آخر الأخبار

صراع السلطات.. القضاء يعرقل أجندة ترامب في ولايته الثانية

شارك
المحكمة العليا الأميركية - أرشيفة

تشهد الولايات المتحدة في الرئاسة الثانية لدونالد ترامب صراعا دستوريا حادا بين مثلث الحكم فيها: الإدارة التنفيذية والنظام القضائي والمؤسسة التشريعية.

لكن في وقت يكون فيه الصراع التنفيذي والتشريعي مفهوما ومعتادا لدى الأميركيين، اشتد الصراع على نحو غير مسبوق بين الرئاسة والمؤسسة القضائية.

فقد بدأ الصراع يأخذ منحى آخر عندما أعلن ترامب في 15 مارس 2025 عن أمر تنفيذي يستند إلى "قانون الأعداء الأجانب" لعام 1798، بهدف ترحيل أكثر من 250 فردا يُشتبه في انتمائهم لعصابة "ترين دي أراجوا" الفنزويلية إلى السلفادور، في خطوة اعتبرها ترامب ضرورة أمنية لتعزيز قدرات الدولة في مواجهة ما وصفه بـ"التهديد الخارجي".

ورغم أن هذا القانون يعود إلى حقبة تاريخية بعيدة وكان يُستخدم في فترات الحروب الكبرى، فإن تطبيقه في هذا العصر أثار جدلا واسعا بشأن مدى ملاءمته للاعتبارات الدستورية.

معارضة قضائية
لم يمر الأمر التنفيذي دون معارضة قضائية، إذ تدخل القاضي الفيدرالي جيمس بواسبرغ وأصدر أمرا مؤقتا بوقف عمليات الترحيل لمدة 14 يوما، مشددا على أن تطبيق قانون يعود إلى القرن الثامن عشر في ظروف معاصرة قد ينتهك الحقوق الأساسية للمواطنين ويخالف المبادئ الدستورية الراسخة.

وعلى الرغم من هذا الحكم، نفذت الإدارة الترحيلات، ووصل المرحلون إلى السلفادور حيث وُضعوا في منشأة أمنية تشبه مراكز مكافحة الإرهاب، مما أثار تساؤلات جدية بشأن الإجراءات القانونية المتبعة لحماية حقوقهم. خاصة وأن رئيس السلفادور نجيب بوكليه الذي استقبلت بلاده المرحلين بناء على اتفاق مع واشنطن تحصل فيه على 6 ملايين دولار لتغطية تكاليف احتجازهم لمدة عام، نشر تعليقا على منصة "إكس" قال فيه: "يا للأسف (...) فات الأوان"، مما يشير إلى أن عملية الترحيل كانت جارية قبل صدور أمر القاضي.

القاضي بوسبرغ طلب من الحكومة الأميركية أن تقدم له مبررات لتجاهل قراره بحلول ظهر الثلاثاء، ثم مدد المهلة بعد أن صرحت وزيرة العدل بام بوندي وكبار مسؤولي الوزارة أن الحكومة قد تلجأ إلى امتياز الولاية السري لمنع قاض فيدرالي من الاطلاع على معلومات محددة بشأن الرحلتين، على اعتبار أن الكشف عن بعض المعلومات العملياتية للمحكمة "قد يُلحق الضرر بشؤون حلفاء الولايات المتحدة وتعاونهم مع حكومة الولايات المتحدة في مكافحة المنظمات الإرهابية".

خطاب حاد
وردًّا على هذا التدخل القضائي، لجأ ترامب إلى خطاب حاد على مواقع التواصل الاجتماعي، وجه فيه انتقادات لاذعة للقاضي بواسبرغ، وقال إن مثل هذه القرارات تعيق تنفيذ السياسات الأمنية التي يسعى لتحقيقها.

وفي تصريح مثير للجدل، دعا ترامب وزارة العدل إلى اتخاذ خطوات لإقالة القاضي، مؤكدا أن أولئك الذين يقفون في وجه تنفيذ أوامره يجب أن يُعزلوا. إلا أن هذا النداء لم يجد أي دعم بل لاقى معارضة كبيرة بلغت حد إصدار رئيس المحكمة العليا جون روبرتس بيانا غير اعتيادي.

القاضي روبرتس قال إن عملية عزل القضاة الفيدراليين تُعد إجراءً استثنائيا ونادرا للغاية، حيث تقتصر حالات العزل في التاريخ الأميركي على حالات محددة نادرة ترتبط بانتهاكات جسيمة مثل الفساد أو خيانة الثقة العامة، وليس خلافات تفسيرية أو سياسية، مضيفا أنه "لأكثر من قرنين من الزمان، كان من المسلم به أن العزل ليس استجابة مناسبة للخلاف حول قرار قضائي. هناك آلية الاستئناف لهذا الغرض".

وتُعد عملية عزل القضاة من الأدوات الدستورية التي لا تُستخدم إلا في ظروف خارجة عن المألوف، إذ لم يُعزل قاضٍ فيدرالي في معظم العقود الأخيرة، مما يؤكد أن استقلالية القضاء لا يمكن المساس بها لأسباب سياسية. فالقانون لا يسمح بإقالة القاضي الفدرالي إلا بعد تحقيقات ومحاكمة في مجلسي النواب والشيوخ.

عزل القضاة
تاريخيا، تعتبر عملية عزل القضاة الفيدراليين نادرة للغاية، إذ تم اتهام نحو 15 قاضيا في تاريخ الولايات المتحدة، تم عزل 8 منهم فقط.

البيت الأبيض قال إن قرار القاضي نابع من توجهات سياسية نظرا لتعيينه من قبل الرئيس أوباما كما قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض وقبلها منشور ترامب على منصة "تروث سوشال"، رغم أن القاضي روبرتس تم تعيينه من قبل الرئيس جورج بوش.

ولم تقتصر النزاعات بين ترامب والنظام القضائي على قضية الترحيل هذه فحسب، بل توسعت لتشمل مجموعة من القرارات التنفيذية التي واجهت تحديات قانونية متعددة.

ورغم أنه لا يوجد رقم دقيق متفق عليه في المصادر بشأن إجمالي عدد الدعاوى القضائية التي واجهت إدارة ترامب، فإن التقديرات تشير إلى أن ولايته شهدت مئات الدعاوى القضائية تتجاوز الـ 400 وتتعلق بشكل أساسي بالهجرة والحقوق المدنية وسياسات التوظيف.

دستورية قرارات ترامب
أما فيما يتعلق بدستورية قرارات ترامب، فإن نسبة الأحكام لم تكن لصالحه وإدارته وانتهت ما بين 70% إلى 80% من القضايا الأساسية التي تناولت تلك السياسات بأحكام رفضت تنفيذ الأوامر التنفيذية أو طالبت بتعديلها.

وكان من اللافت أن هذا الرفض لم يكن من قبل القضاة المعينين من رؤساء ديموقراطيين، بل شمل أيضا قضاة تم تعيينهم من قبل رؤساء جمهوريين سابقين، مما يعكس أن تطبيق النصوص الدستورية وحماية الحقوق لا تعتمد على الانتماءات الحزبية، بل على التزام القضاة بمبدأ سيادة القانون واحترام الدستور.

أحد أبرز القرارات التي وقف القضاء في وجهها، كان الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب لإلغاء حق المواطنة المكتسبة بالولادة للأطفال المولودين في الولايات المتحدة لأبوين غير موثقين أو بتأشيرات مؤقتة.

كما أصدرت إدارة ترامب أوامر تنفيذية تقيد برامج التنوع والإنصاف والشمول (DEI) في المؤسسات الفيدرالية. في البداية، تم حظر هذه الأوامر من قبل قاضي المحكمة الجزئية آدم أبيلسون، الذي اعتبرها انتهاكا لحقوق حرية التعبير وغامضة بشكل غير دستوري. ومع ذلك، في 7 فبراير، رفعت محكمة الاستئناف الأميركية للدائرة الرابعة هذا الحظر، مما سمح بتنفيذ الأوامر أثناء سير الدعوى القضائية التي تطعن فيها. أشارت المحكمة إلى أن الحظر الشامل الذي فرضته المحكمة الأدنى كان مفرطا، مع التأكيد على أن القضايا المتعلقة بسياسات DEI معقدة وقد تتطلب مزيدا من المراجعة قبل إصدار حكم نهائي.

وأقرت إدارة ترامب في وثائق قضائية بفصلها نحو 25 ألف موظف تم تعيينهم حديثا، كجزء من جهود الإدارة لخفض عدد العاملين في الحكومة الفيدرالية. ومع ذلك، أصدر القاضي جيمس بريدار حكما بأن عمليات الفصل الجماعي للموظفين تحت الاختبار التي بدأت في فبراير كانت غير قانونية، وأمر بإعادتهم إلى وظائفهم. استجابت الإدارة لهذا الحكم، وبدأت وكالات فيدرالية في إعادة الموظفين إلى مناصبهم.

تجاهل
في المقابل أثار تجاهل بعض مسؤولي إدارة ترامب للأوامر القضائية قلقا واسعا. فبالرغم من حكم فيدرالي مؤقت بضرورة عدم تجميد تدفق الأموال إلى مختلف المؤسسات الأميركية، استمرت الإدارة في تنفيذ أمر تنفيذي بتجميد الأموال، بل حتى إن البعض مضى إلى نفس تهديد ترامب بعزل القضاة، كما هو الحال بالنسبة لإلون ماسك، في حال استمر القضاة في "تحدي" سياسات الرئيس.

كما أصدر ترامب أمرا تنفيذيا أوقف بموجبه تمويل بعض البرامج الخارجية التي اعتبرها غير ضرورية أو غير متوافقة مع أهداف سياسته الخارجية، مما أدى إلى تعليق المساعدات التي تقدمها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ووزارة الخارجية.

لكن القضاء حكم بمنع تجميد أموال الكثير من البرامج ودفع مستحقات فورية للوكالة تقدر بملياري دولار. قرار أيدته المحكمة العليا بعد استئناف ترامب رغم أن غلبة قضاتها التسعة للمحافظين على حساب الليبراليين.

كما تستعد شبكات إعلامية خاضعة للوكالة الأميركية للإعلام الأميركي USAGM التي تضم " صوت أميركا" و"إذاعة أوروبا الحرة/إذاعة الحرية" و"إذاعة آسيا الحرة" و"شبكات البث في الشرق الأوسط"، للتحرك قضائيا تجاه الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب نهاية الأسبوع الماضي والذي يقضي بتقليص هذه المؤسسات ونفقاتها، بما أن سلطاته لا تسمح بإغلاقها شأنها شأن الوكالات الفيدرالية التي شملتها قرارات سابقة كوزارة التعليم والوكالة الأميركية للمساعدة الدولية وغيرها. في الوقت الذي يعزي فيه كثيرون القرار لانزعاج ترامب من الخط التحريري لهذه الشبكات، منذ ولايته الأولى، التي تمول من قبل الكونغرس على أن تلتزم الاستقلالية التحريرية بغض النظر عمن يدير الدولة.

سكاي نيوز المصدر: سكاي نيوز
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا