في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
غزة- ما أن علمتْ المعلّمة ديانا أبو زعرورة ببدء الاستعداد لاستئناف التعليم في قطاع غزة، حتى سارعت للالتحاق متطوعةً في إحدى مدارس غرب مدينة غزة، فقد كانت تعمل قبل الحرب في مدرسة راهبات الوردية الخاصة، واضطرت إلى مغادرتها والنزوح من مكان لآخر، بحثا عن الأمان.
وتشعر ديانا بكثير من الحماس وهي تعود لممارسة مهنتها من جديد، داخل صف دراسي يقع في قبو مدرسة النصر النموذجية الخاصة، التي اختارت وزارة التربية والتعليم أن تكون إحدى النقاط التعليمية الأساسية التي عادت للدراسة من جديد، وتقول للجزيرة نت، "دفعني حزني وخوفي على طلابنا للتطوع، لقد عانوا كثيرا أثناء الحرب، ومستقبلهم في خطر".
وقد أعلنت الوزارة، الأحد عن استئناف التعليم تدريجيا في قطاع غزة في عشرات النقاط التعليمية، رغم ما تعرضت له مقراتها ومدارسها من تدمير واسع.
فمنذ بداية الحرب الإسرائيلية المروعة على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تعطّل التعليم المدرسي والجامعي كاملا، وفقد الطلاب العام الدراسي (2023-2024)، ويتهددهم ضياع العام الدراسي التالي (2024-2025).
فوجئت المعلمة ديانا بتردي المستوى التعليمي لطلبتها وهم من المرحلة الابتدائية، وقالت: إنهم يعانون من مشكلات كبيرة في القراءة والكتابة، وضعف في كثير من المهارات الأخرى بسبب طول ابتعادهم عن الدراسة.
لكنها تقول، وهي تقف إلى جانب سبورة كُتب عليها بخط كبير "يا غزة قومي وانهضي"، إن طلبتها أذكياء وسوف يستعيدون قدراتهم سريعا، وسيُعوَضون ما فقدوه خلال الحرب.
ويواجه المعلمة الشابة كثيرٌ من الصعوبات، كعدم توفر الظروف المثالية للتعليم داخل المدارس التي أصبحت مراكز إيواء، لكنها تؤكد أن المعلمين والطلاب سوف يذللون كل العراقيل التي تواجه طريقهم.
يُقرّ محمود مطر، وكيل وزارة التربية والتعليم المساعد، أن قرار استئناف التعليم، هو مجرد خطوة صغيرة في مسار طويل، تواجهه كثيرٌ من الصعوبات، وقال على هامش افتتاح العام الدراسي للجزيرة نت "نستطيع القول، إن ما جرى اليوم، هو مبادرة أولى لاستئناف التعليم، لكنّ الطريق لا يزال طويلا، فالتحديات كبيرة لكن الأمور ستستمر تباعا".
وذكر المسؤول أن الوزارة افتتحت 100 نقطة تعليمية في كافة مناطق قطاع غزة، مستدركا، إنه "ستتضاعف هذه النقاط يوما بعد يوم"، لكنه لم يقدم عددا محددا للطلاب الذين سيعودون لمقاعد الدراسة، مفضلا الانتظار إلى حين استقرار الأوضاع وإحصاء الطلاب الذين بدؤوا في التوافد.
وأوضح أن الوزارة ستصلح كثيرا من الغرف الصفية داخل المدارس، وستعتمد على الخيام بديلا من الصفوف المدمرة، كما بيّن أن الدراسة ستكون في هذه المرحلة جزئيا، لمدة 3 أيام في الأسبوع، لإتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من الطلاب للاستفادة.
ولفت مطر إلى أن وزارة التعليم قد "عالجت المناهج الدراسية" ودمجتها في "رُزم تعليمية" كي توائم ظروف الطلاب، وذكر أن الوزارة تقدم خدمة التعليم الإلكتروني عبر منصات خاصة لتعويض الطلاب، لافتا في الوقت ذاته إلى أن 93 % من مدارس القطاع قد خرجت من الخدمة بسبب تعرضها للقصف الإسرائيلي.
وعن ملف طلاب الثانوية العامة من مواليد عام 2006، ذكر أن الوزارة ستعلن عن موعد الامتحان النهائي لهم قريبا بعد استكمال الإجراءات اللازمة، دون أن يستبعد أن يكون "إلكترونيا".
يشير نقيب المعلمين خيري عطا الله إلى أن المدرسين دفعوا -كغيرهم من شرائح الشعب الفلسطيني- ثمنا باهظا لعدوان الاحتلال، وقال للجزيرة نت، "نسعى لحصر ضحايا وزارة التربية والتعليم من شهداء وجرحى ومعتقلين، وأصحاب بيوت مدمرة، وأحصينا مبدئيا أكثر من 800 شهيد من المعلمين وإصابة الآلاف، واعتقال العشرات، إضافة إلى هدم منازل كثيرين".
وأشاد عطا الله بقرار افتتاح العام الدراسي وقال "هذا إنجاز لأبناء شعبنا ولوزارة التربية والتعليم في سبيل استمرار العملية التعليمية رغم العدوان والدمار".
وشكر المدرسين الذين عادوا للعمل رغم ظروفهم الصعبة، مضيفا أن "كثيرا من المعلمين والمتطوعين يتقدمون الصفوف لخدمة أبناء شعبهم، وسيستمر العمل حتى نستدرك ما فات طلابنا ونصل إلى المستوى المطلوب".
في الطابور الصباحي لمدرسة النصر، اصطف العشرات من الطلاب فرحين بقرار العودة للتعليم، وبعد الاستماع للنشيد الوطني الفلسطيني، وتقديم بعض الطلاب عروضا فنية، سار الطلاب في صفوف باتجاه صفوفهم التعليمية التي نجت من آلة الدمار الإسرائيلية.
يقول الطالب فجر مهدي (11 عاما) إنه متحمس للغاية وسعيد لقرار العودة للتعليم بعد شهور عدة من الابتعاد عن مدرسته، حيث كان يحاول الدراسة من خلال منصات وزارة التربية والتعليم الإلكترونية، لكنه واجه كثيرا من الصعوبات بسبب انقطاع الكهرباء وغياب شبكة الإنترنت.
أما أحمد الشرفا، فقد عانى كثيرا من ظروف الحرب، فحوصرت أسرته داخل منزلها في شهر مارس/آذار 2024، قبل أن يعتقل الجيش رجال العائلة ثم يهدم منزلهم كله، وهو ما أسفر عن استشهاد عدد من أفراد أسرته.
ويضيف أحمد الصاعد إلى الصف السادس قائلا "مبسوط جدا بالعودة للدراسة، أنا متشجع وأريد أن أعود لحياتي السابقة قبل الحرب"، ويستذكر الطالب الفلسطيني أنه كان الأولَ على صفه قبل الحرب، ويحلم بأن يواصل تفوقه الدراسي ويدخل الجامعة.
أما حاتم أبو عرب، فقد مرّ أيضا بظروف صعبة خلال الحرب، فقد تشتت شمل عائلته بعد أن نزح مع والديه وأشقائه إلى جنوبي القطاع، بينما بقي أعمامه في شمال القطاع.
ويضيف حاتم الذي يمتلك موهبة جيدة في الخطابة "قضيتُ شهور الحرب في آلام ووجع، لماذا لا نكون مثل أطفال العالم، لماذا يقتلون أطفالنا ويهدمون مدارسنا، لماذا وجع فراق الأحباب؟"، لكنه كغيره من الطلاب يبدي سروره الكبير بالعودة للدراسة، علّها تكون مؤشرا على عودة الحياة الطبيعية من جديد.