نتناول في جولة الصحف اليوم، طموحات ترامب التوسعية المثيرة للجدل، و الهجمات الإسرائيلية على مستشفيات غزة، بالإضافة إلى الجدل حول الهوية الوطنية في سوريا الجديدة، ما يعكس مشهداً متنوعاً للصراعات الجيوسياسية والثقافية الراهنة.
ونبدأ من صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، التي نشرت تقريراً أعدته الكاتبتان جاكلين أليماني، مراسلة تحقيقات شؤون الكونغرس، وكات زاكريفسكي، المتخصصة في سياسة التكنولوجيا الوطنية، عن تصريحات الرئيس المنتخب دونالد ترامب الأخيرة بشأن إمكانية الاستحواذ على غرينلاند، واستعادة السيطرة على قناة بنما، واعتبار كندا الولاية الأمريكية رقم 51، تعكس رؤية تقوم على التوسع الإقليمي لتعزيز القوة الأمريكية، مما يمثل تحولاً بارزاً عن الأعراف الدبلوماسية التقليدية.
وأشارت الكاتبتان إلى أن المنهجية غير التقليدية التي يتبناها ترامب في الدبلوماسية، والتي تتسم بخطاب توسعي وتكتيكات غير متوقعة، قد تؤدي إلى إعادة تشكيل العلاقات الخارجية للولايات المتحدة. ونقلت الصحيفة عن مسؤول في الفريق الانتقالي لإدارة ترامب قوله إن ما يجمع بين تعليقات الرئيس المنتخب بشأن كندا و المكسيك وغرينلاند، وبنما هو رغبته في مواجهة النفوذ الروسي والصيني.
وفي هذا السياق، دافعت كيلي ماكناني، المتحدثة باسم فريق ترامب الانتقالي، عن تصريحات الرئيس المنتخب، ووصفتها بأنها استراتيجية محسوبة تهدف إلى استعادة قوة الولايات المتحدة. وأكدت أن "قادة العالم سيقبلون على التفاوض بسبب وفاء الرئيس ترامب بوعده بجعل أمريكا قوية مرة أخرى".
وأضاف التقرير أن تصريحات ترامب أثارت ردود فعل معارضة على المستويين المحلي والدولي. فقد رفض القادة الكنديون هذه التصريحات، وأكد رئيس وزراء غرينلاند على سيادة الجزيرة. كما نفى رئيس بنما، خوسيه راؤول مولينو، بشدة مزاعم ترامب بشأن وجود جنود صينيين في قناة بنما.
وحذر النائب الجمهوري السابق كارلوس كوربيلو من ولاية فلوريدا من أن مثل هذه التصريحات قد تضر بالعلاقات الدولية. وصرح في مقابلة مع قناة "إم إس إن بي سي" قائلاً: "هذا النوع من الإهانات يمكن أن يؤدي إلى مواجهة مع الولايات المتحدة"، لكنه استبعد احتمال وقوع صراع عسكري.
ورأى ريان بيرغ، من مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن، أن تركيز ترامب على شؤون نصف الكرة الغربي، مثل قناة بنما، يعكس قناعته بأن نفوذ الولايات المتحدة في تلك المناطق أقوى مقارنة بمناطق أخرى يتنافس فيها النفوذ الأمريكي مع الروسي والصيني.
وانتقد مستشار محافظ في السياسة الخارجية ميل الجمهوريين للحلول العسكرية، خاصة فيما يتعلق بمشاكل المخدرات القادمة من المكسيك، واصفاً ذلك بأنه "خطير".
ووفقاً للتقرير، تحظى غرينلاند باهتمام كبير لدى صانعي القرار في الولايات المتحدة بسبب موقعها الإستراتيجي في القطب الشمالي ومواردها الغنية. وذكرت الصحيفة أن اهتمام ترامب بغرينلاند يعود إلى عام 2019، ورغم رفض الدنمارك لتصريحاته، رأى دبلوماسي دنماركي سابق أن هذا الاهتمام يتماشى مع المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة. وأوضح الدبلوماسي أنه "قد يحدث شيء ما مع غرينلاند خلال العقد أو العقدين المقبلين، وربما تنال استقلالها"، مما يدفع الولايات المتحدة إلى اتخاذ خطوات استباقية تحسباً لأي تغييرات مستقبلية.
وأشار التقرير إلى أهمية قناة بنما الإستراتيجية باعتبارها معبراً بحرياً حيوياً يربط بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ، مما يجعلها ممرّاً رئيسياً لحركة البضائع والعمليات العسكرية الأمريكية. وذكر التقرير أن هناك مخاوف متزايدة لدى الولايات المتحدة من النفوذ الصيني المتصاعد على الموانئ العالمية، وخصوصاً تلك القريبة من قناة بنما، مما يثير قلقاً أمريكياً بشأن التأثير على عملياتها العسكرية في حال وقوع أزمة وطنية أو نزاعات تتعلق بأمنها القومي، مثل التوترات المتعلقة بتايوان.
ذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، في مقال للكاتب جدعون ليفي، تفاصيل حول ما وصفه بـ "اقتحام الجيش الإسرائيلي لمستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة".
وأورد المقال أن الجيش "أمر" المرضى والجرحى وأعضاء الطاقم الطبي بإخلاء المستشفى، ما أدى إلى تجمع عشرات الأشخاص "في حالة من الذهول والبرد الشديد في ساحة المستشفى".
الجنود، حسب ما وصف ليفي، أجبروا هؤلاء الأشخاص على خلع ملابسهم والسير "في مشهد وصف بالإذلال"، حيث ظهروا في مقاطع فيديو وهم يقفون عراة بين الأنقاض والدبابات، بينما بقي خلفهم مرضى يحتضرون وبعض أفراد الطاقم الطبي الذين رفضوا مغادرة المكان، وكان عددهم حوالي 25 شخصاً.
وأشار المقال إلى أن الجيش الإسرائيلي "قصف المستشفى لاحقاً"، مما أدى إلى مقتل خمسة من أعضاء الطاقم الطبي واندلاع حرائق دمرت قسمي الجراحة والمختبر. وتم نقل بعض المرضى إلى المستشفى الإندونيسي الذي كان الجيش قد اقتحمه قبل ثلاثة أيام. "كما اختطف الجيش عشرات الأشخاص من مستشفى كمال عدوان للتحقيق، بينهم مدير المستشفى الدكتور حسام أبو صفية، الذي أطلق سراحه مؤخراً وفقاً للمعلومات المتاحة"، وفق ليفي.
وأضاف ليفي أن هناك أطباء في غزة "ماتوا أثناء التحقيق أو في السجن". مشيراً إلى زيارته الشخصية الأخيرة عام 2006 للمستشفى الذي وصفه بأنه "أشبه بعيادة بائسة"، حيث كان يتم نقل المرضى على عربات يجرها حمار. ورجح الكاتب "أن التطويرات المدنية المحدودة في غزة خلال سنوات الحصار لم تكن كافية لرفع مستوى المستشفى إلى ما يتناسب مع المعايير الطبية الأساسية، لكنه ظل الملاذ الأخير لعلاج اللاجئين شمال القطاع".
وأشار المقال إلى تصريحات المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، الذي برر الاقتحام بمزاعم حول وجود "بنى إرهابية" ونشاطات تهدد الأمن، "دون تقديم أي أدلة". ونفى المتحدث مسؤولية الجيش عن الحريق الذي دمر المستشفى، "متهماً صاعقة أو سيجارة مريض بأنه ربما كان السبب".
وأوضح الكاتب في المقال أن الهجمات الإسرائيلية لم تقتصر على المستشفيات، بل شملت قتل خمسة صحافيين داخل سيارة تحمل لوحة الصحافة، بزعم أنهم كانوا يعملون في "قسم الإعلام الحربي". وأضاف ليفي "أنه لو كانت حماس قد قتلت خمسة مراسلين إسرائيليين، لكانت ردود الفعل قد وصلت إلى أقصى درجات الغضب".
وختم ليفي مقاله بالقول إن الهدف من هذه العمليات "يبدو أنه التطهير العرقي والإبادة الجماعية"، حيث لم يبقَ في شمال القطاع أي بنية تحتية، "لا للإرهاب ولا للحياة"، ويقول الكاتب إنه حتى لو كان هناك بضعة مخربين بين المرضى، "فإن إسرائيل تبرر هذه الأفعال تحت غطاء مكافحة الإرهاب، مستمرة في هيجانها الذي لا يتوقف حتى داخل المستشفيات".
وننهي جولتنا من صحيفة الشرق الأوسط، ونطالع مقالاً للكاتب مشاري الذايدي، الذي قال إن أهمّ ما ينتظر سوريا الجديدة هو تحديد كلمة تجيب عن هذا السؤال المباشر: "ما هي هوّيتنا الوطنية الجامعة؟"
ويرى الكاتب أن هذا الأمر "أهم من الشواغل العسكرية والأمنية والاقتصادية، فكل هذه الأمور، مع الوقت، ومع وجود الإجماع الوطني، وعزيمة السوريين تزول، وتبدأ الثقة تُبنى حجراً حجراً، مع المحيط، ومع السوريين في الخارج، ومع أصدقاء سوريا في كل العالم".
ويؤكد الكاتب أنه من أجل ذلك "فإن الوضوح وإعلان المُراد، دون غمغمة، أو إخفاء، هو الطريق الأسرع والأصحّ للعبور بسوريا من جسر المتاعب إلى برّ الأمان".
وتطرق الكاتب إلى ما وصفها "الضجة التي قبل أيام ثارت في داخل وخارج سوريا بسبب تصريحات مديرة مكتب شؤون المرأة في الحكومة السورية الانتقالية الجديدة، قالت فيها إنها لن تقبل أي رأي لمنظمات نسوية أو غيرها تخالف توجهها الفكري".
ويشرح الكاتب أن هذا الكلام من المسؤولة "أثار القلق بل الغضب لدى مجموعات من السوريات والسوريين، بسبب ما وُصف بأنه نكسة في مسيرة المرأة السورية".
ويبين الكاتب أن هذا المثال من الجدل "يكشف عن الحساسية العالية التي تهيمن على الجميع، بسبب الحيرة حول طبيعة مستقبل سوريا وهويتها الاجتماعية الثقافية، وهي تكشف أيضاً عن أن المسألة في دمشق وبقية الحواضر السورية الكبرى ليست كما كانت في إدلب، رغم أنه حتى في إدلب كانت هناك صعوبات من هذا النوع، لكن الإعلام كان بعيداً عنها".
ويتناول الكاتب العيدي من محطات المرأة السورية ووصفها بإنها "رائدة في مسيرة التنوير والعمل النسائي، بل والسياسي الوطني، منذ أزيد من قرنٍ من الزمان".
ويختتم الكاتب مقاله بالقول إنه "ربما لأن النظام الأسدي السابق، الأب والابن، جفّفا وجرّفا النخب السورية، عبر السجن والنفي والقتل والتخويف والإخراس، لم يبقَ إلا ثلّة قليلة تكافح من أجل سوريا جامعة للكل، تؤمن بقيم التنوير، وتقود مسيرته في داخلها ومحيطها".