يزخر التاريخ الفرنسي بأسماء العديد من الفلاسفة والعلماء الذين قدموا الكثير للبشرية. فخلال القرن الثامن عشر، برزت أسماء فلاسفة الأنوار الذين كان أهمهم فولتير (Voltaire) وجون جاك روسو (Jean-Jacques Rousseau) ومونتسكيو (Montesquieu). وقبل هؤلاء، ظهر اسم بلاز باسكال (Blaise Pascal) الذي قدم الكثير بمجالات الفلسفة والرياضيات وموليير (Molière) الذي أثر بالثقافة الفرنسية والعالم فرانسوا رابليه (François Rabelais) الملقب بأب اللغة الفرنسية. وبالفترة الحديثة، يذكر التاريخ أسماء كل من الكيميائي وعالم البيولوجيا لويس باستور والمختصة بالفيزياء والكيمياء ماري كوري.
وبهذه القائمة الطويلة، يبرز أيضا اسم رينيه ديكارت (René Descartes). فخلال مسيرته، قدم هذا الرجل الملقب بأب الفلسفة الحديثة الكثير بمجالي الفلسفة والرياضيات، وأثارت نظرياته جدلاً واسعاً. ومع وفاته، واصل ديكارت إثارة الجدل بفرنسا. فعقب فتح قبره، لم يعثر المسؤولون على رأس جثته.
خلال القرن السابع عشر، أبهر رينيه ديكارت أوروبا بنظرياته وفلسفته ولقب بأب الفلسفة. فبمقاله عن المنهج، جاء ديكارت بمبدأ "أنا أفكر إذاً أنا موجود". فضلاً عن ذلك، نشر ديكارت عام 1641 أطروحته التي حملت عنوان تأملات في الفلسفة الأولى والتي مثلت تأملات بالحياة قام ديكارت بنصها. وباليوم الحاضر، تعتمد أطروحة ديكارت كمرجع رئيسي بجميع كليات الفلسفة. وبمجال الفيزياء، أجرى ديكارت أبحاثاً هائلة على نظام البصريات ويصنف بذلك كواحد من أهم واضعي أسس هذا العلم. وبالرياضيات، أسس ديكارت الهندسة التحليلية ووضع نظام الإحداثيات الديكارتية الذي سمي كذلك نسبة له.
إلى ذلك، فارق رينيه ديكارت الحياة بشكل مفاجئ عن عمر ناهز 53 سنة. فعام 1649، قبل ديكارت بالذهاب للسويد لتدريس الملكة كريستينا (Christina) التي عرفت بولعها بالعلوم والفلسفة. وفي الأثناء، لم يتأقلم الفيلسوف الفرنسي مع طقس السويد البارد مقارنة بفرنسا والدروس التي اضطر لتقديمها بساعات مبكرة من الصباح. ويوم 11 شباط (فبراير) 1650، فارق ديكارت الحياة بعد ظهور أعراض المرض عليه حيث تحدث طبيبه عن معاناته خلال الأيام الأخيرة من حياته من مغص وقشعريرة وتقيؤ تزامنا مع ظهور دم ببوله. وعلى مدار سنين، ظهرت نظريات تحدثت عن تسميم ديكارت بالسويد. وفي الأثناء، تم دحض هذه النظريات عقب فحوصات حديثة على بقايا جثته.
مع وفاته عام 1650، دفن ديكارت بإحدى مقابر البروتستانت بالسويد. وبعد 16 سنة، طالبت فرنسا، على لسان الملك لويس الرابع عشر، باستعادة بقايا ديكارت لدفنها بفرنسا. وعند إخراج الجثة، عمد بعض الحاضرين لانتزاع بعض من أطرافها للاحتفاظ بها كذكرى. وبينما، حصل السفير الفرنسي فرانسوا دي تيرلون (François de Terlon) على سبابة ديكارت التي اعتمد عليها للكتابة، عمد أحد الحاضرين، المسؤول إسحاق بلانستورم (Isaac Planstrom) حسب أغلب المصادر، للاستيلاء على جمجمة ديكارت. ومع عرض الجثة بباريس قبل دفنها خلال العام 1666، لاحظ الجميع حينها اختفاء جمجمة رأس ديكارت.
طيلة السنوات التالية، تحولت جمجمة ديكارت لنوع من التحف والقطع الفنية التي تناقلها عدد كبير من الأثرياء والتجار. وخلال العام 1821، ظهرت الجمجمة مجدداً بالسويد حيث عمد حينها العالم السويدي جونس جاكوب برزيلييوس (Jöns Jacob Berzelius) لشرائها قبل تقديمها لزميله الفرنسي جورج كوفييه (Georges Cuvier) الذي أعادها لفرنسا لتستقر في النهاية بمتحف الإنسان بباريس.
إلى ذلك، حملت جمجمة رأس ديكارت تشويهات عديدة عند عودتها حيث كتبت عليها عبارات عديدة مثل Renatus Cartesius كما نقشت عليها أيضاً أسماء جميع من اشتروها وامتلكوها طيلة السنوات السابقة.
بيومنا الحاضر، أكدت الدراسات المورفولوجية والطبية أن الجمجمة المعروضة بمتحف الإنسان لديكارت. وفي الأثناء، يشكك آخرون في صحة ذلك في انتظار إجراء تحاليل حمض نووي عليها.