في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في ظل استمرار النزيف الإنساني في قطاع غزة وتفاقم الأوضاع الميدانية، عادت المفاوضات بين حركة حماس وإسرائيل إلى الواجهة، لكن هذه المرة، جاءت محمّلة بشروط جديدة وتطورات لافتة على أكثر من صعيد.
وفي وقت تتكثف فيه الوساطات وتُمارس فيه ضغوط أميركية مباشرة، يطرح سؤال جوهري نفسه بقوة: هل نحن أمام فرصة حقيقية لوقف إطلاق النار، أم أمام جولة جديدة من المناورات السياسية؟
شروط حماس.. ورقة تفاوض أم تمسّك بالوجود؟
كشفت مصادر فلسطينية مطّلعة عن قائمة شروط وضعتها حركة حماس كمدخل لإبرام صفقة تبادل الأسرى ووقف الحرب، تتصدرها ثلاثة محاور أساسية:
كما تطالب حماس بضمان أميركي لوقف الحرب بشكل نهائي، على أن تُعطى إسرائيل مساحة للتحرك عسكرياً في حال فشل الهدنة بعد مرور سبعين يوما دون اتفاق نهائي. هذه الشروط، بحسب مراقبين، تكشف تمسك الحركة بمكانتها كفاعل سياسي وميداني، رغم التحديات العسكرية التي تواجهها.
واشنطن تدفع بثقلها.. وترامب يقود الدفة
وفي خضم هذه التعقيدات، يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرر الدخول مباشرة على خط التهدئة. فقد نقلت مجلة "نيوزويك" عن مصدر دبلوماسي تأكيده أن ترامب يعتبر أن "الوقت قد حان" للتوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار، مع سعيه لإقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالموافقة على اتفاق يفضي إلى إطلاق جميع الرهائن ويفتح الباب نحو سلام إسرائيلي-فلسطيني مستقبلي.
خطوة ترامب تأتي في سياق سياسي داخلي أيضا، إذ يسعى إلى تقديم إنجاز دبلوماسي عبر تسويق تهدئة كبرى في غزة وفتح باب للعودة إلى مسار التفاوض.
تراجع حماس؟.. تقارير متضاربة وتقديرات متباينة
بينما تبدو حماس أكثر مرونة في الطرح السياسي، أفاد تقرير لوكالة رويترز بأن الحركة تواجه تراجعا ميدانيا، إذ خسرت آلاف المقاتلين، ودُمرت أجزاء واسعة من بنيتها التحتية، خاصة شبكة الأنفاق التي كانت تعد ذراعها العسكرية الضاربة. التقرير لفت أيضا إلى تنامي نفوذ فصائل مسلحة جديدة، مثل جماعة ياسر أبو شباب، مما يهدد سيطرة حماس الداخلية.
لكن في مقابل هذه الرواية، ينفي الدكتور حسام الدجني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأمة في غزة، خلال حديثه لبرنامج "التاسعة" على "سكاي نيوز عربية" أن تكون الشروط التي نُسبت لحماس (حول حماية قياداتها وأموالها) قد طُرحت في مسودات النقاش مع الوسيط الأميركي ويتكوف، مؤكدا أن حماس تبذل جهودا حقيقية لتقديم "رؤية معدّلة" لضمان تهدئة قابلة للاستمرار، دون التفريط بالثوابت الفلسطينية، وعلى رأسها انسحاب الاحتلال وبدء إعادة الإعمار.
الضغوط تتزايد
وفي مقابل انفتاح ترامب على "جزرة سياسية" لنتنياهو، من رفع الحماية القانونية عن ملاحقته القضائية، إلى تأكيد دعمه كـ"زعيم تاريخي"، إضافة إلى إشارات بخصوص سيادة إسرائيل في الضفة، لا يزال رئيس الوزراء الإسرائيلي مترددا في إرسال وفد تفاوضي إلى القاهرة، ما يعكس توجسا من أي صفقة قد تعيد لحماس شرعية سياسية أو أمنية داخل القطاع.
ومع تمسك إسرائيل بعدم التعهد بأي التزامات تخص ما بعد الهدنة، ورفضها منح حماس أي دور في ترتيبات ما بعد وقف إطلاق النار، يبقى موقفها مبنيا على استراتيجية الضغط المتواصل، متسلحة بحالة الإنهاك التي تعاني منها الحركة، وفق التقديرات الإسرائيلية.
حماس خارج الحكم.. لا خارج غزة؟
ومن بين النقاط اللافتة التي سلط عليها الدجني الضوء، هي أن حماس لم تمانع التخلي عن الحكم في غزة، بل عرضت ذلك في أكثر من مناسبة، خاصة ضمن الخطة المصرية-العربية-الإسلامية الأخيرة. لكنها في الوقت نفسه، ترفض أن تُستأصل من المشهد الفلسطيني، مشددا على أنها جزء من النسيج السياسي والاجتماعي في القطاع، ولا يمكن تغييبها إلا عبر صندوق الاقتراع.
في ذات السياق، يرى الدجني أن "الاحتلال الإسرائيلي هو من يعرقل التفاهمات، برفضه تنفيذ قرارات مجلس الأمن، واستمراره في سياسة التجويع والتعطيش، ضمن ما أسماه استراتيجية "الإبادة والتهجير"، وليس تمسك حماس بشروطها كما يُروج".
السلاح والسلطة.. المعادلة المستعصية
في مقارنة أوردها الدجني مع حزب الله في لبنان، أوضح أن حصر السلاح بيد الدولة لا يمكن تحقيقه إلا إذا كانت هناك دولة ذات سيادة، أما في ظل الاحتلال، فإن وجود فصائل مسلحة يبقى، من وجهة نظره، جزءاً من مشروع التحرر الوطني.
وبينما يرى البعض أن استمرار السلاح لم يخدم الفلسطينيين بعد "حمّام الدم" منذ 7 أكتوبر، يصر آخرون على أن التجربة مع المقاومة السلمية، كما حدث خلال مسيرات العودة عام 2018، كشفت عن انعدام جدوى الخيارات السلمية في مواجهة الاحتلال، وهو ما يبرر تمسك حماس بخيار المقاومة، على الأقل مرحليا.
هل باتت الفرصة ناضجة؟
في ظل تصعيد الضربات الأميركية والإسرائيلية على إيران، واغتيال شخصيات مثل سعيد إيزادي، الذي كان يشرف على التنسيق مع حماس، تبدو الحركة الآن أمام حالة من الانكشاف الاستراتيجي، ما يجعلها أكثر استعدادًا لتقديم تنازلات. لكنها، وفق الدجني، لن تقبل بتنازلات تمس جوهر المشروع الوطني.
في المقابل، تبدو واشنطن جادة هذه المرة في سعيها لتثبيت اتفاق، لكن لا يمكن إغفال واقع أن الكرة لا تزال في الملعب الإسرائيلي. فهل يرضخ نتنياهو للضغوط الأميركية؟ وهل تملك حماس فعلا القدرة على تنفيذ ما تطرحه من حلول دون فقدان وزنها الشعبي والسياسي؟