تواصل السفينة حنظلة التابعة لأسطول الحرية إبحارها نحو قطاع غزة بعد مغادرتها للشواطئ الإيطالية يوم الأحد 20 يوليو/تموز، في محاولة جديدة لـ"كسر الحصار" المفروض عن قطاع غزة.
وتقل سفينة حنظلة 15 ناشطاً مؤيداً للفلسطينيين وتحمل مساعدات إنسانية، وذلك بعد أكثر من شهر من اعتراض إسرائيل لسفينة سابقة كانت تحمل اسم "مادلين" حاولت إيصال مساعدات إنسانية لغزة.
وتحدثت اللجنة المنظمة لرحلة السفينة، عن محاولة لتخريب تعرضت لها "حنظلة" لعرقلة رحلتها حتى قبل انطلاقها من ميناء غاليبولي الإيطالي، فما قصة "حنظلة"؟ ولماذا تحمل السفينة اسمه؟
يُستوحى اسم "حنظلة" من الشخصية الكاريكاتيرية الأشهر التي أطلقها الرسام الفلسطيني ناجي العلي في عام 1969.
ولد ناجي العلي في قرية الشجرة قضاء الجليل عام 1936، ومع حرب 1948 أصبح ضمن شتات اللاجئين الفلسطينيين مع أسرته التي عاشت في مخيم عين الحلوة بجنوب لبنان.
في المخيم نما وعيه السياسي، ونتيجة مشاركته في المظاهرات ونشاطه السياسي ألقي به في السجن في لبنان، وعلى جدران زنزانته تطورت موهبته في التعبير بالرسم، ثم التحق بمعهد الفنون اللبناني لفترة حتى لم يعد قادراً على تحمل المصروفات.
في عام 1961 نشر له الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني ثلاثة أعمال له في مجلة "الحرية" اليسارية الفلسطينية.
في عام 1963 انتقل الى الكويت وظل يرسم لعدد من الصحف على مدى 11 عاماً.
وفي عام 1969 ظهرت شخصيته الكاريكاتيرية الأشهر "حنظلة" للمرة الأولى.
في عام 1974 عاد إلى لبنان وشهد الحرب الأهلية والغزو الإسرائيلي عام 1982.
عاد إلى الكويت للعمل في وظيفة دائمة في جريدة "القبس" الكويتية، وبعد مضايقات رقابية كثيرة انتقل الى لندن ليرسم للطبعة الدولية من الصحيفة.
في 22 يوليو/تموز 1987 أطلقت النار عليه خارج مكاتب الصحيفة في لندن وتوفي بعدها بخمسة أسابيع، ولم تكشف ملابسات اغتياله حتى الآن.
وتحت عنوان "طفل في فلسطين: رسوم ناجي العلي" جمع ابنه وأصدقاؤه مجموعة من رسومه، صُنّفت ضمن موضوعات شكلت أبواب الكتّاب.
ويقول رسام الكاريكاتير الأمريكي الشهير جو ساكو في المقدمة "كانت انتقاداته اللاذعة موحية سياسياً بشدة، إلا أن حنظلة هو الذي يعطيها بعداً شخصياً لدى قراء ناجي العلي".
ويعتبر جو ساكو أن لناجي العلي فضلاً في تمكنه من إعداد كتابه الساخر "فلسطين" الذي نال عنه أرفع الجوائز، وهو عبارة عن تقارير صحفية بالرسوم الكرتونية عن الأوضاع في فلسطين المحتلة وإسرائيل.
ينقل الكتّاب قول ناجي العلي عن التزامه في رسومه: "مهمتي أن أتحدث بصوت الناس، شعبي في المخيمات في مصر والجزائر، وباسم العرب البسطاء في المنطقة كلها، الذين لا منافذ كثيرة لديهم للتعبير عن وجهة نظرهم".
يضم الكتاب مختارات من الرسوم عن قضيته الأساسية فلسطين، وعن حقوق الإنسان ـ ليس في فلسطين فحسب، بل في العالم العربي ـ وعن السلام والمقاومة وأمريكا والنفط وغيرها.
لم يتوقف الاهتمام بناجي العلي بين قطاع واسع من المثقفين والفنانين العرب، وسجلت السينما العربية حياته في فيلم بطولة الفنان المصري الراحل نور الشريف.
وقال عنه الشاعر أحمد مطر:
من لم يمت بالسيف مات بطلقة
من عاش فينا عيشة الشرفاء
أما الشاعر العراقي مظفر النواب فوصف العلي:
ترسمُ صمتاً نظيفاً
فإن المدينة تحتاج صمتاً نظيفاً
وترسمُ نفسك مُتجهاً للجنوب
البقاع
العروبة
كل فلسطين !!!
لكن أكثر من اشتهر شعره عن ناجي العلي، وإن كان بالعامية المصرية مما حدَّ من انتشاره الواسع، فهو الشاعر العامي المصري عبد الرحمن الأبنودي:
قتلت ناجي العلي لما رسم صورة
يواجه الحزن فيها براية مكسورة
لما فضحني ورسمني صورة طبق الأصل
ما عرفشي يكذب... ولا يطلع قليل الأصل
الناس بترسم بريشة... وهوه ماسك نصل
ومع مضي هذه المدة الطويلة لا تزال رسومه حاضرة في ذاكرة الكثيرين من قرائه العرب الذين طالعوها في الصحف والمجلات أثناء حياته أو عبر معارض كثيرة منذ وفاته.
ويقول فنانون وكتاب من أصدقاء العلي وممن عرفوه عبر رسومه فقط أن شخصية حنظلة ستظل باقية، لأنها تجاوزت قضية محدودة إلى دلالات إنسانية أوسع.
ورغم مرور السنين وتغير الأوضاع، يظل هناك للطفل الفلسطيني الذي يعطي ظهره للجمهور في رسوم العلي ما يشهده ويشهد عليه.
واشتهرت رسومات ناجي العلي الكاريكاتيرية بانتقاداتها الحادة واللاذعة، لكن بلغة راقية ورسومات سلسة مشحونة وموحية في الوقت ذاته.
ولم يقتصر هجومه وانتقاده على إسرائيل وأمريكا مثلاً، لكنه طال العرب وحتى الفلسطينيين وكان معبراً إلى حد كبير عن تيار غالب في العالم العربي، حتى أن صحيفة نيويورك تايمز قالت عنه يوماً: "إذا أردت ان تعرف رأي العرب في أمريكا فانظر في رسوم ناجي العلي".
وقال عنه الاتحاد العالمي لناشري الصحف: "إنه واحد من أعظم رسامي الكاريكاتير منذ نهاية القرن الثامن عشر".