آخر الأخبار

التحالف السعودي الباكستاني.. هندسة أمنية جديدة ومظلة نووية ضمنية بالخليج

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

في لحظة إقليمية مشحونة بالتوترات، جاء توقيع اتفاقية الدفاع المشترك بين السعودية وباكستان يوم 17 سبتمبر/أيلول 2025 بالرياض لتشكل نقطة تحول في معادلات الأمن الإقليمي.

فبعد الضربة الإسرائيلية التي استهدفت العاصمة القطرية الدوحة، تسارعت التحركات الخليجية لإعادة رسم خرائط الردع والتحالفات، في ظل ما يبدو أنه تراجع الثقة بالمظلة الأمنية الأميركية التقليدية.

يستعرض هذا التقرير الدوافع العميقة لهذا التحالف، ويحلل تداعياته الأمنية، ويستشرف أبعاده الجيوسياسية، في محاولة لفهم إذا ما كان الخليج بصدد الدخول في مرحلة "مظلّات أمنية متعددة"، تعيد تعريف العلاقة مع إسرائيل والموقف من سلوكها العدواني، وتعيد صياغة مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي.

مسار طويل

لا تمكن قراءة التحالف الجديد فقط في سياق التعاون الثنائي، بل يُفهم ضمن مشهد أوسع من إعادة التموضع الإستراتيجي، حيث تتقاطع فيه حسابات الردع النووي، وتوازنات القوى في جنوب آسيا، وتنامي الحضور الصيني عبر حلفائها.

كما لا تمكن قراءة هذا التحالف كاتفاق ثنائي عابر، بل ضمن مسار طويل من العلاقات المتشابكة بين البلدين التي شهدت مراحل من التقارب والفتور والتوتر.

ويعكس التحالف الجديد إدراك الطرفين لتغير موازين القوى عالميا، ولبروز أطراف جديدة مثل الصين، بما يعزز الحاجة لشراكات إستراتيجية أوسع تتجاوز المألوف.

ويفتح الاتفاق الباب أمام تعاون أوسع في مجالات التدريب والتسليح والصناعات الدفاعية، ويعزز من قدرة البلدين على مواجهة التحديات الأمنية، ويوجّه رسالة إلى القوى الإقليمية، والولايات المتحدة بأن السعودية تمتلك خيارات خاصة بها.

علاقات تاريخية

تربط السعودية وباكستان علاقات وثيقة تمتد منذ استقلال الأخيرة عام 1947، إذ كانت الرياض من أوائل العواصم التي اعترفت بها، ووفّرت لها دعما اقتصاديا وسياسيا واسعا.

إعلان

ومع الوقت، تحولت العلاقة إلى شراكة متكاملة من عدة جوانب، إذ قدمت السعودية مساعدات وقروضا ومنحا لباكستان، في حين استضافت باكستان آلاف العسكريين السعوديين للتدريب.

وخلال الغزو السوفياتي لأفغانستان عام 1979، اصطف البلدان في المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة، ولعبت باكستان دور القاعدة الخلفية لدعم "المجاهدين الأفغان" بتمويل سعودي ورعاية أميركية، وهو ما عزز التنسيق وروابط الثقة بين الرياض وإسلام آباد، كما اعتُبر أمن الخليج هدفا مشتركا لكل من واشنطن والرياض وإسلام آباد، بما يضمن أمن مصادر الطاقة.

وعلى مدار عقود، عملت الرياض على تقديم الدعم المالي وقروض ومنح نفطية بأسعار تفضيلية لباكستان لتجاوز أزماتها الاقتصادية المتكررة، مما مكنها من تخصيص موارد أكبر لبناء جيشها وتطوير بنيتها التحتية.

ولم تقتصر العلاقات بين السعودية وباكستان على الدعم المالي والسياسي، بل امتدت إلى بناء القدرات العسكرية لإسلام آباد على مدار عقود، وأسهمت الرياض بشكل مباشر وغير مباشر في تعزيز مكانة باكستان بوصفها قوة إقليمية.

غير أن هذه العلاقات المتينة شابها بعض التوتر في عدد من المنعطفات السياسية، خصوصا مع إطلاق الرياض عملية عاصفة الحزم ضد الحوثيين في اليمن، وقرار الهند إلغاء القانون الخاص لولاية كشمير، ثم توسعت مساحة الاختلاف مع تسلم عمران خان مقاليد السلطة في باكستان، قبل أن تبدأ مسيرة إعادة ترميمها مع مجيء حكومة شهباز شريف .

الدوافع الإستراتيجية للتحالف


* تصاعد القلق الخليجي بعد ضربة الدوحة

جاءت الضربة الإسرائيلية التي استهدفت منشآت مدنية في العاصمة القطرية الدوحة، في التاسع من سبتمبر/أيلول 2025، لتُحدث صدمة إستراتيجية في الخليج، إذ لم تكن مجرد عمل عسكري عابر، بل مثّلت اختراقا مباشرا لعمق دولة خليجية تُعد من أبرز الوسطاء الإقليميين، مما ساعد في تعجيل نقاشات أمن الخليج وخيارات الردع الجماعي.

ونقلت رويترز عن فريق تغطية الشرق الأوسط أن "الضربة الإسرائيلية على الدوحة قد قُوّضت الاستقرار الإقليمي، مما عجّل نقاشات أمن الخليج وخيارات الردع الجماعي".

وفي تأكيد على خطورة الحدث، أوردت واشنطن بوست أن الضربة الإسرائيلية على الدوحة كانت "هجوما على الدبلوماسية ذاتها"، مما عمّق المخاطر وضغط لإعادة تقييم ترتيبات الأمن الإقليمي وبنى الوساطة.

لعل هذا السياق المتوتر، دفع المملكة العربية السعودية إلى تسريع خطواتها نحو بناء تحالفات أمنية جديدة، تتجاوز الاعتماد التقليدي على الحماية الغربية، وتبحث عن شركاء يمتلكون أدوات ردع حقيقية، بما في ذلك القدرات النووية غير المعلنة.

مصدر الصورة قطر وصفت الهجوم الإسرائيلي على أراضيها بأنه "إرهاب دولة" (أسوشيتد برس)
* الحاجة السعودية إلى تنويع الحلفاء

تعكس الاتفاقية مع باكستان تحوّلا في العقيدة الأمنية السعودية، التي باتت ترى في تنويع الشراكات ضرورة إستراتيجية، لا مجرد خيار تكتيكي.

وفي تقرير لصحيفة فايننشال تايمز، أشار فريق شؤون الخليج إلى أن "صفقة الدفاع مع باكستان تعكس تنويع الشراكات الأمنية للسعودية، وسط شكوك بشأن الاعتمادية الأميركية وتداعيات الهجمات الإسرائيلية إقليميا".

وعلى نحو مماثل، أكدت صحيفة غارديان عن مكاتب رويترز في دبي وإسلام آباد، أن "توقيع الاتفاق مع باكستان يُعد مسارا لتعزيز الشراكة الدفاعية، بينما تتزايد هواجس خليجية من موثوقية المظلة الأميركية التقليدية".

إعلان

هذا التوجه يعكس إدراكا سعوديا بأن الاعتماد الحصري على واشنطن لم يعد كافيا لضمان الأمن، خصوصا في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة، والانفلات الإسرائيلي، وتراجع الالتزام الأميركي في الشرق الأوسط.


* باكستان خيار إستراتيجي

اختيار باكستان لم يكن اعتباطيا، بل جاء نتيجة حسابات دقيقة تتعلق بقدراتها العسكرية، وخبرتها في إدارة التوترات الإقليمية، وامتلاكها لردع نووي غير معلن.

أوضح تقرير لوكالة أسوشيتد برس عن مكتب إسلام آباد أن "الاتفاق يُعرّف الاعتداء على أحدهما بأنه اعتداء على كليهما، مستندا إلى قدرات باكستان وتسليحها، دون ذكر صريح للمكوّن النووي".

وفي السياق ذاته، أكدت وكالة بلومبيرغ عن جون هيرسكوفيتز وفسيح منجي أن "الاتفاق يرسّخ شراكة أمنية طويلة، ويؤكد أنّ أي عدوان على دولة سيُعدّ عدوانا على الأخرى، مع تعزيز آليات الردع".

بهذا، تبدو باكستان شريكا مثاليا للسعودية في هذه المرحلة، إذ تجمع بين الردع النووي، والخبرة العسكرية، والقدرة على المناورة في بيئة إقليمية معقدة، مما يجعلها ركيزة أساسية في أي هندسة أمنية جديدة في الخليج.

التداعيات الأمنية


* اتفاقية الدفاع المشترك

تُعد اتفاقية الدفاع المشترك بين السعودية وباكستان خطوة إستراتيجية تحمل رسائل ردع مزدوجة، موجهة إلى خصوم محتملين في الإقليم، وإلى الحلفاء التقليديين الذين باتت ثقتهم الذاتية محل مراجعة.

أكّد البيان الرسمي الصادر عن وكالة الأنباء السعودية توقيع "اتفاقية دفاع متبادل إستراتيجية"، وتطوير التعاون الدفاعي، وتوحيد الاستجابة لأي تهديد يستهدف أمن أي من البلدين.

وفي تأكيد على الطابع المؤسسي للاتفاق، أوردت وكالة رويترز عن مكاتب دبي وإسلام آباد أن "الاتفاق يُؤسّس تعاونا عسكريا شاملا ويؤكّد أن الاعتداء على أي طرف اعتداء على الطرفين، في إطار ردع مؤسسي".

هذا التوحيد في الاستجابة يعكس تحولا في العقيدة الدفاعية الخليجية، من ردود فعل فردية إلى منظومة ردع جماعية، تستند إلى اتفاقيات ملزمة، وتُعيد تعريف مفهوم "التهديد" في سياق إقليمي متغير.

مصدر الصورة اتفاقية الدفاع المشترك بين السعودية وباكستان خطوة إستراتيجية تحمل رسائل ردع مزدوجة (رويترز)
* مظلة نووية ضمنية

يفتح الاتفاق الباب أمام نقاشات معمّقة حول إذا ما كانت السعودية قد دخلت فعلي ا تحت مظلة نووية غير معلنة، عبر شراكتها مع باكستان.

وفي تأكيد لهذا التوجه، أشار تقرير لوكالة أسوشيتد برس عن مكتب الشؤون الدولية إلى "تزايد التكهنات حول مظلّة باكستان، مع إبقاء البُعد النووي ضمن الغموض البنّاء الذي يعزّز الردع".

هذا الغموض البنّاء يُعد من أدوات الردع الفعّالة، إذ يترك المجال مفتوحا أمام خصوم محتملين للتكهن بمدى جاهزية الرد، دون أن يمنحهم وضوحا يُسهّل التخطيط أو المجازفة.

ويعطي الاتفاق الرياض خيارات لتعزيز أمنها عبر قوى نووية كبرى مثل إسلام آباد، وهو ما عبرت عنه صحيفة الشرق الأوسط السعودية، على لسان هشام الغنام، المشرف على مركز البحوث الأمنية وبرامج الأمن الوطني بجامعة نايف للعلوم الأمنية.

ويقول الغنام إن الاتفاقية تُعيد صياغة معادلة الردع في الشرق الأوسط من خلال إضفاء الطابع الرسمي على تحالف نووي بين السعودية وباكستان، الدولة الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة التي تمتلك نحو 170 رأسا حربيا نوويا.

أما صحيفة عكاظ، فقد رأت في مقال -بعنوان "دفاع جوي سعودي.. يكتمل بردع نووي باكستاني"- أن الاتفاقية ليست مجرد تحالف عسكري تقليدي، بل "إعادة صياغة معادلة الردع الإقليمي"، مستفيدا من الثقل السعودي بماله واقتصاده وقدرته الدفاعية، وبموازاة ذلك الثقل النووي والعسكري الباكستاني.

وأضافت أن السعودية حائط الصد الأول في مواجهة التهديدات الموجهة للخليج، وأن قدراتها العسكرية ومنظوماتها الدفاعية تؤكد أنها قادرة على حماية المجال الحيوي لدول المجلس، وتثبيت معادلة الردع.

إعلان

* معادلة الردع مع إسرائيل

يُعيد التحالف السعودي الباكستاني ترتيب معادلة الردع في مواجهة إسرائيل، خصوصا بعد هجوم الدوحة الذي اعتُبر نقطة تحول في الحسابات الأمنية الخليجية.

واعتُبر الاتفاق -وفقا لتقرير في تايمز أوف إسرائيل عن غرفة الأخبار- "عاملا مؤثرا في حسابات إسرائيل، مع مراقبة تداعياته على الردع الإقليمي بعد هجوم الدوحة".

وفي تأكيد على هذا التحول، ذكرت صحيفة جيروزاليم بوست على لسان لورين داغان آمُس أن "الرياض تُعيد ترتيب البيئة الأمنية، مما يؤثر على إستراتيجيات إسرائيل، ويستدعي تقييمات جديدة تجاه باكستان وحلفائها".

بهذا، لا يُعد الاتفاق مجرد تفاهم ثنائي، بل هو عنصر جديد في معادلة الردع الإقليمي، يُجبر إسرائيل على إعادة حساباتها، ويمنح الخليج أدوات جديدة للضغط والتوازن، في ظل تصاعد التوترات في غزة والدوحة.

مصدر الصورة عناصر من القوات الخاصة الباكستانية تشارك في تمرين سابق مع القوات السعودية (أسوشيتد برس)

الصين ودور تعزيز القدرات الباكستانية


* المساعدات الصينية

في خلفية التحالف السعودي الباكستاني، تبرز الصين كلاعب ثالث غير معلن، لكنه حاضر بقوة من خلال دعم عسكري وتكنولوجي متصاعد لإسلام آباد.

راجعت جيوش عالمية، حسب رويترز عن شؤون الدفاع، "أداء مقاتلات جيه-10 (J-10) ومنظومات بي- إل 15 (PL-15) الصينية بيد باكستان، بوصفها عنصرا فارقا في الاشتباكات الجوية".

وفي تأكيد على فعالية هذا التكامل، أكد مسؤولون أميركيون، وفقا لرويترز عن مكاتب إسلام آباد وواشنطن، "استخدام باكستان مقاتلات صينية لإسقاط طائرات هندية، بما يبرز تكامل الطائرة والصاروخ ضمن قدرات الردع".

هذا التكامل بين التكنولوجيا الصينية والخبرة الباكستانية لا يعزز فقط قدرات الردع، بل يضع باكستان في موقع متقدم ضمن معادلات التوازن الإقليمي، مما يجعلها شريكا جذابا للسعودية في ظل التهديدات المتزايدة.

مصدر الصورة طائرات تشنغدو التابعة للقوات الجوية الباكستانية تحلق فوق إسلام آباد (شترستوك)
* احتمالات توسيع النفوذ الصيني إلى الشرق الأوسط

في ضوء هذا التمدد، يرى محللون أن الاتفاق السعودي الباكستاني "لا يمكن فصله عن حسابات الصين، التي تسعى لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط عبر أدوات غير مباشرة".

وقرأ محللو السياسات في فايننشال تايمز "الاتفاق كجزء من هندسة أمنية تتقاطع فيها حسابات الصين والتوازنات الخليجية بعد ضربة الدوحة".

وفي السياق ذاته، وصفت قناة الجزيرة الإنجليزية الاتفاق بأنه "علامة فارقة"، و"تُبرز تعميق التحالفات، وإمكانية اتساعها إلى أطر أوسع تشمل الفاعلين الآسيويين".

بهذا، لا يبدو أن التحالف السعودي الباكستاني مجرد اتفاق ثنائي، بل هو جزء من مشهد دولي أوسع، تتداخل فيه مصالح الصين، وتُعاد فيه صياغة موازين القوى في الخليج، على نحو قد يُعيد تعريف أدوار القوى الكبرى في المنطقة.

التوازن الإقليمي ومصير الصراع العربي الإسرائيلي


* مستقبل الوساطة الإقليمية بين الردع والتصعيد

يضع التحالف السعودي الباكستاني مستقبل الوساطة الإقليمية أمام مفترق طرق، بين منطق الردع ومنطق التصعيد.

من جهتها، نشرت الأهرام أونلاين أنه ظهر "تقارب مصري قطري لتنسيق الجهود، مع رصد تداعيات الاتفاق السعودي الباكستاني على مسارات غزة".

وفي تحليل أوسع، تُظهر تغطية الأهرام ويكلي "تآكل منظومات الأمن الإقليمي، وارتباط مسارات الوساطة بتحولات التحالفات الجديدة وآثارها على الصراع العربي الإسرائيلي".

وقد يدفع هذا التآكل في منظومات الوساطة التقليدية الأطراف الإقليمية إلى البحث عن صيغ جديدة، تتجاوز الأطر الغربية، وتُعيد تعريف أدوار الفاعلين المحليين في إدارة الأزمات.


* نحو "مظلّات متعددة" للأمن الخليجي والفلسطيني

في ضوء هذه التحولات، يبرز مفهوم "المظلّات الأمنية المتعددة" كخيار إستراتيجي جديد، لا يقتصر على الحماية من التهديدات، بل يشمل أيضا إعادة توزيع الأدوار في الصراع العربي الإسرائيلي.

وصف عبد الله مومند في صحيفة "دون" الباكستانية الاتفاق باعتباره "أكبر ترقية دفاعية منذ عقود، مؤكدا التزاما بحماية متبادلة وتحقيق الأمن الإقليمي والعالمي".

وفي السياق ذاته، أشار تقرير في "أراب نيوز" على لسان وسيم عبّاسي إلى أن "الاتفاق يحوّل عقود التعاون العسكري إلى التزام مُلزِم، ويوسّع نطاق الردع الخليجي عبر شراكة مؤسسية مع قوة نووية".

فبعد ضربة الدوحة، لم يعد ممكنا الاكتفاء بالردود الدبلوماسية، بل باتت الحاجة ملحّة لبناء منظومات ردع حقيقية، تستند إلى شراكات إستراتيجية، وقدرات عسكرية نوعية، وتحالفات تتجاوز الاصطفافات التقليدية، فباكستان، بما تملكه من خبرة وردع نووي، تمثل شريكا مثاليا في هذه المرحلة، بينما تلعب الصين دورا متصاعدا في تمكين هذا التحالف.

إعلان
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا