آخر الأخبار

النقش الحجري الذي يريده نتنياهو بشدة من تركيا

شارك

أنقرة – في 15 سبتمبر/أيلول الجاري، ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، المطلوب ل لمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة ، خطابا لافتا وحاد النبرة في متنزه "مدينة داوود" الأثري ب القدس ، خلال فعالية أُطلق عليها اسم "افتتاح النفق القديم"، داخل القدس الشرقية ، بحضور وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو .

وأعلن نتنياهو بلهجة متحدية أن القدس -بدعم أميركي- هي عاصمة لإسرائيل، ولن تُقسّم أبدا، وأن ما يُسمى "الدولة الفلسطينية" لا وجود لها، ووجّه كلامه مباشرة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قائلا "سيد أردوغان، القدس لنا، وستبقى لنا إلى الأبد ولن تُقسّم".

خطابه هذا كان بمثابة تحدٍّ صارخ للمجتمع الدولي، إذ تجاهل قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحل الدولتين، وتغافل عن اعتراف 147 دولة ب فلسطين ، فضلا عن مساعٍ أوروبية متزايدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية.

مصدر الصورة نتنياهو (يسار) وروبيو في زيارة لحائط البراق بالبلدة القديمة في القدس (رويترز)

قصة النقش

واستهل نتنياهو كلمته برواية مثيرة، إذ تحدث عن نقش حجري قديم -كما يقول- يثبت أن القدس لليهود، مؤكدا أنه موجود في تركيا، غير أنه لم يتمكن من الحصول عليه بسبب موقف أردوغان، ومنذ تلك اللحظة انصب اهتمام الحضور والإعلام على قصة هذا النقش أكثر من تركيزهم على تصريحاته السياسية.

قبل نحو 2725 عاما، وتحديدا في عهد الملك الآشوري سنحاريب (705-681 ق.م)، حاصر الآشوريون مدينة القدس، وأبرز مشكلات الحصار آنذاك كانت صعوبة وصول السكان إلى مصدر المياه الواقع خارج الأسوار، فقد كان النبع الذي يزوّد القدس بالماء هو "عين سلوان" الكائن في وادي قدرون بالقدس الشرقية اليوم.

أما ملك يهوذا حزقيا (725-697 ق.م)، فقد سعى إلى مواجهة هذه المعضلة عبر حفر نفق يصل المدينة بالنبع مباشرة ليؤمّن المياه لسكانها، وقد اكتمل شقه بالفعل، وأُدخلت المياه عبره إلى المدينة، وعلى مدخله نُقش نص عبري على لوح من الحجر الكلسي يصف عملية جلب المياه وكيفية إنجاز المشروع.

إعلان

ومع مرور القرون، طُوي ذكر النقش في غياهب النسيان. غير أنه في عام 1880، وأثناء أعمال تنقيب جرت في الصخرة التي يخرج منها نبع سلوان إبان العهد العثماني، عُثر على النفق والكتابة المنقوشة. ثم نُقل إلى إسطنبول وأُدرج عام 1882 في سجل مقتنيات "متحف همایون" الذي يُعرف اليوم باسم "متحف إسطنبول للآثار".

وتستند إسرائيل إلى هذا اللوح في ادعائها أن القدس تعود ملكيتها الأصلية إلى اليهود، وتعتبره الدليل الملموس الأبرز على ما ورد في التوراة بشأن حفر النفق. بل وتتعامل معه بوصفه أشبه بـ"صك ملكية" يثبت أن القدس لهم.

ويرى المؤرخون والساسة اليهود أن هذا اللوح يشكل برهانا قاطعا على أن "القدس مدينة يهودية خالصة، ولا يحق للمسلمين أو المسيحيين أن يطالبوا بحق فيها". ولأجل ذلك، سعت إسرائيل طوال سنوات إلى استعادة هذا اللوح التاريخي، غير أن محاولاتها المتكررة باءت بالفشل، إذ رفضت تركيا مرارا تسليمه إليها.

دوافع إسرائيل

يوضح بيان أرسلته إدارة متحف إسطنبول للآثار إلى الجزيرة نت مضمون النقش المكتوب على اللوح الحجري من الكلس، والمسطّر باللغة العبرية باستخدام الأبجدية الفينيقية، على النحو الآتي:


* السطر الأول: الحفر، كيف جرى الحفر، ثم..
* السطر الثاني: كانت المعاول متقابلة في اتجاه واحد، ولمّا تبقى سوى ثلاثة أذرع لسماع الأصوات.
* السطر الثالث: وكانت تلك الأصوات صرخات الرجال بعضهم إلى بعض، إذ كان النفق يُشق من الشمال والجنوب حتى التقى في نقطة واحدة، وفي ذلك اليوم..
* السطر الرابع: تم فتح القناة، والتقى الحفارون ومعاولهم وجها لوجه.
* السطر الخامس: وجرت المياه من النبع إلى الحوض على بُعد ألف ذراع.
* السطر السادس: وكان سمك الصخر فوق رؤوس العمّال مائة ذراع.

منذ سنوات طويلة تسعى إسرائيل، بدوافع دينية وسياسية وأيديولوجية، للحصول على هذا النقش، وقد أشار نتنياهو في خطابه إلى واحدة من هذه المحاولات، حيث ذكر أنه في عام 1998 طلب من رئيس الوزراء التركي آنذاك مسعود يلماز الحصول على اللوح "مهما كان الثمن وبأي مقابل"، لكن يلماز رفض وأكد أن الأمر غير ممكن.

وروى نتنياهو أن سبب الرفض يعود إلى "رد فعل إسلامي خشيت منه الحكومة التركية آنذاك، بسبب رجب طيب أردوغان الذي كان يشغل منصب رئيس بلدية إسطنبول في تلك الفترة".

غير أن هذه الرواية فندها شهود تلك المرحلة، إذ نفى النائب السابق فيضي إيشباشاران، الذي حضر لقاء نتنياهوـ يلماز، حصول مثل هذا الحوار على الإطلاق، مؤكدا أن نتنياهو يختلق القصة.

ورغم أن القصة صيغت للإساءة إلى صورة أردوغان، فإن من الثابت أن إسرائيل تقدمت مرارا، عبر قنوات رسمية وغير رسمية، بطلبات للحصول على اللوح، وكان آخرها في 9 مارس/آذار 2022، عقب زيارة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إلى أنقرة، حيث روج الإعلام الإسرائيلي لوجود تفاهم مبدئي يقضي بتسليم تركيا النقش لإسرائيل مقابل حصولها على قطعة أثرية أخرى.

غير أن أنقرة أوضحت رسميا أن النقش عُثر عليه في القدس الشرقية، وأنه "لا يمكن بأي حال إعادة أثر اكتُشف في الأراضي الفلسطينية إلى دولة ثالثة مثل إسرائيل".

تحدٍّ صريح

وتواصلت الجزيرة نت مع المتحف لرؤية اللوح الحجري، غير أن إدارته أوضحت أن النقش غير متاح للزيارة، لأنه وُضع تحت حماية خاصة، وحسب ما أوردته الصحافة التركية، فإن جهاز الاستخبارات الوطني التركي تحرّك عقب تصريحات نتنياهو لتولي مهمة تأمينه مباشرة وضمان حمايته.

إعلان

وخلال مأدبة تناول فيها موضوع نقش سلوان، أدلى نتنياهو بتصريحات أهم بكثير، حيث قال "سيد أردوغان، القدس ليست مدينتك، بل مدينتنا. ستبقى دائما كذلك، ولن تُقسَّم مرة أخرى. لهذا السبب أُقدّر قيادة الرئيس ترامب الذي أعلن القدس عاصمة لنا. ويسعدني وجود ماركو روبيو معنا، فهو يدرك أن هذا يمثل أساس تراثنا المشترك اليهودي-المسيحي".

وأضاف "القوى الإسلامية واليسارية تمارس ضغوطا على أوروبا. نقول إنه على كل فعل أحادي، يكون هناك رد أحادي. هذه مدينتنا، وستبقى إلى الأبد، ولن تُقسَّم مرة أخرى، ولا وجود لدولة فلسطينية". وقد ألقيت هذه التصريحات في الوقت الذي كانت فيه العديد من الدول الأوروبية تستعد للاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة، وبحضور روبيو.

وعلّق مسؤول أمني رفيع المستوى مختص بشؤون الشرق الأوسط على الخطاب، قائلا "كان هذا تحديا صريحا لكل العالم الإسلامي وللأمم المتحدة، ولكل الدول التي اعترفت بفلسطين أو ستفعل ذلك في أوروبا".

وأوضح أن نتنياهو ألقى خطابا كشف فيه بوضوح خارطة طريق وخطط وأيديولوجية الخط الصهيوني-الإنجيلي الأميركي بشأن القدس وفلسطين، وأكد أن دولة فلسطين، التي تقرر عاصمتها القدس الشرقية وفق قرارات الأمم المتحدة و حل الدولتين ، لن تعترف بها إسرائيل ولا الإدارة الأميركية الحالية".

ورد أردوغان على خطاب نتنياهو في اليوم التالي، مؤكدا "لن نسمح بتدنيس القدس الشريف على أيدي الغرباء. أعلم أن آثار امتعاض أتباع هتلر ربما لن تزول أبدا، ودعهم يواصلون نوبات غضبهم. نحن المسلمون لن نتراجع خطوة واحدة عن حقوقنا في القدس الشرقية".

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا