في بلد يئن تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة جراء الحرب، أشعل منشور هيئة مياه الخرطوم، الذي دعا المواطنين لتسديد فواتير المياه، موجة غضب عارمة على مواقع التواصل الاجتماعي. لم يكن المحتوى وحده سبب الجدل، بل توقيته، الذي وصفه كثيرون بأنه "غير مبرر"، في ظل معاناة الناس اليومية لتأمين أساسيات الحياة. وفي وقت تكافح فيه الأسر من أجل البقاء، يأتي هذا القرار ليزيد العبء عليهم.
في تصريح بدا وكأنه يضع الكرة في ملعب المواطنين، قال المهندس محمد علي العجب، المدير العام لهيئة مياه الخرطوم، إن التزام السكان بسداد الفواتير هو السبيل الوحيد لضمان استمرار الخدمة وتحسينها. وأوضح في بيان صحافي صدر الجمعة أن نسبة التحصيل الحالية لا ترقى إلى مستوى الكثافة السكانية في العاصمة، مشيراً إلى تحديات تشغيلية ضخمة، على رأسها ارتفاع تكاليف الطاقة وصيانة المعدات.
المسؤول دافع عن موقف الهيئة بقوة، موضحاً أن إنتاج المياه في السودان أصبح أشبه بـ"صناعة باهظة التكاليف"، تتطلب موارد مالية ضخمة. لكنه، في الوقت ذاته، لم يغفل الإشادة بالعاملين في المحطات والآبار، الذين وصفهم بـ"الجنود المجهولين" الذين يعملون ليلاً ونهاراً لضمان إمداد مستمر للمياه.
ومع ذلك، يبدو أن الحملة الجديدة لتحصيل الفواتير التي تعتزم الهيئة إطلاقها قريباً لم تجد قبولاً لدى شريحة واسعة من المواطنين. فبينما تتحدث الهيئة عن ضرورة سداد الفواتير لضمان استمرارية الخدمة، يطرح المواطنون تساؤلات ملحة: هل الحل يكمن في الضغط على كاهلهم أكثر، أم أن هناك خيارات أخرى لم تُستثمر بعد؟ وماذا عن أولويات الناس في ظل الحرب والتهجير؟
وتساءل أحد المتفاعلين: "كيف يُتخذ قرار كهذا في وقت يعاني فيه أغلب الناس من المسغبة بعد فقدانهم مصادر رزقهم بسبب الحرب؟ من أين يُتوقع منهم جلب الأموال؟!".
وقال آخر: "في بلد أغلبيته نازحون لا يملكون قوت يومهم، كيف يُغفل عن أبسط حقوقهم: مياه الشرب؟ هل يعقل أن يُتركوا من دون أدنى مقومات الحياة؟!".
وأضاف متفاعل ثالث: "عندما يُفقد المواطن كل شيء ويعتمد على الإعانات فقط، يصبح توفير مياه الشرب مجاناً هو أقل ما يمكن تقديمه. أين المسؤولية في مثل هذه القرارات؟!".
وتساءل متفاعل رابع: "إذا كانت الدولة عاجزة عن توفير الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية مثل الماء، فماذا يمكن للنازحين أن يفعلوا؟ هل يُحاسب الفقراء على فقرهم؟!".
إن ما بدا وكأنه مجرد إعلان عن تحصيل فواتير أصبح اليوم قضية شائكة تُثير العديد من الأسئلة العميقة حول كيفية التعامل مع الأزمة الإنسانية. هل هذا هو الوقت المناسب لتحميل المواطن عبئاً جديداً؟ أم أن هناك ضرورة ملحة لإعادة التفكير في الحلول الممكنة لتخفيف المعاناة وتوفير الاحتياجات الأساسية للنازحين والمحرومين؟