لم يعد الضغط الأميركي على فنزويلا يقتصر على العقوبات الورقية، بل انتقل إلى البحر، فمع اعتراض القوات الأميركية ناقلة نفط خاضعة للعقوبات قبالة السواحل الفنزويلية ومصادرتها، ثم إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض حصار على صادرات النفط الخام، دخلت صناعة النفط الفنزويلية مرحلة جديدة من التضييق المباشر.
وبحسب ما نقلته بلومبيرغ، قال ترامب إن فنزويلا أصبحت الآن "محاطة بالكامل بأكبر أسطول بحري جرى تجميعه في تاريخ أميركا الجنوبية"، في إشارة إلى تصعيد غير مسبوق يستهدف المصدر الرئيسي لإيرادات البلاد.
تقول إدارة ترامب إن الهدف النهائي من هذه العمليات هو وقف تدفق المخدرات غير المشروعة من فنزويلا. وفي هذا السياق، نفذت القوات الأميركية سلسلة ضربات جوية استهدفت قوارب صغيرة في المنطقة، تزعم واشنطن أنها تُدار من قِبَل عصابات تهريب مخدرات.
غير أن الحكومة الفنزويلية ترى دوافع مختلفة تمامًا، ففي بيان صدر بعد مصادرة ناقلة النفط، قالت إن "الأسباب الحقيقية للعدوان على فنزويلا كُشف عنها أخيرًا"، مضيفة: "كان الأمر دائمًا يتعلق بمواردنا الطبيعية، نفطنا".
وتنقل بلومبيرغ أن ترامب لمح إلى احتمال تنفيذ ضربات برية، إلا أنه "لا توجد مؤشرات من المسؤولين الأميركيين" على أن منشآت النفط أو الغاز ستكون أهدافًا مباشرة.
وقال وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث في 11 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إن الحملة العسكرية الحالية في البحر الكاريبي تهدف إلى "تعطيل تهريب المخدرات وإضعاف وتفكيك المنظمات الإجرامية العابرة للحدود".
وبحسب بلومبيرغ، تستهدف العملية الأميركية مجموعتين إجراميتين فنزويليتين جرى تصنيفهما منظمات إرهابية: "كارتل دي لوس سوليس" و"ترين دي أراغوا".
وتشير تقارير إلى أن أصولًا مرتبطة بالمخدرات، مثل مدارج طيران غير قانونية ومختبرات ومستودعات يُزعم أن "كارتل دي لوس سوليس" يديرها، قد تكون الأهداف التالية.
وتلفت بلومبيرغ إلى أن الناقلة التي جرى الاستيلاء عليها لا تعود لشركة النفط الوطنية الفنزويلية "بتروليوس دي فنزويلا". ورغم أنها تبحر تحت علم غيانا، نفت الإدارة البحرية في غيانا أي صلة لها بالسفينة، وكانت هذه الناقلة قد خضعت لعقوبات أميركية منذ عام 2022 لدعمها صادرات النفط الإيراني.
وتضع بلومبيرغ هذا التصعيد في سياق قطاع نفطي يعاني منذ سنوات، فقد هبط إنتاج النفط الفنزويلي بأكثر من 70% مقارنة بذروته في أواخر تسعينيات القرن الماضي، عندما تجاوز 3.2 ملايين برميل يوميا.
واليوم تحتل فنزويلا المرتبة الـ21 عالميا بين المنتجين، مع توقعات بتجاوز إنتاجها خلال السنوات المقبلة من قبل غيانا المجاورة وحتى الأرجنتين.
ورغم هذا التدهور، لا يزال النفط يشكل شريان الحياة للاقتصاد، إذ تمثل صادراته نحو 95% من الإيرادات الخارجية للبلاد، وفق بلومبيرغ، على الرغم من محاولات الرئيس نيكولاس مادورو تنويع الاقتصاد خلال السنوات الأخيرة.
وتعيد بلومبيرغ جذور انهيار القطاع إلى أوائل العقد الأول من الألفية، حين فرضت إصلاحات هوغو تشافيز سيطرة الدولة المشددة على الصناعة، ما أدى إلى خروج الاستثمارات الأجنبية، وترسيخ الفساد وسوء الإدارة، وفق الوكالة.
وتمت مصادرة أصول شركات غربية كبرى مثل "كونوكو فيليبس" و"إكسون موبيل"، بعد تعديلات قانونية جعلت شركة النفط الوطنية شريكًا مسيطرًا.
وتضيف بلومبيرغ أن تفكيك نظام الجدارة داخل شركة النفط الوطنية وتكديسها بالموالين السياسيين أدى إلى حوادث جسيمة، أبرزها انفجار مجمع تكرير كاردون عام 2012، أحد أكبر المجمعات في العالم، مما تسبب بانهيار الإنتاج وإجبار الدولة العضوة في منظمة أوبك على استيراد الوقود.
إلى جانب ذلك، لعب الضغط الأميركي دورًا متزايدًا، فبعد أكثر من قرن من العلاقات النفطية الوثيقة، فرضت واشنطن عقوبات مالية على شركة النفط الوطنية في عام 2017، ثم عقوبات تشغيلية في 2019، حظرت معظم أشكال التجارة والتمويل، مع استثناءات محدودة بتراخيص خاصة.
وأسهمت هذه القيود في تدهور المنشآت المعتمدة بشدة على التكنولوجيا الأميركية المحظور استيرادها.
تشير بلومبيرغ إلى أن شركة "شيفرون" الأميركية لا تزال الشركة الأميركية الوحيدة العاملة في فنزويلا، بموجب ترخيص يسمح لها بعمليات مشتركة محدودة مع شركة النفط الوطنية وشحن الخام إلى مصافي ساحل الخليج الأميركي. في المقابل، غادرت شركات كبرى أخرى مثل "كونوكو"، و"إكسون"، و"توتال"، و"شل"، و"إكوينور".
كما لا تزال شركات أوروبية مثل "ريبسول" الإسبانية، و"إيني" الإيطالية، و"ماوريل إيه بروم" الفرنسية حاضرة عبر شراكات مع شركة النفط الوطنية.
أما روسيا والصين، فقد حدّت العقوبات من توسيع حضورهما، إذ نقلت "روسنفت" أصولها إلى كيان بديل غير خاضع للعقوبات، بينما أبقت شركة النفط الوطنية الصينية على وجود محدود.
وتؤكد بلومبيرغ أن الصين هي المشتري الأكبر للنفط الفنزويلي، حيث تُنقل الشحنات عبر ما يُعرف بـ"سفن الأشباح" التي تخفي مصدر النفط للتحايل على العقوبات، وتُباع غالبًا لمصافٍ مستقلة صغيرة تُعرف باسم "إبريق الشاي" في مقاطعة شاندونغ.
كما تظل بعض درجات الخام الثقيل الفنزويلي مطلوبة في أميركا، حيث صُممت مصافٍ معينة لمعالجة هذا النوع من النفط المستخدم في منتجات قريبة من الأسفلت.
وترى بلومبيرغ أن التأثير على الأسعار العالمية سيكون محدودًا، ويقول فرانسيسكو مونالدي، مدير سياسات الطاقة في أميركا اللاتينية بمعهد بيكر للسياسات العامة في جامعة رايس، إن "الهجمات المعزولة على أصول تهريب المخدرات مثل المدارج أو المختبرات سيكون لها تأثير ضئيل على الأسعار"، مضيفًا أن "السوق ستمتص الصدمة بسرعة".
ويعزو ذلك إلى أن مساهمة فنزويلا تقل عن 1% من الإنتاج العالمي، إضافة إلى توقعات بحدوث فائض في المعروض النفطي عالميا خلال الفترة المقبلة.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة