آخر الأخبار

السلطان و"الزواج الكبير" في جزر القمر.. إرث ثقافي يتوّج الهوية الاجتماعية

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

تشكّل العطلة الصيفية موسما لحفلات "الزواج الكبير" في جزر القمر، وتُعَدّ إقامة هذه المناسبات الفخمة تقليدا يتوّج مراسم الزفاف، ويأتي القمريون من الخارج بأعداد كبيرة للمشاركة فيها.

في أحد أيام شهر تموز/يوليو الماضي، كانت ساحة بادجناني، بوسط العاصمة موروني الواقعة في جزيرة القمر الكبرى، تعج بالناس الذين تجمعوا تحت أكاليل من الرايات والمصابيح الكهربائية، لحضور مجلس ذِكر تبدأ به احتفالات الزواج الكبير لرجل وامرأة يعيشان في مدينة لومان الفرنسية.

رمز المكانة الاجتماعية

وعلى عكس حفل الزواج الصغير الذي يُختتم به قرانهما الديني، يُسهم "زواج العادة"، وهو اسم آخر للزواج الكبير، في إثبات المكانة الاجتماعية للعريس.

وقال أستاذ التاريخ والحضارة القمرية موسى سعيد إن "الإنسان في جزيرة القمر الكبرى يولد مرتين. بإرادة الله وبفضل العادة".

ويعيش هذا البلد الذي يشكّل المسلمون غالبية سكانه على إيقاع احتفالات الزفاف الضخمة التي تشكّل عاملا في نشوء الهوية الجماعية القمرية.

مصدر الصورة مراسم الزواج الكبير في جزر القمر تدوم لعدة أيام (الفرنسية)

تنظيم صارم وتكاليف باهظة

وتتميز احتفالات الزواج الكبير في جزيرة القمر الكبرى، كبرى جزر الأرخبيل الثلاث، بأنها خاضعة لقدر أكبر من التنظيم وفق قواعد مكتوبة، وبأنه أعلى تكلفة.

ويدوم الزواج الكبير أياما عدة، ويوفّر للمتزوجَين، وخصوصا للرجل، مكانة مرموقة أو بارزة.

وخلال مرحلة مجلس الذِكر الإلزامية تقريبا، يمكن تمييز الأعيان الجالسين في الصف الأمامي، من ملابسهم الاحتفالية والشال الكبير الذي يُوضع على اليسار.

وفي أحد احتفالات "زواج العادة"، دخل العريس عيسى علي مز أحمد، البالغ 55 عاما، يتبعه رجال من عائلته الموسعة.

وفي هذه الاحتفالات، يعلَن مهر العروس الذي يتراوح عادة بين 10 و30 قطعة ذهبية في موروني.

وقدّر عالم الأنثروبولوجيا القمري ضمير بن علي عام 2009 تكلفة احتفال زواج كبير بما يتراوح بين 7 آلاف و273 ألف دولار، ولاحظ أن التكلفة "ارتفعت بالتأكيد"، وغالبا ما تستنزف هذه التكلفة مدخرات العمر.

مصدر الصورة العريس فايد قاسم يرتدي معطفا مخمليا أسود مطرزا بخيوط ذهبية يدوية الصنع تصل قيمته إلى 2325 دولارا (الفرنسية)

الذهب والتقاليد في مراسم الزواج

في التلال المُطلة على موروني، في بلدة تسيدجي الصغيرة، يستعد فايد قاسم، وهو شاب فرنسي من أصل قمري يعيش في جزيرة لا ريونيون، لإقامة الحفلة التقليدية. في قاعة الاستقبال بمنزل العائلة، تُعرض أطقم ذهبية ومجوهرات أخرى مُخصصة لزوجته فايزات أبو بكر البالغة 41 عاما.

إعلان

وتُمثل تحويلات المغتربين 30% من الناتج المحلي الإجمالي لهذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 870 ألف نسمة، وفقا للرئاسة.

في مراسم دخول المنزل، يرتدي فايد قاسم معطفا مخمليا أسود مطرزا بخيوط ذهبية يدوية الصنع تصل قيمته إلى 2325 دولارا، ويصدح الحضور بأناشيد شرقية.

وقال الرجل البالغ 42 عاما "أشعر كأنني حققت إنجازا. كنت أرغب بشدة في إقامة هذه المراسم. تكريما للتقاليد، ولوالديّ، ولعائلة زوجتي".

مرتدياً هذه الملابس، يذهب فايد إلى منزل زوجته في موروني، مغمورا بالسعادة لوجوده بصحبة أقربائه.

مصدر الصورة والدة العريس تلقي حفنات من أوراق الـ50 يورو في حقيبة سفر في تقليد يحمل دلالات مهمة (الفرنسية)

مجتمع أمومي

ونظرا إلى أن مجتمع جزر القمر قائم على نظام النسب الأمومي، وإلى أن الزوجين يقيمان في منزل عائلة الزوجة، فإن منزل الزوجية يكون ملكا للعروس.

وقالت عالمة الأنثروبولوجيا "في مجتمعنا، اعتبارا من سن الـ12، يدخل الرجال في تسلسل هرمي. ثمة 4 مراتب إجمالا. بعد بلوغهم هذه المراتب، تقام حفلة الزواج الكبير التي تُمثل نهاية فترة تعلّمهم الاجتماعي، ويشاركون في قرارات المجتمع".

وتُنفَق مبالغ طائلة على هذه الحفلات مع أن 45% من السكان تحت خط الفقر، أي ما يزيد قليلا عن 116 دولارا للفرد شهريا، وفقا للمعهد الوطني للإحصاء.

مصدر الصورة احتفال الزواج الكبير في جزر القمر يعد بأكمله مثل تنصيب ملك جديد (الفرنسية)

تتويج ملكي

وتُذكّر الملابس التي يرتديها العروسان في حفلة الزواج الكبير بتلك التي كان يرتديها سلاطين جزر القمر قبل الحماية الفرنسية في القرن الـ19، إذ كان المجتمع القمري آنذاك إقطاعيا.

ويوضح الدبلوماسي ومؤلف العمل المرجعي "سلطة الشرف" سلطان شوزور أن "احتفال الزواج الكبير هو بأكمله عبارة عن تنصيب ملك جديد".

ويضيف "أعتقد أن احتفال الزواج الكبير سمح لنا بتجنب ثورة. هنا، يمكن لأي شخص أن يكون سلطانا".

مساء الأحد، دخلت العروس، مرتديةً ثوبا أبيض جميلا، حفلة يقتصر الحضور فيها على النساء تُعرف باسم "أوكومبي".

وأوضحت فهارات محمود التي تدير شركة بناء "إنه تكريس للعروس (…). في كل الاحتفالات، سيصبح لها الحق في الحضور".

وألقت والدة العريس ماريا أمادي حفنات من أوراق الـ50 يورو في حقيبة سفر. وقبل ذلك، كانت قد قدمت لابنها كوبا أخيرا من الحليب رمزا لرحيله عن المنزل.

وقالت هذه المرأة التي تعمل مدبرة فندق في موروني "أتمنى لجميع الأمهات فرصة تجربة ما أعيشه، وخصوصا أن يكون ابنهم المولود في فرنسا والذي نشأ فيها، قَبِل بأن يحذو حذونا نحن الآباء والأجداد".

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار