تعرضت منصة " تيك توك " في السنوات الماضية إلى هجوم واسع عالميا تقوده حكومة الولايات المتحدة بسبب حجم البيانات التي تجمعها عن المستخدمين، فضلا عن المخاوف الأمنية من هذه البيانات، ولكن تبدو البيانات التي تجمعها "تيك توك" للعين المجردة مماثلة لأي بيانات تجمعها أي منصة تواصل اجتماعي أخرى.
ويمكن تلخيص أسباب الهجوم الشرس على "تيك توك" وبياناتها إلى 3 نقاط أساسية، الأولى هي حجم مستخدمي المنصة الذي يتجاوز 1.5 مليار مستخدم نشط شهريا مما يعني حجم بيانات مهول يجمع شهريا، ثم تأتي النقطة الثانية وهي طريقة تعامل المنصة مع هذه البيانات، وأخيرا نوعية البيانات التي تجمعها المنصة، إذ إن الغوص في تفاصيل هذه البيانات يكشف اختلافات واسعة في نوعية البيانات وآلية جمعها، فماذا تعرف عنّا "تيك توك"؟
يصف أحد مستخدمي منصة "إكس" البيانات التي تجمعها "تيك توك" بأنها تعرفك أكثر من والدتك وأصدقائك وطبيبك النفسي بحسب ما نقلته صحيفة "إل باييس" (EL PAÍS) في تقريرها عن المنصة مشيرة إلى أن استخدام المنصة على الأجهزة الحكومية محظور في عدة دول أوروبية إلى جانب الولايات المتحدة.
وتملك "تيك توك" سجلا مفصلا عن كل مستخدم لديها يضم مجموعة واسعة من المعلومات والتفاصيل، مثل اسم المستخدم وتاريخ ولادته وتاريخ الحساب إلى جانب عناوين البريد الإلكتروني والهواتف المحمولة وكلمات السر والسيرة الذاتية وصورة المستخدم، إضافة إلى تقرير مفصل للنشاط الذي يقوم به المستخدم داخل المنصة بما فيها عمليات الشراء وآليات الدفع والتوصيل.
ورغم أن هذه البيانات تشبه بقية منصات التواصل الاجتماعي، فإنها تتخطى هذا الأمر، لتسجل البيانات المتعلقة بعنوان الإنترنت المستخدم إلى جانب نوع الجهاز الذي تقوم باستخدامه في كل مرة ونظام التشغيل ونوعية الاتصال التي تستخدمها ومزود خدمة الإنترنت، فضلا عن ذلك تجمع المنصة بيانات عن المدينة أوالمكان الذي يتم استخدام المنصة منه في كل مرة، وتجمع بيانات مزود الإنترنت وتتبع حركة المستخدم وحتى جهات الاتصال المسجلة لديه، إلى جانب النقرات وسلوك التحكم في المنصة، وذلك بحسب سياسة استخدام المنصة وسياسة الخصوصية.
كما تجمع المنصة بيانات استخدام التطبيق نفسه، بدءا من المقاطع الموسيقية التي تعجبك والمطربين الذين تفضل الاستماع إليهم وصناع المحتوى الذين تتفاعل معهم والتأثيرات التي يستخدمونها داخل المنصة، فضلا عن سجل البحث داخل المنصة وآلية تفاعلك مع المستخدمين وإن قمت بإلغاء متابعتهم، ويتخطى الأمر هذا إلى جمع البيانات عن المقاطع التي قمت بمشاركتها عبر المنصات الأخرى وتفاعل أصدقائك مع هذه المقاطع.
وإن لم تكن كل هذه البيانات كافية، فإن المنصة تجمع بيانات تحليلية عن مقاطع الفيديو التي تتفاعل معها سواء كانت تضم مشاهد طبيعية أو رقصات أو أشياء بعينها وحتى آلية مونتاج مقاطع الفيديو، وتخزن كل هذه المعلومات في قواعد البيانات الخاصة بها في سجل خاص يشير إلى كل مستخدم.
رسميا، تقول "تيك توك" إنها تجمع هذه البيانات لتدريب خوارزمية الذكاء الاصطناعي الخاصة بها من أجل اقتراح المقاطع التي تعجب المستخدم أكثر وتجعله راغبا في التفاعل مع المنصة والبقاء داخلها لفترة أطول، وهو ما يجعلها قادرة على أسر اهتمام المستخدمين لفترة أطول.
وتعد خوارزمية "تيك توك" إحدى أقوى وأنجح خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي، ويظهر هذا بوضوح في المدة التي يقضيها المستخدم داخل المنصة، إذ تشير الإحصاءات إلى أنها تصل إلى 55 دقيقة يوميا في المتوسط و34 ساعة شهريا مع فتح التطبيق أكثر من 19 مرة.
وتقول المنصة في سياسة الخصوصية الموجودة في التطبيق إن التعامل مع هذه البيانات يتم بسرية تامة وبشكل يضمن الحفاظ على خصوصية كل مستخدم دون تعريضه للخطر أو مشاركتها مع أي جهات خارجية، ولكن كون إدارة الشركة صينية ومقرها في الصين يضعها تحت قانون المنصات الرقمية في الصين، وهو القانون الذي يجبر المنصات على مشاركة أي بيانات تملكها مع الحكومة الصينية إن تطلب الأمر ذلك.
تتيح المنصة لمستخدميها الوصول إلى البيانات التي تجمعها عنك، ويمكنك تحميلها لمشاهدة حجم هذه البيانات ودقة تفاصيلها، وذلك عبر خدمات إدارة حساب "تيك توك".
وبعد تحميل سجل الاستخدام الموجود في المنصة، تتفاجأ بأنه يحتفظ بعدد مقاطع الفيديو التي شاهدتها مع ذكر تفصيلي لكل مقطع بتاريخ مشاهدته وحتى آلية التفاعل معه، وإن قمت بمشاركته مع أحد أصدقائك وتفاعله مع المقطع أيضا، وتقول المنصة في سياسة الخصوصية أنها لا تخفي شيئا من هذه البيانات عن المستخدمين مالكيها.
تحمل الإجابة عن هذا السؤال نقطتين محوريتين، الأولى هي أن تقليل البيانات المجموعة من قبل المنصة لا يعني أنها تختفي أو تنتهي تماما، إذ طالما كنت تستخدم المنصة فإنها تجمع عنك بيانات، وتقوم بتخزينها في سجل المستخدم الخاص بك، والثانية، هي أن منع وصول المنصة إلى هذه البيانات يوقف خوارزمياتها عن العمل تماما ويجعلها غير قادرة على اقتراح مقاطع ملائمة، وبالتالي يجعل استخدام المنصة غير مفيد على الإطلاق.
ولكن توجد بعض الخطوات التي يمكن اتباعها لخفض حجم هذه البيانات وتقليل خطورتها، وبحسب ما تقترحه شركة الأمن السيبراني "إيسيت" (ESET)، فإن استخدام موقع "تيك توك" مباشرة من المتصفح يقلل حجم هذه البيانات بشكل كبير، وتؤكد الشركة أن إيقاف خدمات التتبع وملفات الارتباط يقلل حجم هذه البيانات بشكل كبير.
كما توصي الشركة باستخدام عنوان بريد إلكتروني وهمي ورقم هاتف غير متصل بأي خدمة أخرى، وذلك من أجل خفض هذه البيانات بشكل كبير وجعل المنصة غير قادرة على تتبعك خارج إطارها.
وفي النهاية، توصي الشركة بعدم السماح للمنصة بالوصول إلى جهات الاتصال أو أي حسابات تواصل اجتماعي أخرى، فضلا عن منع المنصة من تخصيص الإعلانات التي تظهر للمستخدم وحذف بيانات الاستخدام وسجل الاستخدام داخل المنصة بشكل مستمر.
وإلى جانب ذلك، يمكن إيقاف وصول المنصة إلى بعض الخدمات من الهاتف المحمول مثل خدمات الموقع والميكروفون والكاميرا والصور وغيرها من الخدمات الأخرى، وهو ما لا يؤثر على أداء المنصة أو الخوارزمية الخاصة بها.
لا توجد أدلة قاطعة على مشاركة المنصة بيانات المستخدمين مع جهات خارجية أو الحكومة الصينية كمثال، ولكن وجدت دراسة أجرتها مؤسسة "الإنترنت 2.0" المعنية بخصوصية البيانات ومراقبة الإنترنت بشكل عام، أن المنصة تجمع عددا كبيرا من البيانات التي لا تحتاجها حقا.
وفضلا عن ذلك، تتعامل "تيك توك" مع هذه البيانات بشكل لا يعزز الخصوصية أو يضعها كنقطة اهتمام أساسية، وهو الأمر المعتاد من التطبيقات والمنصات الصينية بشكل عام، وذلك وفق ما جاء في الدراسة.
لذا تنصح المؤسسة المستخدمين بخفض حجم البيانات واستخدام المنصة قدر الإمكان من أجل تعزيز الخصوصية والحفاظ عليها بشكل كبير.