آخر الأخبار

لغة الحب السرّية: كيف عبّر الباحثون عن الحب والمواعدة عن مشاعرهم قبل ظهور التكنولوجيا؟

شارك
مصدر الصورة

أتقن البشر عبر قرون فنّ الإشارة والتلميح إلى الحب بصور ضمنية متعددة، وهو ما سلّط الضوء على طبيعة سعينا الدؤوب نحو الحب، وتطوير أساليب تنوعت من طرق المغازلة باستخدام المراوح في عصر الريجنسي إلى تبادل الهدايا بين العشاق.

عندما تزور جناح ريشليو في متحف اللوفر في باريس، قد تشاهد لوحة تحمل نظرات ملكة إنجليزية سابقة، يداها، المرصعتان بخواتم ثمينة، متشابكتان أمامها، تبتسم ابتسامة خفيفة تنمّ عن رصانة واتزان، وتتلألأ المجوهرات على غطاء رأسها، وتزين أقمشة حمراء وذهبية غنية فستانها ذي الأكمام المنتفخة، كما يتدلى أسفل عنقها صليب صغير، وتظهر اللوحة بدون شك أنها رُسمت بطريقة تهدف إلى جذب الانتباه.

بلغت تلك اللوحة، المعروفة باسم "خطوبة آن كليفز"، التي أبدعها هانس هولباين الأصغر، من الجاذبية حداً دفع الملك هنري الثامن، أحد أقوى حكّام عصره، إلى الارتباط بها في عام 1539، ووصفها سفير الملك في منطقة كليفز بأنها "نابضة بالحياة"، ما يُفهم منه أنها صورة دقيقة لهيئتها الأصلية.

مصدر الصورة

إلا أن بعض المؤرخين وجّهوا لهولباين انتقاداً بأنه تعمّد تجميل ملامحها والمبالغة في إبراز جمالها، وعموما كان اللقاء الأول بين آن وهنري مشوباً بالحرج الشديد، إذ تفيد مصادر تاريخية بأنهما لم ينجذبا إلى بعضهما بعضا، وانتهت العلاقة رسميا في يوليو/تموز عام 1540، وهي خطوة اعتبرها البعض بمثابة نجاة ناجحة لآن من مصير مجهول.

وعلى الرغم من أن تقديم ملكة مستقبلية عبر لوحة فنية قد يبدو للوهلة الأولى بعيداً عن تصورنا المعاصر كإحدى طرق البحث عن الحب في ظل ما نتمتع به من زخم في خدمات المواعدة الرقمية، فإن "صور التعارف والخطوبة" عادت إلى الواجهة من جديد.

ففي عام 2022، استخدم نحو 30 في المئة من البالغين في الولايات المتحدة تطبيقات المواعدة، والتي تتطلب من المستخدمين اتخاذ قرارات أولية حاسمة استناداً إلى صورة شخصية وبعض الكلمات المطمئنة من الأصدقاء.

وفي ظل اعتماد الغالبية العظمى من تفاعلات المواعدة الحديثة على التواصل عبر الشاشات، يجد المستخدمون أنفسهم أمام مئات الخيارات من الشركاء المحتملين، يجري تنظيمهم وفقاً لخوارزميات إلكترونية، وعلى الرغم من ذلك، فإن المقارنة بين أنماط المواعدة المعاصرة وتلك التي تعود إلى قرون مضت تكشف أن الكلمات لم تكن دوماً شيئا جوهرياً أو لازماً في "رحلة البحث عن الحب".

لقد ظلّت بعض اللغات السرّية أو الإشارات البصرية التي توحي بمشاعر الانجذاب ثابتة بشكل لافت عبر القرون، في حين طوى النسيان بعضها، فما الذي تكشفه هذه الرموز غير اللفظية عن تصوّراتنا للعلاقات الرومانسية؟ وهل قد يسهم فهمنا لها في بلوغ الحب الحقيقي؟

"مروحة المغازلة"

نبدأ بعصرٍ تاريخي اشتهر بتمجيده للحب الرومانسي وطقوس الخطوبة، وهو يُعرف بعصر الريجنسي، وهي فترة العقود المحيطة بعام 1800، وهو زمن أُتيحت فيه فرصة مغازلة النساء وخطبتهن، وكن يلعبن أيضاً دوراً فعالاً في سوق الزواج، ففي روايات كُتّاب عصر الريجنسي، أمثال جين أوستن، كثيراً ما كان الأبطال يسعون إلى الزواج بدافع المكسب المالي أو الوجاهة الاجتماعية، غير أن الحب كان ينتصر في النهاية.

وتقول سالي هولواي، الباحثة بجامعة "وورويك" في المملكة المتحدة ومؤلفة كتاب "لعبة الحب في إنجلترا الجورجية"، إن "الزواج عن حب كان مثلاً أعلى يُحتفى به خلال القرن الثامن عشر"، وقد أولى الناس أهمية للبحث عن الحب قبل الزواج، على خلاف فكرة تطور الحب لاحقاً، "وهو لا يختلف كثيراً عن الطريقة التي نقيس بها الانسجام العاطفي مع الشريك في عصرنا الحالي".

كان من الممكن أن تنشأ علاقة عاطفية في إحدى المناسبات الاجتماعية التي كانت تُنظّمها طبقات المجتمع الراقي في الماضي، وتلفت هولواي إلى أن الغزل الضمني في هذه الأماكن العامة كان يحمل طابعاً من المرح والتسلية، فمثلاً، وُجد ما يُسمى بـ"لغة المراوح" آنذاك، غير أنها كانت وسيلة مرحة أكثر منها أسلوباً جاداً للتواصل.

ففي عام 1797، ابتكر المصمّم تشارلز فرانسيس بانديني مروحة طُبعت عليها أبجدية مُشفرة بأحرف صغيرة مزخرفة، بهدف تمكين النساء من تبادل الرسائل عبر المسافات داخل القاعات، وأُطلق على هذه المروحة اسم "مروحة المحادثة النسائية"، وكانت تضم أوضاعاً مختلفةً لليد تشير إلى كل حرف، بأسلوب مشابه لنظام "السيمفور"، وهي طريقة تواصل استخدمها البحّارة في الغالب باستخدام الأعلام الملونة.

وتوجد مروحة أخرى تعود لعام 1798، حملت عنوان "تلغراف السيدات للمراسلة عن بُعد"، جاءت مشابهة في طبيعتها للمروحة السابقة، وتوضح هولواي قائلة: "الاستخدام الأساسي لهذه المروحة بين المحبّين كان بمثابة وسيلة للمغازلة غير المباشرة، ترافقها نظرات الشوق، وخفقان الرموش، ولمحات الرقة العاطفية".

مصدر الصورة

وكانت إشارات المراوح ذات فائدة خاصة في الحفلات الصاخبة والمزدحمة، أو في الحالات التي تتطلب التحفظ والسريّة، أما في اللقاءات القريبة بين الأشخاص، استخدم الرجال والنساء الروائح العطرية "لإثارة وتعزيز مشاعر الحب والرغبة الجسدية"، بحسب هولواي، كما كان يُضاف العطر السائل إلى رسائل الحب، بغرض إغراء الطرف الآخر وجذبه.

وتقول هولواي إن الرجال في عصر الريجنسي دأبوا على تقديم مجموعة واسعة من الهدايا للنساء، تفاوتت بين الزهور واللوحات المصغّرة، وذلك تعبيراً عن المودة، وإظهار مدى ملاءمتهم كشركاء محتملين في الحياة.

وتضيف: "كان الشريكان يتحققان من مدى توافقهما في الطباع والرؤى في الحياة من خلال تبادل الكتب كرموز تحمل رمزيّة، مع تسطير المقاطع التي اتفقا عليها أكثر من غيرها".

وتقول: "كانوا في رسائلهم يتناولون آمالهم ومخاوفهم، ومواقفهم الأخلاقية، وما يطمحون إلى تحقيقه من الزواج، كما كانوا يسعون لبناء رابط عاطفي أعمق".

وفي المقابل، تشير هولواي إلى أن النساء عادةً كنّ يُقدّمن للرجال هدايا مصنوعة يدوياً، مثل الزخارف المطرّزة وأطقم السترات، تعبيراً عن مهارتهن في الأعمال المنزلية وكمّ الوقت الذي استثمرنه في العلاقة، كما كنّ يُهدين زهوراً مضغوطة، كالبنفسج، والتي كانت ترمز إلى الحياء، والصدق، والحب الوفيّ.

مصدر الصورة

وتُعد خصلة الشعر والخاتم، الهديتين الأكثر رمزيّة في ذلك العصر، فخصلة الشعر تمثل جزءاً ملموساً من جسد الحبيب، يمكن أن يبقى حتى بعد وفاته، بينما يرمز الخاتم إلى الارتباط بالزواج، وإلى اليد التي ستُمنح للطرف الآخر في عهد مقدس.

وعلى الرغم من أن "لغة المراوح" قد اندثرت ولم تعد متداولة، فإن هولواي تشير إلى وجود بعض أوجه تشابه مع الكيفية التي لا يزال يستخدمها الشركاء في العصر الحديث مثل الهدايا والرسائل كوسائل للتقارب وبناء العلاقات العاطفية.

وتوضح هولواي: "جميع هذه الطقوس ساهمت في بناء حالة من الحميمية والتقارب العاطفي، على نحوٍ لا يختلف كثيراً عن ممارسات الأزواج في العصر الحديث، عندما يتبادلون الهدايا، والرسائل النصية، والبريد الإلكتروني، ويخططون للمواعيد والرحلات، ويقضون الوقت معاً من أجل اختبار مدى انسجامهم وتوافقهم".

"أقدم أشكال التواصل الاجتماعي"

مع تزايد انتشار التصوير الفوتوغرافي خلال الحقبة الفيكتورية، أُتيحت فرصة لعدد متزايد من الأشخاص للاطلاع لأول مرة على صور المشاهير بل وعلى أفراد العائلة الملكية، كما أصبح بإمكان الأصدقاء وأفراد العائلة تبادل التذكارات المصورة.

وسرعان ما حظيت هذه التقنية المتطورة في المجتمع الفيكتوري البريطاني بالاستخدام لأغراض عاطفية، من خلال ما يعرف باسم "بطاقات التعارف المصورة"، وهي صور شخصية بحجم يقارب (9 سنتيمترات× 6 سنتيمترات)، تُثبّت على بطاقة ورقية، وتُرسل إلى الأحباء المحتملين.

ونظراً لانخفاض تكلفة بطاقات التعارف المصورة وسهولة تداولها، كان من الممكن أن تنتشر الصورة الشخصية بشكل واسع، تماماً كما تنتشر الصور عبر الإنترنت في وقتنا الحاضر، كما لجأ البعض إلى نشر إعلانات يطلبون من خلالها تبادل هذه البطاقات، بينما كان العشّاق يحتفظون ببطاقات أحبّائهم إلى جوارهم.

ويقول جون بلنكيت، الأستاذ المساعد بقسم اللغة الإنجليزية في جامعة "إكسيتر" البريطانية: "كانت أشبه برمز ينطوي على إحساس عاطفي خاص".

كانت بطاقات التعارف المصورة قد اشتهرت في البداية بفضل الملكة فيكتوريا والأمير ألبرت، قبل أن تُصبح متاحة بشكل أوسع بين الطبقة الوسطى والعليا، ويقول بلنكيت في ورقة بحثية نُشرت في مجلة الثقافة الفيكتورية: "كانت هذه البطاقات جزءاً من تشكيل الفرد لهويته الخاصة، في سياق ارتباطه بهوية جماعية أوسع نطاقاً".

أتاحت بطاقات التعارف المصورة لبعض الأفراد أول فرصة، بل ربما الوحيدة، لالتقاط صورة شخصية، وكما هو الحال مع تطبيقات المواعدة المعاصرة، أتاحت هذه البطاقات للبعض تكوين انطباع أوليّ عن الشخص.

مصدر الصورة

ويقول بلنكيت إن هذه البطاقات تجعلك "ترتدي أجمل ما لديك من ملابس، تلك التي تحتفظ بها ليوم الأحد"، وكان الأشخاص يعكسون بعضاً من شخصياتهم في الصور، سواء من خلال الظهور وهم يمارسون القراءة أو اتخاذ وضعيات تعبّر عن الهيمنة أو التواضع، مضيفاً أنها كانت "فرصة لترك بصمة تعبّر عن ذاتك، ومحاولة للظهور بمكانة اجتماعية أعلى".

أصبح من المألوف تحويل بطاقات التعارف المصورة الخاصة بأوثق العلاقات الاجتماعية إلى لوحات تركيبية، كما ظهرت أنماط فنية تتمحور حول تصوير الأصدقاء في أوضاع غريبة ومبتكرة، مثل جمعهم في غرفة جلوس مصوّرة، أو تجسيدهم كضحايا عالقين في شبكة عنكبوت، وكان الغرض من ذلك حفظ هذه التذكارات ضمن دفاتر الذكريات، والتعبير عن عمق الروابط التي تجمع بين الأصدقاء.

وكان الأفراد، في العديد من بطاقات التعارف المصورة، التي يُمكن الاطلاع عليها في متحف فيكتوريا آند ألبرت بلندن، يتخذون وضعيات تصويرية بصحبة أشياء تعبّر عن الثراء، كالأعمال الفنية والتماثيل، وأحياناً مع حيواناتهم الأليفة.

ويفسر بلنكيت أن استخدام الدعائم كان يُعين الأفراد على الثبات خلال جلسات التصوير، نظراً لطول مدة التقاط اللقطة التصويرية التي كانت تتطلبها الصور في تلك الحقبة مقارنة بالتصوير الحديث، كما ساعدت هذه الدعائم على خلق "إحساس بخلفية فخمة" أو إظهار المهنة التي ينتمي إليها الشخص، على سبيل المثال.

ويقول: "الأمر برمته كان يتمحور حول الظهور بصورة معينة والتفكير في الصورة التي ترغب في تقديمها عن نفسك، بالضبط كما هو الحال في ملفك الشخصي على إنستغرام أو تويتر، إذ تختار عناصر تُبرز جانباً معيناً من شخصيتك"، وبالمثل، يستخدم الأشخاص اليوم في تطبيقات المواعدة خلفيات ودعائم، منها مناظر طبيعية نادرة أو حيوانات، لتعكس اهتماماتهم وكيف يرون أنفسهم.

"رومانسية ملاهي برلين الليلية"

مع نهاية العصر الفيكتوري، بدأت الأعراف الاجتماعية تتساهل، وبدأ الباحثون عن شركاء يذهبون إلى أماكن جديدة، فكانت قاعات الرقص تقدم موسيقى نشطة حتى ساعات متأخرة من الليل، وتطورت رقصات الـ "راجتايم" إلى موسيقى الجاز في القرن العشرين، كما أصبح من المقبول اجتماعياً أن تتردد النساء العازبات على الحانات والملاهي برفقة صديقاتهن للتعرف على أشخاص جدد، ومع ظهور هذه الأماكن الجديدة، ظهرت أيضاً وسائل جديدة للتعبير عن الانجذاب.

فخلال عشرينيات القرن الماضي، كانت برلين مدينة نموذجية للحياة الليلية الحديثة للغاية، وتقول جينيفر إيفانز، أستاذة التاريخ الاجتماعي في القرن العشرين بجامعة كارلتون في أوتاوا، كندا، ومؤلفة كتاب " الحياة بين الدمار: المشهد الحضري والجنس في برلين خلال الحرب الباردة: "كانت بعض ملاهي برلين هائلة الحجم، متعددة الطوابق، مزودة بأرضيات متحركة، وحتى بمسابح لعروض الباليه المائي".

أتاحت التكنولوجيا في تلك الحقبة للراقصين ممارسة المغازلة بسهولة في الملاهي المزدحمة، وأصبح ملهى ليلي في برلين، معروف باسم "ريزي"، مشهوراً بتقديم وسائل للرواد للتواصل عبر الهاتف أو نظام أنابيب هوائية على طاولاتهم، ويتشابه هذا النظام بالأنابيب المستخدمة في المراسلات الداخلية بالمكاتب والمتاجر والبنوك، حيث توضع الرسالة داخل علبة معدنية وتُدفع عبر أنبوب يتم تفريغه بالهواء وصولاً إلى الجهة المقصودة.

كان بإمكان الأفراد كتابة رسالة على ورق وإرسالها إلى لوحة تجميع، حيث يقوم شخص بقراءتها للتحقق من مدى ملاءمتها وتهذيبها (بطريقة مشابهة لأساليب مراقبة المحتوى في وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة) قبل توجيهها إلى طاولة المستلم. وبالإضافة إلى الرسائل، كان من الممكن شراء وإرسال هدايا متنوعة "من سجائر إلى تحف صغيرة وصولاً إلى الكوكايين"، وفقاً لما ذكرته إيفانز.

وتقول: "هناك بلا شك جانب مشوق في أن ترى من تحبه عبر غرفة وهو يتلقى الرسالة، وهو أمر مخفيّ عن العلن، فردود أفعال الشخص، سواء كانت إيجابية أو سلبية، مباشرة وصريحة، تتعزز بأجواء المرح والخفة التي تميز المكان. ربما حان الوقت لإعادة هذه العادة".

وتلفت إيفانز إلى أن اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939 أنهى هذه الطريقة من التفاعل الاجتماعي، إلا أن بعض أنظمة الاتصال في الملاهي الليلية استمرت في ما عُرف لاحقاً ببرلين الغربية بعد الحرب. وأُعيد افتتاح ملهى "ريزي" في عام 1951.

وتقول: "أظن أننا نبتكر دوما وسائل جديدة للتواصل مع بعضنا البعض، معبّرين عن رغباتنا في هذه الفضاءات الهامشية أو السريّة. يبدو أن ذلك يعكس كثيراً طبيعتنا الإنسانية وعمق حاجتنا للارتباط".

"تلميحات سريّة في مجتمع الميم"

لجأت العلاقات المثلية لفترات طويلة إلى الاعتماد على أساليب تواصل بديلة نتيجة لتاريخ من الاضطهاد والتهميش استهدف أفراد مجتمعات الميم، فتاريخياً أتاحت التلميحات السريّة لهذه المجتمعات التعارف والعثور على شركاء مع محاولتهم الحفاظ على سلامتهم من العداء والعنف والقوانين القمعية.

وكانت العلاقات بين الأشخاص من نفس الجنس محرّمة في كثير من دول أوروبا حتى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وفي الولايات المتحدة حتى العقد الأول من الألفية الثالثة.

فعلى سبيل المثال، اكتسب القرنفل الأخضر شعبيته في الأصل كرمز يحمل معنى مستتر لدى الكاتب المثلي أوسكار وايلد، ففي عام 1892، أوصى وايلد مجموعة من أصدقائه بارتداء القرنفل الأخضر على أزرار المعاطف خلال ليلة افتتاح مسرحيته "مروحة السيدة ويندمر"، وعندما سُئل عن دلالة ذلك، قال وايلد (حسب ما يُذكر): "لا يعني شيئاً على الإطلاق، ولكن هذا بالذات لن يتوقعه أحد".

وتقول سارة بريغر، مؤلفة كتاب "المثليون هناك وفي كل مكان: 27 شخصية غيّرت العالم": "هذا يعبّر عن الكثير من هذه الرموز الخاصة بالمجتمع المثلي، إذ يتعين أن تكون التلميحات مستترة والإشارات غير مباشرة دون الإفصاح الصريح عن معانيها".

وتضيف: "شكّل هذا تحدياً للمؤرخين، نظرا لعدم توافر تأكيدات كاملة إطلاقاً أو فصل واضح بين الأسطورة والواقع لبعض هذه الرموز، لأن الهدف الأساسي هو إمكانية التواصل سراً في فترات الاضطهاد".

وارتبطت أزهار ونباتات أخرى بمجتمع الميم، وتقول بريغر: "إلى جانب القرنفل الأخضر، يُعد البنفسج واللافندر من أقدم الأمثلة على رموز الأزهار الخاصة بالمثليين، وارتبطت ألوان البنفسج واللافندر والبنفسج الفاتح بالمثلية الجنسية على مدى قرون. ونعتقد أن هذا يعود إلى سافو، الشاعرة اليونانية في القرن السادس قبل الميلاد، التي تناولت موضوع حب النساء لبعضهن البعض، وهي من أقدم الأمثلة المسجلة للمثلية بين النساء".

كما استُخدمت المجوهرات لفترة طويلة كوسيلة بصريّة للتعبير والتواصل عن الهوية الجنسية في المجتمعات المثلية، وتقول بريغر: "لديّ وشوم وأقراط وملابس تدل على مثليتي، تسهّل الشعور بالانتماء إلى المجتمع، والشعور الذي ينتابني حين أرى شخصاً آخر يعبّر عن هذه الرموز هو إدراك فوري للمجتمع، والأمان، والأخوة".

ومن خلال التحرر الموسيقي والجنساني في حقبتي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وجدت ثقافة مجتمع الميم صوتاً جديداً، واتسعت رقعة المساحات التي يمكن لمجتمع الميم من خلالها البحث عن علاقة حب.

وتقول إيفانز إنه في ألمانيا "كان الرجال المثليون يلجأون إلى صفحات التواصل المخصصة في مجلات مثل دير كريس والمجلات المثلية اللاحقة مثل هيم"، وتضيف: "كانوا يعلنون عن الصداقة أو المرافقة، وأحياناً بشكل أكثر جرأة لتبادل الصور".

"اختبار الزمن"

استمر الشغف لرؤية صورة الحبيب والتواصل بطريقة مرحة من خلال إشارات مشفّرة ودلالات ضمنية إلى يومنا هذا، سواء عبر ملفات تعريف تطبيقات المواعدة، أو الحضور المنظم على الإنترنت، أو التنبيهات، والإعجابات، والثناء.

وتقول إيفانز: "للكتابة السريّة تاريخ طويل يعود إلى ما قبل الرسائل الجنسية أو المراسلة الخاصة عبر الوسائط الاجتماعية"، وتوضح أن المغازلة والمراحل الأولى من التعارف لطالما ارتبطت بتطور تقنيات جديدة تسمح للأفراد بالتواصل بأفكار ومشاعر مخفية، حتى بوجود مراقبة: "ابتداءً من رموز مثل المنديل الملون المعلق في جيب البنطلون الخلفي في سياق البحث عن شركاء من نفس الجنس، إلى اختصارات الإيموجي والكلمات في الرسائل الجنسية."

وتضيف أنه أحياناً يخدم هذا التكتم غرضاً في الحفاظ على سلامة الأفراد، لا سيما عندما يكون الإعلان العلني عن ممارسات جنسية معينة قد يعرض الشخص للخطر، لكنها توضح بشكل عام أن الأمر يتجلى في متعة تطوير علاقات حميمة مشتركة.

وتشكّل الشيفرات والطقوس والصور المعدّة بعناية "جزءاً من اللعبة".

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا