ألقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في الرابع من مارس 2025، خطابًا أمام الكونغرس، هو الأطول لرئيس أميركي منذ نحو 61 عاما، حيث استمر لمدة ساعة و40 دقيقة، وفي خطابه، تباينت تغطية وسائل الإعلام الأميركية بشكل ملحوظ، مما يعكس الانقسامات الحادة في الأوساط السياسية والإعلامية.
وأبرزت وسائل الإعلام الأميركية الانقسام الواضح في السياسة الأميركية، مع تباين كبير في كيفية تناول الخطاب استنادا إلى الأيديولوجيا السياسية لكل وسيلة إعلام، فبينما سلطت بعض وسائل الإعلام الكبرى الضوء على الانقسامات والصراعات الداخلية، أشادت وسائل الإعلام المحافظة بالخطاب باعتباره علامة على القيادة القوية والفعالة.
هذا التقرير يستعرض كيفية تناول أبرز وسائل الإعلام الأميركية لهذا الخطاب، مع تسليط الضوء على أبرز الآراء والتحليلات.
وسائل الإعلام الكبرى: خطاب مُقسم ومواجهة حادة
اتخذت وسائل الإعلام الأميركية الكبرى، مثل شبكة سي إن إن الإخبارية CNN وشبكة "إيه بي سي" ABC موقفا نقديا من خطاب ترامب، حيث وصفته بأنه "مُقسم ومواجه"، أي أنه يثير الانقسام والمواجه، مشيرة إلى أن الخطاب كان يهدف إلى تنشيط قاعدة ترامب الانتخابية بدلاً من السعي نحو توحيد الأميركيين.
تم التركيز على استخدامه "للسياسة القائمة على الشكاوى"، وهي استراتيجية تثير الجدل وتصب في خانة تعزيز الانقسامات الثقافية والسياسية.
كما تم تسليط الضوء على ردود الفعل غير المسبوقة من الديمقراطيين داخل الكونغرس، التي تراوحت بين التصفيق والاحتجاجات الصاخبة وصولا إلى المغادرة الجماعية للمجلس.
تقرير سي إن إن CNN أشار إلى أن العديد من مزاعم ترامب حول التحول الاقتصادي والتفاؤل العام تم تدقيقها بشكل دقيق، حيث اعتبرت بعض تلك المزاعم مضللة أو مبالغ فيها.
كما أشار المحللون إلى غياب السياسة الخارجية الواضحة في خطاب ترامب، خاصة في ما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، باستثناء ما ورد فيها من رد الرئيس الأوكراني في رسالته إلى ترامب حول استعداده للتفاوض مع روسيا لوقف الحرب في أوكرانيا وتوقيع اتفاقية مع أميركا حول حق استغلال المعادن النادرة.
ولم يذكر ترامب بشكل كافٍ الدور الأميركي في العالم أو استراتيجيته المستقبلية في السياسة الدولية، مما أثار تساؤلات حول استقرار العلاقات الأميركية مع حلفائها.
وسائل الإعلام المحافظة: خطاب قوي يعكس الوطنية والقيادة
على الجانب الآخر، تناولت وسائل الإعلام المحافظة مثل "فوكس نيوز" Fox News خطاب ترامب بشكل إيجابي، حيث وصفته بأنه قوي ووطني، يعكس القيادة الجريئة في قضايا الأمن القومي والهجرة.
ركزت التقارير على إنجازات ترامب مثل القبض على العقل المدبر وراء "تفجير آبي غيت" في العاصمة الأفغانية كابل عام 2021، واعتُبرت هذه العملية بمثابة علامة على استعادة الولايات المتحدة لقيادتها في الساحة الدولية.
كما تم التأكيد على نجاحات ترامب في مكافحة الهجرة غير الشرعية، حيث شهدت سياسته الحدودية انخفاضًا كبيرًا في عمليات العبور غير القانونية.
من ناحية أخرى، تم التقليل من المخاوف الاقتصادية التي طرحتها بعض التقارير في وسائل الإعلام الكبرى بشأن التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب على الواردات. في حين تم تسليط الضوء على أن السياسات الاقتصادية التي اتبعها كانت تصب في صالح أميركا، مع التأكيد على أن هذه السياسات تعزز من النمو الاقتصادي الداخلي وتحافظ على مصالح الولايات المتحدة في مواجهة التحديات العالمية.
الصحف الكبرى: تدقيق الحقائق والتحليلات الاقتصادية
بالنسبة للصحف الكبرى مثل "نيويورك تايمز" و"وول ستريت جورنال"، فقد تم تناول خطاب ترامب من خلال تحليل دقيق للأرقام والوقائع.
ووصفت صحيفة نيويورك تايمز الخطاب بأنه درامي وتاريخي، مشيرة إلى أن معظم الوعود الاقتصادية التي قدمها ترامب لم تكن متوافقة مع البيانات الفعلية.
وقد تم التركيز على التناقضات الواضحة بين الوعود التي قدمها ترامب بخصوص خفض الضرائب والقضاء على العجز، وبين المخاوف المتزايدة بشأن زيادة الديون الفيدرالية.
أما صحيفة وول ستريت جورنال فقد اهتمت أكثر بتداعيات خطاب ترامب على المستوى الاقتصادي والتجاري، حيث تم التحذير من أن خفض الضرائب الذي اقترحه قد يزيد بشكل كبير من العجز، مما يعرقل تحقيق أهدافه المالية.
كما أبدت الصحيفة قلقها من تأثير الرسوم الجمركية على الواردات، حيث رأت أن هذه السياسات قد تزعزع الاستقرار التجاري وتؤدي إلى زيادة التضخم.
ومع ذلك، لم تغفل الصحيفة الإشارة إلى أن بعض السياسات مثل تعزيز الأمن الحدودي قد تكون مفيدة على المدى الطويل.
بوليتيكو: خطاب مليء بالتحريض والانقسام
لم تقتصر التغطية الإعلامية على التحليل السياسي لخطاب ترامب فقط، بل تم تسليط الضوء أيضًا على الأجواء الحزبية التي سادت الخطاب، والتي بدت شديدة التوتر.
ففي تقرير لصحيفة "بوليتيكو" Politico، تم التركيز على نبرة الخطاب التي كانت "جرئية ومولعة بالقتال والمواجهة وحزبية للغاية"، حيث كانت هناك إشارات واضحة لتحريض ترامب ضد الديمقراطيين، مما أدى إلى خلق جو عدائي داخل الكونغرس.
تم تسليط الضوء على مشهد مغادرة عدد من النواب الديمقراطيين قاعة الكونغرس أثناء الخطاب، وهو ما اعتبره البعض خطوة غير محترمة وغير بناءة.
كما تم التأكيد على أن ترامب كان يسعى إلى تعميق الانقسامات السياسية في البلاد بدلاً من العمل على تحقيق الوحدة.
نيوزماكس: إشادة بالقوة والإنجازات
على الجانب الآخر، احتفت وسائل الإعلام الميالة لليمين مثل "نيوزماكس" Newsmax بخطاب ترامب، واعتبرت أنه قوي ويعكس روح القيادة القوية في الولايات المتحدة.
تم التركيز على الإنجازات التي ذكرها ترامب مثل القبض على العقل المدبر وراء "تفجير آبي غيت" في أفغانستان، وتأكيده على دوره الفعال في استعادة القيادة الأميركية. كما تم انتقاد سلوك الديمقراطيين بشكل سلبي، معتبرين أنهم غير مستعدين لدعم ما اعتُبر إنجازات وطنية.
استقطاب إعلامي يعكس الانقسامات الأمريكية
بالمجمل، كانت التغطية الإعلامية لخطاب ترامب أمام الكونغرس في 2025 شديدة الانقسام بين وسائل الإعلام الأميركية. حيث وسائل الإعلام الكبرى ركزت على الانقسامات الداخلية والمخاوف الاقتصادية، في حين أن وسائل الإعلام المحافظة أشادت بحسم ترامب وقيادته في قضايا الأمن القومي والهجرة.
أما الصحف الكبرى فقد تناولت الخطاب من منظور اقتصادي، حيث تم التركيز على التناقضات في الخطط المالية، في حين كانت وسائل الإعلام الميالة لليمين تركز على إشادة قوية بالإنجازات والتوجهات الوطنية لترامب.
تستمر هذه الانقسامات الإعلامية في إبراز الانقسامات الحادة داخل السياسة الأميركية، مما يعكس تحديات كبيرة بالنسبة للرئيس ترامب في قيادة البلاد نحو مرحلة من الوحدة الوطنية في المستقبل.