آخر الأخبار

هل أصبح ترامب جزءا من الدولة العميقة التي حاربها؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

يمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب هذه الأيام بأزمة سياسية جديدة تختبر صلابة تحالفه مع قاعدته الانتخابية، فبعد أن التقط أنفاسه عقب وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، سرعان ما وجد نفسه أمام مواجهة جديدة مع حركة " لنجعل أميركا عظيمة مجددا " (ماغا).

وبات الحراك المحافظ -الذي ساهم بقوة في صعود ترامب سياسيا- يضغط على الرئيس الجمهوري بشدة للوفاء بتعهداته المتكررة بإعادة هيكلة الحكومة الفدرالية على نحو يخدم المواطن الأميركي عبر تفكيك "الدولة العميقة " التي يرى مؤيدوه أنها تقوض القيام بإصلاحات جذرية، خاصة في ملفي الهجرة والسياسة الخارجية، وكشف الوثائق المرتبطة بملفات سرية في مقدمتها قضية جيفري إبستين.

مصدر الصورة متظاهر يحمل لافتة خارج البيت الأبيض يطالب بالإفراج عن جميع الملفات المتعلقة بجيفري إبستين (الفرنسية)

تفكيك الدولة العميقة

خلال حملته الانتخابية لولايته الثانية، ركّز ترامب على خطاب بذل فيه الوعود لقاعدته الشعبية، وتعهد بخوض "معركة أخيرة" لتحرير العاصمة واشنطن، ممن وصفهم بـ"الطغاة". وروّج بأن ولايته المقبلة ستكون حاسمة مع النخب السياسية ذات النفوذ، معلنا عزمه على إنشاء لجنة مختصة لـ"تجفيف المستنقع".

ومصطلح "الدولة العميقة" يُستخدم في السياسة الأميركية للإشارة إلى شبكة من الأفراد داخل الحكومة وخارجها، يعملون خلف الكواليس بشكل مستقل عن المؤسسات الفدرالية، ولهم تأثير كبير على السياسات العامة والقرارات الحكومية، دون خضوع للمساءلة.

استقبل أنصار ترامب بداية ولايته الجديدة بتفاؤل، إذ شرعت إدارته فورا في تنفيذ عدد من تعهداتها الانتخابية، من ضمنها إطلاق أكبر حملة ترحيل في تاريخ الولايات المتحدة للمهاجرين غير الشرعيين، وإلغاء العمل عن بُعد في المؤسسات الفدرالية، ووقف المساعدات الخارجية، إضافة إلى فرض تعريفات جمركية جديدة تستهدف تعزيز الاقتصاد الوطني.

إعلان

كما أعلنت الإدارة الجديدة عن تأسيس "وزارة الكفاءة"، مُسندة رئاستها إلى إيلون ماسك ، المدير التنفيذي لشركة تسلا والمقرّب حينها من ترامب، الذي بدأ مهمته بتنفيذ خطة تهدف إلى تقليص الهدر المالي وترشيد إنفاق المؤسسات الفدرالية.

هذه التحركات، رغم ما لقيته من ترحيب واسع في أوساط "ماغا" المؤيدة للرئيس، قوبلت باستياء شديد من اليسار، الذي رأى في تخفيض الموظفين الفدراليين تسييسا للمؤسسات الحكومية وليس إصلاحا لها.

واعتبر منتقدو الإدارة أن استبدال قيادات من حركة "ماغا" بالمسؤولين المعارضين يأتي استرضاء لقاعدته الانتخابية، ومحاولة "لبناء دولة عميقة جديدة" خاضعة لولاء شخصي للرئيس، بدل الولاء للدستور أو المؤسسات.

اختبار الشفافية

ومن أبرز ما أعلن عنه ترامب قبل عودته إلى واشنطن، إنشاء لجنة مختصة برفع السرية عن جميع الوثائق المرتبطة بالرقابة والفساد داخل أجهزة الدولة، ونشرها للرأي العام تعزيزا للشفافية واستعادة للثقة الشعبية.

ولم يطل الانتظار، إذ باشرت الإدارة في الشهر الأول بنشر وثائق مرتبطة بملف اغتيال الرئيس الأسبق جون كينيدي، وتزايدت الآمال في كشف خيوط جديدة قد تفضي إلى فهم ملابسات جريمة تاريخية أثارت اهتمام الرأي العام الأميركي لأكثر من 6 عقود.

غير أن الوثائق التي كُشف عنها لم تضف جديدا، ولم تُجب عن السؤال الرئيسي: من اغتال كينيدي؟ مما أثار موجة من خيبة الأمل بين أنصار الرئيس، الذين يرون أن الفرصة مواتية لكشف الحقيقة، في ظل سيطرة الجمهوريين على البيت الأبيض والكونغرس وجميع مراكز النفوذ.

ولم يقتصر الإحباط على الملفات الداخلية، فالرئيس كشف الأسبوع الماضي عن خطة لإرسال مزيد من الأسلحة إلى أوكرانيا، وذلك بعد أن كانت وزارة الدفاع أوقفت هذه الشحنات في وقت سابق.

ووفقا لمراقبين، فإن القرار لا يتناغم مع الخط العام لحركة "ماغا"، التي تبنّت على الدوام خطاب البعد عن الصراعات الخارجية، ورفعت شعار "أميركا أولاً".

وسبق إرسال الأسلحة تصاعد للانتقادات بعد دعم ترامب لحليفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في حربه على غزة، تلاه انضمام الولايات المتحدة إلى إسرائيل في قصف منشآت إيران النووية خلال يونيو/حزيران الماضي، وهي مواقف أعطت إشارات مقلقة لبعض أنصار ترامب بشأن جدية المحافظين في محاربة "الدولة العميقة".

عودة نظرية المؤامرة

المناخ الشعبي المشحون بنظريات المؤامرة والتشكيك حيال نية البيت الأبيض في ترجمة وعود الحملات الانتخابية وصل لذروته بعد أن أغلقت وزارة العدل في السادس من يوليو/تموز الجاري، التحقيقات المرتبطة بقضية جيفري إبستين، وأصدرت مذكرة نفت وجود "قائمة عملاء" مرتبطة بقضية، مع أن المدعية العامة بام بوندي، أعلنت في فبراير/شباط الماضي أن القائمة "على مكتبها".

وكان إبستين قد عُثر عليه ميتا في زنزانته داخل أحد سجون نيويورك عام 2019، قبل أن يمثل أمام المحكمة بتهم تتعلق بالاتجار بالجنس. وقد عُرف بعلاقاته الواسعة مع عدد من السياسيين والمشاهير ورجال الأعمال ذوي النفوذ.

لكن الشكوك ظلت تحوم إلى الآن حول حقيقة وفاته بعد أن أعلنت الجهات الرسمية أن وفاته "حالة انتحار"، وترى مجموعة كبيرة من الأميركيين أن موته تصفية لحماية شخصيات نافذة كانت على صلة بشبكة الاستغلال الجنسي التي يُزعم أن إبستين كان يديرها.

إعلان

قرار وزارة العدل بعدم وجود قائمة متورطين لم يُقنع التيار المحافظ، خصوصا داخل حركة "ماغا" التي سارعت شخصيات مؤثرة فيها إلى التعبير عن غضبها على منصة "تروث سوشيال" المملوكة للرئيس ترامب، وانتشرت في المنصة الانتقادات لموقف الإدارة من القضية، واعتبروا أن الرئيس استغل دعمهم الانتخابي من دون أن يفي بوعده الكشف عن الملفات السرية.

وفي تصريحات لقناة "إم إس إن بي سي" ألقى النائب الديمقراطي جيمي راسكين، العضو البارز في لجنة القضاء بمجلس النواب، اللوم مباشرة على ترامب وبام بوندي، قائلا: "لا ضرورة لإلقاء التهم على أطراف خفية، ترامب وبوندي يملكان صلاحية نشر الوثائق، وهما أقرب من لدينا إلى المنظومة غير الرسمية المتحكمة بالمعلومة".

"خدعة إبستين"

والأمر الذي أسهم في زيادة الشكوك تلويح ترامب مرة أخرى بنظرية المؤامرة في محاولة لتهدئة الرأي العام، فنشر عبر منصاته مقطع فيديو يُلمّح إلى حالات وفاة غامضة على صلة مزعومة بعائلة كلينتون، وادعى أن الرئيس السابق جو بايدن استخدم جهاز توقيع آلي لتوقيع وثائق رسمية.

لكن محاولاته لم تلقَ اهتماما يُذكر من الرأي العام، وواصل المنتقدون الضغط للكشف عن القائمة المزعومة المرتبطة بالقضية.

وفي تجمّع شبابي لحركة "ماغا" عُقد الأسبوع الماضي بحضور ستيف بانون، أحد أبرز حلفاء ترامب، عبّر عديد من المشاركين عن شعورهم بالخيانة. وتحولت الفعالية إلى منصة للنقد.

وقال أحد الحضور، يُدعى جوليان: "أجل، نُخدع. لا يُقبض على المتحرشين بالأطفال، ولا يُرحل الناس، ولا نحصل على ما طلبناه"، في حين ذهب آخرون إلى وصف ترامب بأنه بات جزءًا من شبكة النفوذ التي طالما هاجمها.

تحت هذا الضغط، اعترف ترامب لاحقا بوجود القائمة، لكنه سارع إلى اتهام الديمقراطيين بتلفيقها، معتبرا أنها محاولة للتغطية على خسائرهم السياسية. وكتب على تروث سوشيال: "عملية الاحتيال الجديدة التي يروّجون لها سنسميها خدعة جيفري إبستين".

التصريح لم يقنع كثيرين من مؤيديه، وقوبل برفض واسع، إذ اعتبرها رواد المنصات تبريرا واهنا لن يُغير من موقفهم، وتوقع مراقبون ردود الفعل هذه، لأن هذه القضية لا تشبه غيرها، كونها تمس واحدة من أعمق المخاوف بين الأميركيين، ولا يمكن احتواؤها بسهولة.

ويرى مات داليك، أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن، في تصريح لوكالة أسوشيتد برس، أن "الافتراض الخطأ الذي يتبناه ترامب وآخرون هو قدرتهم على ترويج نظريات المؤامرة من دون أي رد فعل سلبي، وقضية إبستين أثبتت ذلك".

مصدر الصورة متظاهرون يحملون لافتات تربط إبستين بنظريات المؤامرة في محاكمة شريكته في الاتجار بالجنس (الفرنسية)

مزيد من التعقيد

ووسط تصاعد الاتهامات للرئيس ترامب بانتمائه للدولة العميقة، كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" مساء الخميس 11 يوليو/تموز، عما وصفته برسالة من ترامب أرسلها لإبستين بمناسبة عيد ميلاده الـ50، تتضمّن رسما باليد لجسد امرأة مرفقا بتوقيعه.

ترامب نفى صحة الرسالة، ووصفها بالمفبركة، مؤكدا في مقابلة مع صحيفة ذا جورنال: "لم أرسم صورا لنساء مطلقا"، وأعلن عزمه على مقاضاة الصحيفة وشركتها الأم "نيوز كورب".

بعد ذلك، وجه الرئيس أوامره إلى المدعية العامة بام بوندي لتقديم محاضر هيئة المحلفين الكبرى المرتبطة بالقضية، لكن القرار النهائي بات الآن بيد القاضي الفدرالي، الذي سيكون عليه البت في ما إذا كان بالإمكان نشر الوثائق دون انتهاك خصوصية الضحايا والشهود.

ووفقا لخبراء قانونيين، فإن المسألة قد تستغرق وقتا طويلا، مع احتمال ضئيل لكشف معلومات جديدة.

وحسب استطلاع أجرته وكالة رويترز، يرى 69% من الأميركيين أن إدارة ترامب تُخفي تفاصيل تتعلق بعملاء إبستين، مقابل 6% فقط يعتقدون العكس.

إعلان

كما أظهر استطلاع آخر أجرته شبكة "سي إن إن" أن الرضا عن مستوى الشفافية الحكومية لا يتجاوز 3% فقط، في حين أعرب نصف المستجيبين عن عدم رضاهم، من بينهم 56% من الديمقراطيين و43% من الجمهوريين.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا