في المجلس النيابي الجديد.

وتشمل شروط عضوية الهيئة الناخبة أن يكون المرشح سوري الجنسية قبل 1 مايو/ أيار 2011، وألا يكون قد ترشح للانتخابات الرئاسية بعد هذا التاريخ. كما تمنع الشروط الأشخاص الذين كانوا أعضاء سابقين في مجلس الشعب أو مرشحين له بعد عام 2011، إلا إذا أثبتوا "انشقاقهم" عن النظام السابق.

كما يستثني القانون بشكل صريح أي شخص من "داعمي النظام السابق و'التنظيمات الإرهابية' بأي شكل من الأشكال"، إضافة إلى "دعاة الانفصال والتقسيم أو الاستقواء بالخارج"، في ما يراه البعض إشارة واضحة إلى فئة الطائفة الدرزية في جنوب سوريا، والذين تظاهروا مؤخراً مطالبين بحق "تقرير المصير".

ويحدد النظام الانتخابي الجديد أيضاً معايير جديدة لاختيار أعضاء الهيئات الناخبة، مقسماً إياهم إلى فئتين: "الكفاءات" و"الأعيان".

تشترط فئة "الكفاءات" أن يكون العضو حاصلاً على شهادة جامعية أو ما يعادلها، بينما تتطلب فئة "الأعيان" الحصول على الشهادة الثانوية، مع تعريفهم بأنهم شخصيات ذات تأثير اجتماعي ونشاط مجتمعي بارز.

لا يمثل كل سوريا

تعكس الشروط الجديدة المرحلة الحساسة التي تمر بها البلاد. فلا تزال المفاوضات متعثرة بين السلطات السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) -التي تمثل إلى حد كبير المكون الكردي- لدمج الأخيرة بقوات وزارة الدفاع. كذلك شهدت البلاد موجتين متتاليتين من العنف الدامي عصفتا بكل من السويداء والساحل وأسفرتا عن آلاف القتلى من الطائفتين الدرزية والعلوية.

ويستثني مرسوم الانتخابات الجديد ثلاث مدن سورية وهي السويداء ذات الأغلبية الدرزية، إضافة إلى الحسكة والرقة الخاضعتان لسيطرة القوات الكردية. وليس من الواضح حتى هذه اللحظة إن كانت ستبقى مقاعد هذه المدن الثلاث شاغرة، أم إن كان سيتم ملؤها بأعضاء يسميهم الرئيس الانتقالي.

يبرر المتحدث باسم اللجنة العليا للانتخابات نوار نجمة ما وصفه بـ"تأجيل الانتخابات" في تلك المدن بسبب "عدم قدرة اللجنة على زيارة هذه المناطق لأسباب أمنية وسياسية"، إضافة "لعدم وجود تسهيلات من قبل القوات المسلحة التي تسيطر على هذه المناطق، الأمر الذي يجعل إجراء انتخابات ضمنها شبه مستحيل"، على حد تعبيره.

لكن الكاتب والناشط السياسي المهتم بالشأن الكردي دارا عبد الله، يعتبر أن "العملية الانتخابية" لا معنى لها، وهي تشبه في وقعها على الأذن عبارة "الانتخابات الجماهيرية" في عهد الأسدين الأب والابن.

"إقصاء" للدروز والأكراد

عبد الله، المقيم في العاصمة الألمانية برلين، يعتقد أن الحكومة الانتقالية تعرف أن أي انتخابات في مناطق الجزيرة السورية والسويداء سوف تعطي المكونين الكردي والدرزي "شرعية سياسية"، وهذا "بالضبط ما ترفضه السلطات في دمشق"، على حد تعبيره.

ويشير عبدالله إلى أن الفصائل المسلحة التي كانت معارضة للأسد، بقيادة هيئة تحرير الشام، والتي استولت على مقاليد الحكم بزعامة الرئيس الحالي أحمد الشرع تطالب التشكيلين القسدي والدرزي "بتسليم أنفسهما"، في إشارة إلى محاولات دمجهما تحت مظلة وزارة الدفاع السورية، والتي تهيمن عليها إلى حد كبير هيئة تحرير الشام.

لكنه يستطرد أنهما "لا يقبلان التسليم غير المشروط، ويشيران إلى البعد السياسي لوجودهما ويرفضان المقاربة الأمنية البحتة".

بدوره يعتبر المحامي والناشط السياسي الدرزي عادل الهادي أن استثناء السويداء من الانتخابات التشريعية في سوريا هو "استمرار لسياسات حكومة الأمر الواقع بإقصاء أبناء الدين الدرزي عن الشراكة بكافة المواقع الحكومية"، مضيفاً أن "هذه الإجراءات الإقصائية تزيد من عدد الجمهور المطالب بالاستقلال، والذي أصبح متزايداً بشكل كبير جداً"، على حد وصفه.

عهد جديد أم "مجلس سلطة"؟

ينظر البعض بعين التفاؤل لما ستتمخض عنه عملية تشكيل مجلس الشعب الجديد.

فبالنسبة للمحل السياسي عبد الكريم العمر فإن كل ما حدث في سوريا من استحقاقات منذ سقوط حكم الأسد تمهد لـ"حياة سياسية جديدة." وأضاف إنه "لا مانع من أن تكون هناك تجارب حتى لو فشلت وانتقدها الآخرون. ولكنها بداية جديدة لعهد وطني جديد، كما يأمل كل السوريين."

لكن الأكاديمي مروان قبلان تراوده الشكوك حول مدى صلاحيات المجلس التشريعية. فالإعلان الدستوري الذي صدر في مارس/آذار الماضي وضع السلطة التشريعية بيد مجلس الشعب، بينما تكون الصلاحيات التنفيذية بكاملها بيد رئيس الجمهورية.

ويعتبر قبلان أن هذا المجلس "لا يمتلك أي سلطات حقيقة بموجب الإعلان الدستوري"، مضيفاً أنه سيكون "مجلس سلطة، كما كان الأمر على مدى أكثر من خمسين سنة."

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا