آخر الأخبار

كيف سيواجه رئيس الأركان الإسرائيلي جيش الظلال الإيراني؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

من بين المحطات الأقل تناولا في المسيرة الطويلة للجنرال إيال زامير رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الحالي، تلك التي قضاها بعيدًا عن ساحات القتال وغرف العمليات.

فعلى الرغم من أن سجله العسكري الحافل الممتد على مدار أربعة عقود حاز التركيز الأكبر، فإن العام الذي أمضاه زامير زميلًا عسكريًّا زائرًا في "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" خلال عامي 2021 و2022، مثّل محطة بالغة الأهمية في فهم تصوّراته الإستراتيجية التي نلحظ آثارها اليوم في الحرب التي تشنها إسرائيل على إيران.

خلال تلك الفترة، نشر زامير دراسة معمّقة في مايو/أيار 2022 جاءت في 75 صفحة، حملت عنوان: "مواجهة إستراتيجية إيران الإقليمية: خطة شاملة طويلة الأجل".

رسمت الورقة بوضوح ملامح رؤيته لسبُل التصدي لما وصفه بـ"التمدد الإيراني المستمر" في الشرق الأوسط، محذرًا من أن إيران، التي راكمت قدرات عسكرية تقليدية متطورة، أصبحت أكثر خطورة، وبدأت تقترب فعليًّا من عتبة النووي، بما يعزز موقع نظامها ويزيد من تعقيد المواجهة معها.

وتنطلق الدراسة من اعتبار الصراع مع إيران ليس مجرد أزمة طارئة، بل مواجهة جيوسياسية ممتدة، متجذرة في تفاعلات أيديولوجية وإستراتيجية تعود إلى لحظة انتصار الثورة الإسلامية في طهران عام 1979.

وفي هذا السياق، يقدم زامير -من خلال عدسته العسكرية- خريطة طريق شاملة لصانعي القرار في الغرب وتل أبيب، لواحد من أعقد التهديدات التي تواجه أمن الشرق الأوسط، بحسب تعبيره.

يؤكد زامير، في ثنايا دراسته، أن إيران لم تعد مجرد "دولة مارقة" تُدار الأزمة معها بالعقوبات، بل أصبحت خصمًا إستراتيجيًّا يفرض على الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما في المنطقة أن يتبنّوا إستراتيجية ردع ومواجهة بعيدة المدى.

وقد تضمنت الدراسة خطة مفصلة لتقويض النفوذ الإيراني، اعتبرها بمثابة دعامة رئيسية لحماية المصالح الأميركية والغربية، وضمان أمن إسرائيل، وتعزيز استقرار الإقليم.

إعلان

الهيمنة الإيرانية كما يراها زامير

يرى زامير أن طهران قد طورت على مدى سنوات إستراتيجية شاملة تهدف إلى توسيع نفوذها الإقليمي عبر ذراعها الأبرز: الحرس الثوري الإيراني ، والوكلاء المحليين الذين يدينون لها بالولاء في عدد من الدول المفصلية في المنطقة.

ومن وجهة نظره، فإن التصدي لهذا المشروع الإيراني لا يمكن أن يتم عبر تدخلات موضعية أو إجراءات معزولة، بل يتطلب نهجًا طويل الأمد متعدد المسارات والجبهات، تشارك فيه الولايات المتحدة، وإسرائيل، والدول العربية الحليفة لواشنطن.

فإيران لا ترى سعيها للهيمنة مجرد توسع تكتيكي، بل "حملة إستراتيجية ممتدة"، مستعدة خلالها لتقديم تنازلات مرحلية بهدف تحقيق مكاسب بعيدة المدى، ولو تطلّب ذلك اتفاقا يتضمن تقييد بعض من برنامجها النووي، باعتبار هذا الاتفاق أداة مؤقتة لتعزيز تموضعها، لا نهاية للصراع.

ويصف زامير الجمهورية الإسلامية بأنها كيان تأسس على مبادئ ثورية راديكالية، ويُعلي من شأن تصدير الأيديولوجيا باعتبارها وسيلة لبناء نفوذه.

في هذا السياق، رسمت دراسته ثلاثة محاور رئيسية لتحركات طهران:


* أولها، توسيع شبكة الوكلاء والمليشيات الموالية في دول مثل لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن.
* ثانيها، ضمان بقاء النظام من خلال تطوير ترسانة عسكرية تقليدية وغير تقليدية.
* ثالثها، تقويض المصالح الأميركية والغربية وخلق بيئة إستراتيجية معادية لوجودهم في المنطقة.

في قلب هذه المنظومة؛ يقف الحرس الثوري الإيراني، الذي يتجاوز دوره العسكري الصرف، ليتحول إلى مؤسسة شاملة تدير ملفات اقتصادية ومالية وسياسية وأمنية داخل إيران وخارجها.

وتعمل هذه القوة، التي تنفصل هيكليا عن الجيش التقليدي، بوصفها أداة مركزية لاستعراض القوة الإيرانية العابرة للحدود. وترى الدراسة أن من أبرز أدواتها في هذا الإطار "زعزعة استقرار خصوم طهران عبر الهجمات غير المباشرة"، مثل استخدام الحوثيين في اليمن لإطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة، وهو ما اعتبره زامير جزءًا لا يتجزأ من مشروع إستراتيجي أكبر.

مصدر الصورة مقاتل من الحرس الثوري يسير بجوار صاروخ عماد أرض-أرض الإيراني وسط مدينة طهران في 29 أبريل/نيسان 2022 (غيتي)

ولا يقدّم زامير هذه الرؤية باعتبارها تحليل موقف عابر، بل يؤكد أن المنطقة تشهد صراعا ممتدا سيتشكل بناء على نتائجه النظام الإقليمي لعقود مقبلة.

فإيران، بحسب توصيفه، تنظر إلى الشرق الأوسط كساحة نفوذ تاريخية، وتعتبر نفسها -انطلاقًا من بنيتها الدينية والأيديولوجية- القوة المؤهلة لقيادة الإقليم، والتأثير عالميًّا عبر بوابته. وتأتي محاولاتها لطرد الوجود الأميركي وتعزيز مواقعها على حساب دول المنطقة، ضمن هذا السعي نحو إعادة هندسة ميزان القوى.

ويشير زامير إلى أن المشروع الإيراني لا يقف عند حدود التحريض أو دعم الوكلاء، بل يمتد إلى بناء قدرات عسكرية مستقلة تتيح لطهران الردع والهجوم معًا. ويؤكد أن النظام الإيراني، من خلال الحرس الثوري، نجح في تشكيل طيف راديكالي شيعي يمتلك أدوات الفعل المباشر، ويغيّر موازين الردع الإستراتيجية في المنطقة.

ويذهب أبعد من ذلك حين يعتبر أن المساعي النووية الإيرانية ليست مجرد تهديد محتمل، بل جزء من هوية النظام وسعيه لضمان البقاء، إذ أصبحت إيران اليوم، وفق تعبيره، "دولة عتبة نووية" في انتظار اللحظة المناسبة للانتقال إلى المرحلة النهائية.

إعلان

في ضوء هذا التقدير، يرى زامير أن تفادي حرب إقليمية شاملة هو هدف مشروع، لكن ذلك لا يعفي المحور المناهض لإيران من الاستعداد الجاد لخيار المواجهة في اللحظة التي تسمح بها الظروف.

وهو يحذر من التطور المتسارع للقدرات العسكرية الإيرانية، خاصة في مجالي الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، التي تُدار من خلال "قوة الفضاء" التابعة للحرس الثوري، وتشكل اليوم إحدى أخطر أدوات طهران للضرب من بعيد وتوزيع القوة على وكلائها في المنطقة.

ويؤكد زامير أن امتلاك إيران لهذه الأنظمة الدقيقة، إلى جانب قدراتها السيبرانية المتقدمة، يجعلها قادرة على ضرب البنية التحتية الحيوية لخصومها في أي وقت، وهو ما يمثل تهديدًا يقع "فوق مستوى التهديد التقليدي، لكنه دون العتبة النووية".

وتتكامل هذه المنظومة الهجومية مع تكتيكات بحرية غير متكافئة ينفذها الحرس الثوري في مضيق هرمز والبحر الأحمر، باستخدام الزوارق السريعة والألغام والسفن المسلحة بالصواريخ، مما يمنح إيران أداة ضغط اقتصادي ذات طابع عسكري مباشر، ويساهم في ترسيخ مشروع الهيمنة الإقليمية.

مصدر الصورة قوات بحرية تابعة للحرس الثوري الإيراني يقودون زوارق حربية سريعة في 2 يوليو/تموز 2012 (الفرنسية)

جيش الظلال: كيف بنى الحرس الثوري إمبراطورية إيران الخفية؟

بحسب زامير، لا يقتصر دور الحرس الثوري على الداخل الإيراني، بل يبرز جناحه الخارجي، فيلق القدس ، باعتباره أداة مركزية في تنفيذ العمليات العسكرية والسياسية في الخارج.

ويرى زامير أن الحرس الثوري يتفوق على الجيش النظامي الإيراني في مجال القدرات الإستراتيجية، وخصوصًا في ميادين الحرب غير التقليدية، لما يمتلكه من خبرة في إدارة برامج الصواريخ الباليستية، وتطوير الطائرات المسيّرة، والقدرات السيبرانية، وتدريب الجماعات المسلحة التي تعمل أذرعا تابعة لطهران في الإقليم.

وبحسب وصفه؛ تتوزع هذه الشبكة على عدة دول ومجالات، تشمل حزب الله في لبنان، وجماعة الحوثيين في اليمن، والمليشيات الشيعية في العراق مثل كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق، إضافة إلى جماعة الجهاد الإسلامي الفلسطيني وحركة المقاومة الإسلامية ( حماس )، والمقاتلين الشيعة من الأفغان والباكستانيين المنضوين في كتائب "فاطميون" و"زينبيون".

وقد أطلق زامير على هذه الشبكة مصطلح "الجيش الشيعي الراديكالي الإقليمي"، مقدّرا عدد مقاتليها بأكثر من 200 ألف عنصر.

ويرى زامير أن أي اتفاق نووي جديد من شأنه أن يمنح النظام الإيراني مكاسب اقتصادية كبيرة، تتيح له تخفيف أزمته الداخلية وفك العزلة الدولية المفروضة عليه، لكنه في الوقت نفسه سيمنحه القدرة على إعادة توجيه هذه الموارد لتعزيز مشروعه الإقليمي.

فطهران، حسب زامير، لا تنوي استثمار هذه الموارد في الداخل بقدر ما سوف تستخدمها لتوسيع ترسانتها العسكرية، وتطوير قدراتها الصاروخية الدقيقة، ودعم وكلائها في مختلف الجبهات.

ويؤكد زامير أن تحسين الوضع الاقتصادي الإيراني سيؤدي تلقائيًّا إلى تعزيز نفوذ طهران الإقليمي، عبر تمويل الجماعات المسلحة الموالية لها، وتوسيع نطاق عملياتها، لا سيما في سوريا والعراق، حيث من المرجح أن تستمر الهجمات ضد المصالح الأميركية وقواتها. ويشدّد على أن إيران لن تردعها الاتفاقيات أو التفاهمات، ما لم تواجه بحزم وردع صريح.

ويعيد زامير التذكير بأن إيران قد كثفت من أنشطتها الإقليمية عقب توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2015، مما يشير إلى أن التهدئة المؤقتة لا تعني تغييرًا في العقيدة الإستراتيجية للنظام، بل تُعتبر تعبيرًا تكتيكيًّا عن مرونة مرحلية.

ولهذا، يرى أن التعامل مع إيران يتطلب تغييرًا جذريًّا في المنهج، يقوم على بناء تحالف منسق بين الولايات المتحدة، وإسرائيل، والدول العربية الحليفة، يتبنى إستراتيجية طويلة الأمد، ويملك أدوات تنفيذية متكاملة ومتزامنة على كافة المستويات.

ولا تقتصر هذه الحملة، كما يوضح زامير، على الجانب العسكري فقط، بل تمتد لتشمل أبعادًا متعددة: دبلوماسية، واستخبارية، واقتصادية، وإعلامية، وأمنية. ويكمن الهدف الأساسي لهذه الحملة في إضعاف الحرس الثوري الإيراني، باعتباره مركز الثقل في النظام الإيراني، وشلّ قدرته على إدارة الشبكة الإقليمية التابعة له.

إعلان

كما يدعو إلى تبني نهج "الانتقام الرادع المباشر" عند كل اعتداء، إلى جانب إجراءات عزل الوكلاء وقطع خطوط الدعم عنهم، ودمج هذه الخطوات في حزمة أدوات إقليمية شاملة تسمح بالتعامل مع إيران بوصفها خصمًا إستراتيجيًّا طويل النفس، لا مجرد مصدر تهديد عابر.

مصدر الصورة إيال زامير هو يقف بالقرب من الحدود بين إسرائيل وغزة في كيبوتس نحال عوز الجنوبي في 20 أبريل/نيسان 2018 (الفرنسية)

الردع الشامل: كسر أنياب الحرب الهجينة الإيرانية

يرى إيال زامير أن مواجهة الحرب الهجينة التي تقودها إيران، والتي تجمع بين الأدوات العسكرية والاقتصادية والأيديولوجية، تتطلب تحولا جوهريا في طريقة تفكير خصومها، وتبنّي إستراتيجيات جديدة قادرة على التصدي لنفوذها المتصاعد.

فهذه المواجهة، كما وصفها، لا يمكن أن تُكسب بأساليب تقليدية، بل تتطلب منظومة متكاملة من المبادئ والآليات المتزامنة، تبدأ أولا ببناء تنسيق إستراتيجي عميق بين الولايات المتحدة، وإسرائيل، والدول العربية، ضمن نهج طويل الأمد قائم على توزيع الأدوار بوضوح وفعالية داخل إطار إقليمي منظم ومترابط.

يشدّد زامير على أهمية العقوبات الاقتصادية باعتبارها أداة رئيسية في هذا الصراع، داعيًا إلى استهداف الشبكات المالية التي تموّل الحرس الثوري الإيراني، وتحديدًا فيلق القدس، بوصفه مركز الثقل في المنظومة الإيرانية، ومحركًا أساسيًّا لتمدد طهران الخارجي. ومن خلال شلّ قدراته المالية، يمكن تقويض الدور الإيراني في تغذية الحروب بالوكالة في المنطقة.

وفي الوقت ذاته، يرى زامير أن الردع العسكري يجب أن يستعيد موقعه كأداة فاعلة، لا عبر الحرب الشاملة، بل من خلال "أعمال انتقامية مرنة" موجّهة بدقة، تمنع إيران من استخدام وكلائها وتردعها عن شن هجمات مباشرة أو غير مباشرة. فالردع، في رؤيته، لا يُبنى على التهديد النظري، بل على الاستخدام المدروس والمفاجئ للقوة.

ويطرح زامير أيضًا العمليات السيبرانية كجبهة مركزية في هذه الحرب، داعيًا إلى تقويض قدرات إيران في الفضاء الإلكتروني، ومضاعفة عمليات التجسس والمراقبة، بهدف تفكيك الشبكات الإقليمية التابعة لطهران وعزلها تدريجيًّا عن مصادر الدعم والتنسيق.

من جهة أخرى، يرى أن تعزيز التحالفات الإقليمية، بما يشمل توسيع اتفاقيات أبراهام، يمثل رافعة سياسية وإستراتيجية للضغط على إيران، وتحجيم تأثيرها في المنطقة.

ويتكامل هذا المسار مع ما يصفه بـ"حرب الأفكار"، وهي مواجهة غير عسكرية تستهدف تفكيك الخطاب الأيديولوجي الإيراني من الداخل، وتعزيز البدائل الثقافية والدينية المعتدلة، خاصة داخل البيئات الشيعية، عبر إبراز مزايا الإسلام المنفتح وقيم الديمقراطية المستقرة.

أما المبدأ السابع في خطته، فهو منع التوسع النووي بأي ثمن. ويؤكد زامير أن إيران تقترب بثبات من العتبة النووية، وأن أي تهاون في هذا الملف سيكون مكلفًا على المدى البعيد.

ويشير زامير إلى أن إدماج إسرائيل في القيادة الوسطى الأميركية (CENTCOM) يمثل فرصة إستراتيجية لتأسيس تحالف دفاعي مشترك يضم إسرائيل وعددًا من الدول العربية، قادر على التنسيق في مجالات الاستخبارات، وتطوير الدفاعات الجوية ضد الضربات الدقيقة، وبناء قدرات دفاع سيبراني متقدمة، وهو ما يمنح الحلفاء ميزة مهمة في موازنة التفوق الإيراني.

ورغم تأكيده على أهمية المسارات الدبلوماسية، لا يخفي زامير تشككه في جدوى الاتفاقيات مع طهران، محذرًا من أن النظام الإيراني يتعامل معها كأدوات تكتيكية ومراحل عابرة نحو تحقيق هدفه النهائي، لا كتنازلات دائمة أو تسويات حقيقية.

ومن ثم، فإن المسار التفاوضي يجب ألا يُفهم بوصفه بديلًا عن الاستعداد الإستراتيجي، بل وسيلة ضمن وسائل أخرى تُستخدم حين تفرضها الظروف، دون أن يُبنى عليها وهم الاستقرار.

ما علاقة الدراسة بالحرب الحالية؟

توفّر دراسة زامير إطارًا تحليليًّا لفهم سلوك المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، خاصة بعد التحول الجذري الذي أحدثته عملية 7 أكتوبر 2023. ففي عالم ما بعد ذلك التاريخ، لم تعد إسرائيل تكتفي بسياسة الاحتواء، بل انتقلت إلى مرحلة الضرب الاستباقي والتصفية المباشرة للتهديدات، في محاولة لإعادة تشكيل التوازن الإقليمي وفقًا لرؤيتها.

ورغم أن الدراسة نُشرت في منتصف عام 2022، أي قبل اندلاع الصدام الأخير بأكثر من عام، فقد بدت ملاحظاتها شديدة الصلة بالسياق الراهن. فقد وصف زامير سعي إيران للهيمنة بأنه ليس مجرّد طموح إستراتيجي، بل حملة طويلة النفس تعتمد على منهجية دقيقة في استخدام الحروب غير التقليدية، وتُراكم أوراق القوة دون خوض مواجهة مفتوحة، مستفيدة من الفوضى ومناطق الفراغ في الإقليم.

إعلان

وفي هذا السياق، لم يكن مفاجئًا أن تصنف إسرائيل البرنامج النووي الإيراني بوصفه تهديدًا وجوديًّا حقيقيًّا، وهو ما يفسر استمرارية الضربات الجوية والاغتيالات والتخريب السيبراني التي استهدفت منشآت إيران وشخصياتها العلمية البارزة.

ومنذ انسحاب إدارة ترامب الأولى من الاتفاق النووي عام 2018، وما تبعه من عودة إيران لتخصيب اليورانيوم بوتيرة متسارعة، ضاعفت إسرائيل عملياتها العسكرية والاستخبارية في محاولة لتقويض البرنامج النووي ومنع تحوله إلى سلاح فعلي.

في مقدمة دراسته، التي جاءت في خمسة فصول، يوضح إيال زامير أن هذا العمل يمثل حصيلة سنوات طويلة من القراءة المكثفة والدراسة والتأمل في التحدي الإيراني، راكمها خلال خدمته في عدد من المناصب المتنوعة على جميع مستويات الجيش الإسرائيلي.

ويقول زامير: "يمثل هذا العمل ثمرة سنوات عديدة من القراءة الواسعة النطاق، ودراسة وتأمل تحدي إيران، خلال تجربتي في مجموعة متنوعة من الأدوار على جميع مستويات الجيش الإسرائيلي".

ويشير إلى أن هذا البحث كان جهدًا شخصيًّا بحتًا، وأن المسؤولية الكاملة عن محتواه تقع على عاتقه وحده، رغم إشادته بالدعم الذي قدمه له معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى من إمكانيات علمية ومساعدات لوجستية خلال فترة إقامته البحثية.

ويُعد معهد واشنطن أحد أبرز المؤسسات البحثية المرتبطة بصناعة السياسات في واشنطن، وقد تأسس عام 1985 من رحم لجنة العلاقات العامة الأميركية الإسرائيلية ( أيباك )، أكبر منظمات الضغط المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة.

ورغم أن المعهد لا يتبع انتماءً حزبيًّا رسميًّا، فإنه حافظ على شبكة قوية من العلاقات مع إدارات أميركية متعاقبة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

ومن أبرز الأسماء التي انتمت إليه فيما يتعلق بملفات الشرق الأوسط، مارتن إنديك ودينيس روس، اللذان اضطلعا بأدوار حساسة في مفاوضات الشرق الأوسط لعقود. ويدير المعهد حاليًّا روبرت ساتلوف، المعروف بعلاقاته الوثيقة مع "أيباك" ومواقفه المؤيدة بشدة للسياسات الإسرائيلية، وخصوصًا تلك التي تتبناها التيارات اليمينية والليكودية.

أما زامير نفسه، فقد تدرّج -قبل وصوله إلى واشنطن زميلًا عسكريًّا في المعهد- في سلسلة من المناصب العسكرية الرفيعة، مستندًا إلى خلفية عائلية يمينية ذات أصول سورية.

فقد شغل رئاسة أركان القوات البرية، ومنصب السكرتير العسكري لرئيس الوزراء الإسرائيلي، كما تولى قيادة المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي، ثم منصب نائب رئيس هيئة الأركان العامة. وخلال فترة خدمته، أشرف على صفقات تسليح غير مسبوقة شملت طائرات مقاتلة وذخائر متطورة، إلى جانب تعزيز الصناعات الدفاعية المحلية.

على الصعيد الأكاديمي، يحمل زامير درجة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة تل أبيب، وماجستير في العلوم الاجتماعية من جامعة حيفا، كما خضع لتدريب عسكري مدة عام في المدرسة العسكرية العليا في باريس، وأكمل برنامجًا متقدّمًا للإدارة العامة مخصصًا لكبار التنفيذيين في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا، إحدى أعرق كليات إدارة الأعمال في العالم.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا