طهران- بعد سويعات فقط من احتفالهم بمهرجان "الأربعاء الأحمر" بمناسبة قدوم فصل الربيع وعيد النيروز ، توجه ملايين الإيرانيين عشية أمس الخميس إلى المساجد والعتبات المقدسة في ربوع البلاد، لإحياء أولى "ليالي القدر" التي تصادف ليلة 21 من شهر رمضان .
وليست هي المرة الأولى التي تحل ليالي العشر وبداية السنة الفارسية الجديدة في بلاد فارس في آن واحد، إذ تتزامن المناسبتان الدينية والوطنية كل 32 عاما مرة في التقويم الفارسي الشمسي، حتى جسّد سعدي الشيرازي، الأديب والشاعر الإيراني الشهير، اجتماعهما حين أنشد في القرن السابع الهجري قائلا:
أسعد ليلة وأسعد يوم في السنة .. لقد أقبل علي الحظ السعيد
قل لعازف الطبل أن يضرب بشرى مرتين .. فالبارحة ليلة القدر واليوم عيد النيروز
وفي حين دأب أهالي العاصمة طهران على إقامة مراسم ضخمة لإحياء هذه الليالي في ضريح مؤسس الجمهورية الإسلامية وجامع الإمام الخميني الكبير والعتبات المقدسة المنتشرة في ربوع المدينة، حضرت الجزيرة نت في مقام "السيد شاه عبد العظيم الحسني"، حيث أحيا عشرات الآلاف من المصلين ليلة 21 رمضان.
وبعد ساعة من الإفطار وإقامة صلاتي المغرب والعشاء جمعا في المساجد والحسينيات، تدفقت حشود غفيرة إلى العتبة المقدسة، الواقعة في قضاء "ري" الملاصق للمناطق الجنوبية بالعاصمة الإيرانية طهران، التماسا لأولى "ليالي القدر" ومشاركة الجموع في إحيائها، وسط إجراءات أمنية وحضور لافت لقوات الشرطة والتعبئة الشعبية.
بينما بدت سيارات الإسعاف وشاحنات الإطفاء متوقفة على بُعد مسافة قريبة من البوابات الرئيسية، خصصت العتبة المقدسة أكشاكا متواضعة لتقديم الخدمات الطبية المجانية، إلى جانب المواكب الدينية والمؤسسات الخيرية التي تتطوع لضيافة الصائمين وإعالة الأسر المعوزة.
وفي الطريق الرئيسي المؤدي إلى صحن الإمام علي، يقول الشيخ علي رضا -وهو طالب في الحوزة العلمية- إنه وزملاء آخرين "يتطوعون في ليالي القدر لخدمة الزوار، لتكون هذه الليلة (سلام حتى مطلع الفجر)، لما فيها من الفضل والبركة".
وقال رضا للجزيرة نت: "الربيع أصبح مضاعفا هذا العام؛ حيث اقترن ربيع الطبيعة مع ربيع القرآن وهو شهر رمضان، جامعا بين الاعتدال الربيعي والأجواء الروحانية وعطلة رأس السنة الفارسية، ليتسنى للمؤمنين تلاوة القرآن الكريم في نهاره وإحياء لياليه التماسا ل ليلة القدر ، التي العبادة فيها خير من ألف شهر".
وبدأت المراسم التاسعة والنصف مساء بتلاوة آيات من القرآن الكريم، ثم قراءة دعاء "الجوشن" الكبير الذي يحتوي على ألف من أسماء الله، تتوزع في 100 مقطع، يشتمل كل واحد منها على 10 من الأسماء الحسنى، ابتداء بـ"اللهم إني أسألك باسمك" وتنتهي بالقول "سبحانك يا لا إله إلا أنت الغوث الغوث خلصنا من النار يا رب".
ويعمد المقرئ بين الفينة والأخرى لشرح بعض المقاطع باللغة الفارسية والدعاء للمشاركين والبلاد والأمة الإسلامية، إذ حضرت غزة في إحياء الإيرانيين هذا العام وهي تتعرض للقصف الإسرائيلي، حتى نادى المشاركون ربهم مرددين "يا ناصر كل مخذول" و"يا معين الضعفاء" و"يا ناصر الأولياء" و"يا قاهر الأعداء" سائلين نصرة أهالي القطاع المحاصر.
وبعد دعاء "الجوشن" الذي استغرقت قراءته نحو ساعة ونصف الساعة، بدأت فقرة العزاء على روح علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، الإمام الأول لدى الشيعة ورابع الخلفاء الراشدين، إذ تقول الروايات الشيعية إن "عبد الرحمن بن ملجم" ضربه بسيفه فجر يوم 21 من رمضان المبارك سنة 40 للهجرة، مما أدى لاستشهاده بعدها يومين.
وبعد منتصف الليل، ارتقى مسعود عالي، الخطيب الإيراني الشهير، المنبر وألقى خطبة توعوية ركزت على أهمية ومكانة ليلة القدر لدى المسلمين من كافة المذاهب والطوائف، وأكد ضرورة التقريب بين المذاهب الإسلامية ووضعهم الخلافات جانبا، "لأنها من صنع أعداء الأمة الإسلامية".
وعن تحديد ليلة القدر، نصح الخطيب الإيراني بإحياء الليالي الفردية الثلاث (ليالي 19 و21 و23 من رمضان)، مستندا إلى حديث منسوب ل لإمام جعفر الصادق (الإمام السادس لدى الشيعة ومؤسس مدرستهم الفقهية والكلامية)، يقول فيه إن "التقدير في ليلة 19 والإبرام في ليلة 21 والإمضاء في ليلة 23".
وتعتبر مراسم وضع القرآن الكريم على الرأس الحلقة الأخيرة من طقوس الإيرانيين في ليلة القدر تقربا وتوسلا إلى الله، فيمهدون قبل ذلك بفتح القرآن والنظر إلى آياته بالقول "اللهم إني أسألك بكتابك المنـزل وما فيه، وفيه اسمك الأكبر، وأسماؤك الحسنى، وما يخاف ويرجى، أن تجعلني من عتقائك من النار".
ثم يضعون القرآن الكريم على الرأس ويدعون قائلين "اللهم بحق هذا القرآن، وبحق من أرسلته به، وبحق كل مؤمن مدحته فيه، وبحقك عليهم فلا أحد أعرف بحقك منك"، فيرددون عبارة "بك يا الله" 10 مرات فيسألونه سبحانه وتعالى حاجتهم.
وانتهت مراسم إحياء ليلة القدر بعد الثانية والنصف فجرا، ليتسنى للمشاركين العودة لمنازلهم وأخذ سحور يوم 21 رمضان، كآخر سحور يتناولونه في العام الإيراني 1403، قبل أن يحتفلوا في الثانية عشرة والنصف من اليوم ذاته برأس السنة الإيرانية الجديدة.