آخر الأخبار

صواريخ تاوروس الألمانية فتيل نزاع جديد محتمل في أوروبا

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

في كلمته أمام البرلمان الألماني ( البوندستاغ ) عام 2024، حث زعيم المعارضة آنذاك فريدريش ميرتس الحكومة على تزويد أوكرانيا بصواريخ "تاوروس" إذا لم تتوقف روسيا عن قصف الأهداف المدنية بهدف تدمير طرق الإمداد للجيش الروسي.

وبعد أشهر قليلة، ورغم تسلم ميرتس لمنصب المستشارية، لم تزود ألمانيا أوكرانيا بتلك الصواريخ، حتى كتابة هذا التقرير، ليبقي بذلك المستشار على الموقف الغربي المتحفظ من التورط المباشر في الحرب ضد روسيا.

ومع ذلك، عاد ميرتس مرة أخرى في بودكاست لقناة "إيه آر دي" في يوليو/تموز الجاري ليترك الباب مفتوحا لمد أوكرانيا بتلك الصواريخ، في وقت كررت فيه روسيا من جانبها تحذيراتها من تداعيات خطيرة لمثل هذه الخطوة، بما في ذلك ضمنيا إمكانية جر المنطقة إلى مواجهة مفتوحة.

فبالنسبة لألمانيا وروسيا -اللتين ترتبطان بعلاقات تاريخية شائكة- فإن الأمر أكبر من مجرد تهديدات وردود فعل محتملة، إذ عمليا تتواجه الدولتان بالفعل في ساحة الحرب الأوكرانية عبر أحدث التقنيات العسكرية في حدود ما يتم تقديمه من عتاد ودعم ألماني إلى أوكرانيا وما يتم تصنيعه في مصانع روسيا.

وفي تقدير الخبراء، فإن انضمام صواريخ "تاوروس" الألمانية إلى الحرب قد يقلب تماما موازين المعركة، ولكنه قد يجعل برلين هدفا محتملا للسلاح الروسي لأول مرة بعد الحرب العالمية الثانية .

مصدر الصورة المستشار الألماني فريدريش ميرتس يلقي كلمة خلال مناقشات البوندستاغ (غيتي)

ألمانيا داعم رئيسي لأوكرانيا

منذ أن بدأت الحرب في أوكرانيا في فبراير/شباط عام 2022، قدمت ألمانيا لكييف، بحسب بيانات الحكومة، ما يقارب 47.8 مليار يورو (حوالي 51.8 مليار دولار) كدعم ثنائي إجمالي، مما يجعلها ثاني أكبر دولة مانحة لأوكرانيا.

ويغطي هذا الدعم المساعدات العسكرية البالغة وحدها حوالي 28 مليار يورو (30 مليار دولار)، إلى جانب المساعدات الإنسانية ودعم اللاجئين وإصلاح البنية التحتية والمساعدات المالية للطاقة والإغاثة الشتوية.

إعلان

لم يتوقف الدعم الألماني عند ذلك الحد، فقد وافقت لجنة الموازنة في البرلمان الألماني على مساعدات عسكرية إضافية لأوكرانيا بقيمة 3 مليارات يورو (3.2 مليارات دولار) في العام 2025، بالإضافة إلى 8.3 مليارات يورو للفترة الممتدة من 2026 إلى 2029، وفقا لما ذكره مسؤولون في اللجنة لوكالة الأنباء الألمانية.

كما يجري مناقشة دعم إضافي يقدر بـ1.9مليار يورو بانتظار الموافقة النهائية من البوندستاغ، مما يرفع قيمة المساعدات الإضافية إجمالا إلى أكثر من 10 مليارات يورو.

وبحسب الحكومة الألمانية، ستتيح هذه الحزمة المالية تزويد أوكرانيا بذخائر على الفور وتصنيع أسلحة تكون قابلة للتسليم في غضون سنة أو سنتين، بما في ذلك أنظمة دفاع جوية من طراز "إيريس تي" التي يصل مداها إلى 40 كيلومترا وتستخدم لاعتراض الطائرات المقاتلة والمروحيات وصواريخ كروز والمدفعية الصاروخية ومسيرات "كاميكازي" الروسية.

وليس هذا فقط، فالحكومة الألمانية تخطط لاستخدام جزء من التمويل لأنظمة الأسلحة البعيدة المدى، وهو ما ورد في تصريح لوزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس، ويضع هذا صواريخ "تاوروس" في دائرة الضوء من جديد.

لكن لماذا هذا الاهتمام المتزايد؟

بالعودة إلى وثيقة الأمن الإستراتيجي الألماني لعام 2023، تصدرت الصين وروسيا لائحة الدول التي تشكل تهديدا مباشرا لألمانيا.

ويعتمد هذا التصنيف فيما يخص روسيا، على عدة مؤشرات يرصدها الكاتب الصحفي والخبير في الشؤون الألمانية والأوروبية منصف السليمي لموقع الجزيرة نت، من بينها:


* ألمانيا تعرضت إلى سلسلة من العمليات التي استهدفت أمنها تتوزع بين عمليات تجسس استخباراتية وعمليات تخريب إلكتروني.
* تعرض بعض المنشآت مثل شبكات الاتصال وبعض قطاعات التصنيع إلى حرب هجينة يقودها الهاكرز الروس.
* مقتل رجال أعمال ألمان في ظروف غامضة سواء داخل ألمانيا أو خارجها، توجهت فيها الشكوك إلى روسيا بالوقوف وراءها.
* محاولات روسية للتأثير على الانتخابات الألمانية عبر حملات "تضليل إعلامي"، وفق ما ذكرت الاستخبارات الألمانية.

وبناء على تلك المؤشرات وغيرها تضع ألمانيا، وفق تحليل السليمي، في اعتبارها أنها مستهدفة وتتصرف على هذا الأساس. يبرر ذلك، اتخاذها لخطوات احترازية عديدة على الأمد القصير أو البعيد، مثل التخطيط لبناء أقوى جيش في أوروبا في غضون السنوات القليلة القادمة.

ومع ذلك، فإن هذه التدابير لا تتضمن موقفا واضحا من مشكلة صواريخ "تاوروس"، ففي مطلع يوليو/تموز صرح ميرتس بأن تزويد أوكرانيا بهذه الصواريخ لا يزال قائما، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أنه في حال تأكيد هذه الخطوة، فإن تدريب الجيش الأوكراني على استخدام النظام المعقد لهذه الصواريخ سيحتاج إلى فترة لا تقل عن 6 أشهر.

وبينما يسيطر الغموض على قرار برلين، فإن ميرتس أكد أن حكومته لن تناقش علنا أنواع الأسلحة التي ستزود بها أوكرانيا أو الإجراءات التي تهدف إلى دعمها عسكريا.

ويعتقد السليمي أن هذا الموقف مرتبط أساسا بتوقف الدعم العسكري الأميركي لأوكرانيا في ظل إدارة دونالد ترامب والتزام ألمانيا بسد الفراغ الأميركي.

إعلان

وفي كل الحالات لا يزال صاروخ "تاوروس" يتصدر مطالب أوكرانيا عند مناقشتها للمساعدات العسكرية الغربية مع شركائها، إذ يؤكد الخبراء العسكريون الأوكرانيون أن المئات من هذه الصواريخ كافية لإحداث تأثير كبير في مجرى الحرب مع روسيا.

مصدر الصورة متظاهرون يحملون لافتات داعمة لأوكرانيا وتدعو إلى تزويد أوكرانيا بصواريخ كروز من طراز تاوروس (الفرنسية)

"تاوروس" قوة اختراق وتدمير

"صاروخ تاوروس" هو صاروخ كروز ألماني سويدي الصنع مطور، بطول حوالي 5 أمتار، ووزن يعادل 1300 كيلوغراما، يطلق من طائرات مقاتلة ويبلغ مداه الأقصى 500 كيلومتر.

ويمكنه أن ينطلق بسرعة قصوى تبلغ حوالي 1170 كيلومترا في الساعة، أي ما يعادل تقريبا سرعة الصوت، وعلى ارتفاع 35 مترا فقط، مما يجعل اكتشافه صعبا للغاية على أنظمة الرادار.

بالعودة إلى إيضاحات فابيان هوفمان، وهو باحث دكتوراه في تكنولوجيا الصواريخ بجامعة أوسلو، على حسابه بمنصة إكس، فإن صاروخ "تاوروس" يملك قدرة على إحداث اختراق أعمق خلف خطوط العدو أكثر من أي صاروخ آخر بعيد المدى متوفر لدى أوكرانيا، بما في ذلك صواريخ "شتروم شادو" البريطانية بمدى يبلغ 250 كيلومترا، بالإضافة إلى نظام الصواريخ التكتيكية للجيش الأميركي "أتاكامس" بمدى يبلغ 300 كيلومتر.

وما يميز "تاوروس" عن غيره من الصواريخ البعيدة المدى التي تملكها أوكرانيا، هو نظام الرأس الحربي الذكي "ميفيستو"، المجهز بفتيل "استشعار الفراغات وحساب الطبقات"، والقادر على اختراق طبقات متعددة من المواد، وإحداث أقصى ضرر ممكن عند استهدافه للهياكل مثل الجسور.

ويعني ذلك، وفق الخبير هوفمان، أن صاروخ "تاوروس" لا يمكنه إتلاف سطح الجسر فحسب بل أيضا أساسه.

ويضع هذا نظريا الجسور الحيوية للقوات الروسية، مثل جسر "كيرتش" الذي يمثل طريق إمداد لوجستي رئيسيا إلى شبه جزيرة القرم ، في "وضع أكثر خطورة".

واستهداف الجسور هي إستراتيجية رئيسية في تكتيكات أوكرانيا، وقد سبق لها استهداف 3 جسور في هجوم "كورسك"، مما تسبب في تعقيدات لوجيستية بالغة للقوات الروسية وفي تعطيل الهجوم المضاد. كما وجهت ضربات لجسر "كيرتش" دون أن يحدث ذلك ضررا في أسسه.

وتقول الاستخبارات الروسية إنها تملك معلومات عن تنسيق عسكري ألماني يطرح فرضية ضرب الجسر الحيوي بصاروخ "تاوروس" بهدف اختراقه وتدميره، وهو ما تضمنته مكالمات بين ضباط ألمان تم تسريبها من قبل وسائل إعلام روسية في 2024.

وتفسر التطورات المتلاحقة وتداعيات العمليات العسكرية بعملية "شبكة العنكبوت" التي تسببت في تدمير 10% من القدرات الدفاعية الروسية الجوية وفق الاستخبارات الألمانية، وضع روسيا لخطط احترازية لحماية ترسانتها.

وقد كشفت صحيفة "تلغراف" البريطانية بعد عملية "شبكة العنكبوت" وبالاعتماد على صور التقطتها أقمار اصطناعية، أن روسيا نقلت طائرات من نوع "تو-160" وقاذفات من طراز "توبوليف تو-160" إلى قواعد عسكرية أقصى شرق البلاد. وبالنتيجة أشار لاحقا تقرير لمعهد دراسة الحرب (آي إس دبليو) إلى انخفاض في نشاط الطيران الروسي.

لكن تقرير المعهد لفت في الوقت نفسه إلى وجود ما يفوق 200 هدف عسكري في مدار الاستهداف الصاروخي، وتشمل هذه الأهداف قواعد عسكرية كبيرة ومحطات اتصالات ومراكز لوجستية ومرافق إصلاح ومستودعات وقود وذخيرة، ومقرات دائمة ترتبط بأجهزة القيادة والاستخبارات والاستطلاع والدعم اللوجستي للقوات الروسية التي تقاتل على خطوط المواجهة في أوكرانيا وكورسك.

ومن شأن رفع القيود المفروضة على استخدام الأسلحة البعيدة المدى على الأراضي الروسية، بجانب تزويد كييف بصاروخ "تاوروس"، أن يسمح لأوكرانيا بتوجيه ضربات دقيقة رئيسية على هذه الأهداف، وهو ما قد يؤثر بشدة على قدرات روسيا على الخطوط الأمامية.

إعلان

ويخلص التقرير إلى أن خطوة روسيا لنقل أصولها العسكرية إلى عمق أكبر بعيدا عن نطاق استهداف الصواريخ البعيدة المدى، سيحد أيضا من الفعالية القتالية للجيش الروسي.

تحذيرات روسية.. ماذا بعد؟

قبل شهر حذّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ألمانيا من أن موسكو ستعتبرها متورطة بشكل مباشر في الحرب في أوكرانيا إذا زودت كييف بصواريخ كروز من طراز تاوروس، في تهديد صريح لبرلين.

وينطلق هذا الربط الروسي من حاجة أوكرانيا الضرورية إلى الاستعانة بمعلومات استخباراتية غربية عبر الأقمار الاصطناعية وإلى ضباط ألمان لتحديد أهداف الضربات في حال إطلاق تلك الصواريخ على روسيا، مما يعني ذلك، حسب موسكو، تورطا ألمانيا مباشرا.

وبينما تحفظ بوتين على طبيعة الرد الروسي المحتمل ضد أي خطوة ألمانية في هذا السياق، تظهر تصريحات مسؤولي الحكومة الألمانية، ومن بينها خاصة تصريحا وزير الدفاع بوريس بيستوريوس والمستشار فريديريش ميرتس، بشكل متضارب وغير مطمئنة لموسكو.

وفي الواقع، فإن التصعيد الروسي الألماني بدأ حتى قبل أزمة صواريخ "تاوروس" منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا عام 2022، رغم تحفظات المسؤولين الألمان على جر بلادهم إلى صدام مباشر مع روسيا.

ولكن مضمون وثيقة داخلية ألمانية كشفت عنها وكالة رويترز في مايو/أيار الماضي بعنوان "أوليات توجيهية لتعزيز الاستعداد"، تعكس استعداد ألمانيا لنزاع عسكري محتمل مع روسيا في الأمد المتوسط، لهذا تحث الوثيقة السياسيين الألمان على الانتهاء من إعادة تسليح الجيش بالكامل بحلول عام 2029 ليكون أقوى جيش في أوروبا.

مصدر الصورة بوتين (يمين) حذر ألمانيا إذا زودت كييف بصواريخ كروز من طراز تاوروس (الأوروبية)

وينظر إلى هذا السيناريو على أنه قادح ممكن لحرب عالمية ثالثة يكون مسرحها أوروبا، ويطرح الكاتب السليمي قراءتين هنا:


* من جهة، قالت روسيا إنها ستتخذ خطوات مضادة ضد ألمانيا إذا زودت أوكرانيا بصواريخ "تاوروس" لكنها لم تحدد بدقة طبيعة هذه الخطوات وما إذا كانت بالضرورة عسكرية، وهو خيار مستبعد في الوقت الحالي لأنه من الصعب على الجيش الروسي فتح جبهة أخرى ضد ألمانيا. وإلى جانب ذلك هناك ضغوط وجهود تبذلها الإدارة الأميركية من أجل التوصل إلى تسوية سلمية.
* من جهة أخرى، فإن سيناريوهات التصعيد نحو صدام عسكري مباشر تبقى غير مستبعدة، بدليل أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه كان قد حذر من اندلاع حرب عالمية ثالثة في أي لحظة وعبر أي قادح كان، مما يعني مواجهة محتملة بين الناتو وروسيا يكون فيها لألمانيا دور محوري في أوروبا.

في غضون ذلك، ينشط كل طرف لتعزيز موقفه في الصراع؛ فوفق تحليل السليمي، تسعى ألمانيا للتوصل إلى تسوية أخرى ممكنة لدعم أوكرانيا وتعزيز قدراتها الدفاعية، كأن تقتني صواريخ "باتريوت" الأميركية وتسلمها إلى الجيش الأوكراني، بينما من المتوقع أن تكثف روسيا حربها الهجينة ضد شركاء أوكرانيا الغربيين وتحديدا ألمانيا بالذات، في إطار الرد على الدعم العسكري لكييف.

ويوم أمس الأحد، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه سيرسل صواريخ دفاع جوي من طراز باتريوت إلى أوكرانيا، مشيرا إلى أنها ضرورية لحمايتها من الهجمات الروسية.

ويخلص السليمي في تحليله للجزيرة نت إلى أن "الوضع الحالي الآن هو أن ألمانيا تحاول أن توازن بين جهودها للتوصل إلى تسوية سلمية مع روسيا ولكن بعيدا عن أي شروط من شأنها أن تضعف أوكرانيا والموقف الأوربي، ومن ثم فهي تبقي في الوقت نفسه على دعمها العسكري القوي في أوكرانيا لحماية أمنها القومي".

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا