إسطنبول– تمتلك تركيا إمكانات هائلة في قطاع الذهب، فهي واحدة من الدول الغنية بالموارد الطبيعية القادرة على دعم اقتصادها بشكل كبير، ومع ذلك، يواجه إنتاج المعدن الأصفر تحديات متزايدة أثرت على القدرة الإنتاجية، رغم الطلب المحلي والعالمي المتزايد على هذا المعدن النفيس.
وبدأت تركيا رحلتها في إنتاج الذهب عام 2001 من منطقة برغاما-أوفاجيك، ومنذ ذلك الحين وحتى عام 2024، نجحت في إنتاج 517.3 طنا من الذهب، وفقا لبيانات جمعية عمال مناجم الذهب.
وتشير البيانات المعلنة إلى أن عمليات الإنتاج تجري حاليا في 20 منطقة، مع خطط لافتتاح 10 مواقع جديدة قريبا لتعزيز الإنتاج.
وتُعد تركيا موطنا لعدد من المناجم المهمة تتركز غالبيتها في مناطق إيجة، شرق الأناضول، والبحر الأسود.
قال رئيس جمعية عمال مناجم الذهب التركية، حسن يوجال، إن إنتاج المعدن النفيس شهد تراجعا ملحوظا من 42 طنا عام 2020، وهو أعلى مستوى في تاريخ الدولة، إلى 36.5 طنا عام 2023، ثم 32.2 طنا فقط عام 2024، مما يعكس خسارة قدرها 10 أطنان خلال 5 سنوات.
وأضاف يوجال أن الطلب المحلي على الذهب في تركيا يبلغ 160 طنا سنويا، في حين الإنتاج المحلي لم يتمكن من تغطية سوى 32.2 طنا من هذا الطلب عام 2024، مما أدى إلى فجوة كبيرة بلغت 127.8 طنا يتم سدها عبر الاستيراد.
وأوضح يوجال أن تركيا تمتلك احتياطات طبيعية هائلة من الذهب لم يتم استخراجها بعد تُقدر بما يتراوح من 6.5 آلاف إلى 10 آلاف طن، بقيمة اقتصادية تُقدر من 397 مليارا إلى 611 مليار دولار.
وأوضح يوجال أن هذه الموارد، الكامنة في باطن الأرض، تمثل فرصة إستراتيجية يمكن استغلالها عبر تعزيز عمليات التعدين والتنقيب لتحفيز الاقتصاد الوطني.
أما على صعيد الاحتياطات الرسمية، فقد أفادت تقارير صحفية بأن احتياطات البنك المركزي التركي من الذهب شهدت ارتفاعا ملحوظا بحلول الأسبوع الأول من يناير/كانون الثاني 2025.
وارتفعت قيمة هذه الاحتياطات بأكثر من مليار دولار لتصل إلى 65.3 مليار دولار، مقارنة بـ64.3 مليار دولار في نهاية العام الماضي.
وبحسب التقارير ذاتها، بلغ إجمالي احتياطي الذهب لدى البنك المركزي 771 طنا بحلول يناير/كانون الثاني 2025.
وكان البنك المركزي قد بدأ عام 2024 باحتياطي يبلغ 479 طنا، مما يعني إضافة 292 طنا من الذهب خلال العام الماضي. ومع ذلك، لم يُصدر البنك المركزي تقريره الرسمي بعد لتأكيد هذه الأرقام.
في السياق، أكد مصدر في وزارة الطاقة والموارد الطبيعية التركية أن انخفاض إنتاج الذهب في السنوات الأخيرة يعود إلى عوامل متعددة، أبرزها القيود المفروضة على بعض المناطق الحساسة بيئيا، إلى جانب التحديات التقنية التي تواجه عمليات التنقيب والإنتاج.
ومع ذلك، شدد المصدر على أن الجهود مستمرة لتجاوز هذه العقبات عبر خطط إستراتيجية تهدف إلى زيادة الإنتاج.
وأشار المصدر في حديث للجزيرة نت إلى أن الوزارة تعمل على تحقيق الهدف الذي أعلنه الرئيس رجب طيب أردوغان في عام 2021، والمتمثل في رفع إنتاج الذهب إلى 100 طن سنويا خلال السنوات المقبلة.
وشدد على أن الحكومة التركية تركز على تمكين المصنعين المحليين وتعزيز تنافسيتهم من خلال تقديم الدعم اللازم لهم، بما في ذلك تخفيف القيود على استيراد الذهب ضمن نظام الحصص، لضمان توفير المواد الخام المطلوبة لدعم قطاع المجوهرات والصادرات.
وفي ختام تصريحه، أشار المصدر إلى أن الوزارة ملتزمة بتطوير البنية التحتية وتحسين بيئة الاستثمار وتشجيع الابتكار في قطاع التعدين، بهدف تحقيق نمو مستدام وتحويل قطاع الذهب إلى إحدى الركائز الأساسية للاقتصاد التركي.
فرضت تركيا في أغسطس/آب 2023 نظام الحصص على واردات الذهب غير المُعالج، في محاولة لخفض العجز التجاري وتعزيز احتياطيات النقد الأجنبي.
وأعلن وزير الخزانة والمالية التركي، محمد شيمشك، الاثنين الماضي، في تصريح صحفي، أن قيود استيراد الذهب ستُخفف تدريجيا، مشيرا إلى أن عمليات الاستيراد ضمن نظام الحصص ستخضع للمراقبة خلال الأشهر الستة المقبلة.
وأكد الوزير أن واردات الذهب غير المُعالج انخفضت عام 2024 بنسبة 53.5% مقارنة بالعام السابق، حيث تراجعت قيمتها من 30 مليار دولار إلى 17 مليار دولار، وبناء عليه تقرر زيادة الحصة الشهرية الإجمالية لاستيراد الذهب بمقدار طنين، لتصل إلى 14 طنا اعتبارا من فبراير/شباط المقبل.
ووفقا لبيانات هيئة الإحصاء التركية، أنفقت تركيا منذ عام 2001 وحتى نهاية عام 2023 ما يقرب من 197.2 مليار دولار على واردات الذهب، في حين بلغت صادراتها خلال الفترة نفسها 72.2 مليار دولار، مما يجعل صافي واردات الذهب 125 مليار دولار.
وفي عام 2023، ارتفعت واردات الذهب غير النقدية بنسبة 46.9% مقارنة بالعام السابق، لتصل إلى 30 مليارا و16.8 مليون دولار، وهو أعلى مستوى سنوي تسجله واردات الذهب.
وعلى الرغم من ارتفاع صادرات الذهب إلى 4.3 مليارات دولار، بلغ صافي الواردات 25.6 مليار دولار، متجاوزة الرقم القياسي السابق البالغ 25.2 مليار دولار في عام 2020.
وحسب ترتيب أكبر مصادر واردات الذهب إلى تركيا خلال العقد الأخير (2013-2023)، جاءت كالتالي:
أما من جهة الصادرات التركية، فقد بلغت 45 مليار دولار خلال الفترة نفسها، ذهب معظمها إلى الإمارات (16.1 مليار دولار) وسويسرا (11.6 مليار دولار).
وقال المحلل الاقتصادي، مصطفى أكوتش، إن تراجع إنتاج الذهب في تركيا إلى 32.2 طن سنويا، رغم وجود احتياطيات تُقدر بما يتراوح بين 6.5 آلاف و10 آلاف طن، يُظهر أن تركيا تمتلك موارد طبيعية هائلة وغير مستغلة بشكل كاف.
وأوضح، في حديث للجزيرة نت، أن هذه الفجوة تعود بشكل أساسي إلى العقبات البيروقراطية والقيود التنظيمية التي تعيق استغلال هذه الموارد، مشيرا إلى أن الإجراءات الطويلة للحصول على التراخيص، ومتطلبات تقارير تقييم الأثر البيئي، ونقص البنية التحتية، إضافة إلى بيئة تنظيمية غير واضحة، كلها عوامل تجعل الاستثمار في القطاع أقل جاذبية.
وأشار أكوتش إلى أن اعتماد تركيا الكبير على واردات الذهب لتلبية الطلب المحلي يُعتبر من الأسباب الرئيسية التي تزيد العجز التجاري، وأنه يمكن معالجة هذا الأمر من خلال: