تتجه شركات الذكاء الاصطناعي الرائدة بما في ذلك "OpenAI" و"مايكروسوفت" و"ميتا" إلى عملية تسمى "التقطير" في السباق العالمي لإنشاء نماذج الذكاء الاصطناعي تكلفتها أرخص بالنسبة للمستهلكين والشركات.
وقد حظيت هذه التقنية باهتمام واسع النطاق بعد أن استخدمتها شركة ديب سيك الصينية لبناء نماذج ذكاء اصطناعي قوية وفعالة تعتمد على أنظمة مفتوحة المصدر أصدرتها شركاتا "ميتا" و"علي بابا" المنافسة، بحسب تقرير لصحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، اطلعت عليه "العربية Business".
وقد أحدث هذا الاختراق صدمة في ريادة وادي السيليكون للذكاء الاصطناعي، مما دفع مستثمري وول ستريت إلى محو مليارات الدولارات من قيمة أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى الأميركية.
من خلال تقنية التقطير، تأخذ الشركات نموذجًا لغويًا كبيرًا -يُطلق عليه نموذج "المعلم"- ويولد هذا النموذج بيانات تقوم بعد ذلك بتدريب نموذج أصغر يُسمي "الطالب"، مما يساعد على نقل المعرفة والتنبؤات الخاصة بالنموذج الأكبر بسرعة إلى النموذج الأصغر.
وعلى الرغم من استخدام التقطير على نطاق واسع لسنوات، إلا أن التطورات الأخيرة دفعت خبراء الصناعة إلى الاعتقاد بأن العملية ستكون بشكل متزايد مفيدو للشركات الناشئة التي تبحث عن طرق فعالة من حيث التكلفة لبناء تطبيقات تعتمد على هذه التكنولوجيا.
وقال أوليفييه غودمينت، رئيس قسم المنتجات في منصة OpenAI" إن "التقطير سحري للغاية"، مضيفًا إنها عملية تأخذ نموذجًا ذكيًا ضخمًا ومتقدمًا للغاية وتستخدمه لتعليم نموذج أصغر.
وتتطلب نماذج اللغة الكبيرة مثل "GPT-4 " من "OpenAI" و"Gemini" من "غوغل" و"Llama " من"ميتا" كميات هائلة من البيانات وقوة الحوسبة للتطوير والصيانة.
وفي حين لم تكشف الشركات عن أرقام دقيقة عن تكلفة تدريب النماذج الكبيرة، فمن المرجح أن تبلغ مئات الملايين من الدولارات.
وبفضل التقطير، يمكن للمطورين والشركات الوصول إلى قدرات هذه النماذج مقابل جزء بسيط من التكلفة، مما يسمح لمطوري التطبيقات بتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي بسرعة على أجهزة مثل أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف الذكية.
ويمكن للمطورين استخدام منصة "OpenAI " للتقطير، والتعلم من نماذج اللغة الكبيرة التي تدعم منتجات مثل "شات جي بي تي".
واستخدمت "مايكروسوفت" ، أكبر داعم لـ" OpenAI"، نموذج "GPT-4" لتقطير عائلتها من نماذج اللغة الصغيرة "Phi" كجزء من شراكة تجارية بعد استثمار ما يقرب من 14 مليار دولار في الشركة.
ومع ذلك، قالت شركة ""OpenAI" الناشئة، التي تتخذ من سان فرانسيسكو مقراً لها، إنها تعتقد أن "ديب سيك" استخدمت تقنية التقطير على نماذج" OpenAI" لتدريب نماذجها المنافسة، وهي خطوة من شأنها أن تتعارض مع شروط الخدمة الخاصة بها.
في حين يمكن استخدام التقطير لإنشاء نماذج عالية الأداء، يضيف الخبراء أنها تكون أكثر محدودية.
وقال أحمد عوض الله من "Microsoft Research": "يقدم التقطير مقايضة مثيرة للاهتمام؛ إذا جعلت النماذج أصغر، فإنك تقلل حتمًا من قدرتها".
وأضاف أن النموذج المقطر يمكن تصميمه ليكون جيدًا جدًا في تلخيص رسائل البريد الإلكتروني، على سبيل المثال، لكنه لن يكون جيدًا في أي شيء آخر.
في حين قال قال ديفيد كوكس، نائب رئيس نماذج الذكاء الاصطناعي في "IBM Research"، إن معظم الشركات لا تحتاج إلى نموذج ضخم لتشغيل منتجاتها، وأن النماذج المقطرة قوية بما يكفي لأغراض مثل روبوتات الدردشة لخدمة العملاء أو التشغيل على أجهزة أصغر مثل الهواتف.
وتابع: "في أي وقت يمكنك (جعله أقل تكلفة) ويمنحك الأداء الصحيح الذي تريده، فلا يوجد سبب كبير لعدم القيام بذلك".
يمثل هذا تحديًا للعديد من نماذج الأعمال لشركات الذكاء الاصطناعي الرائدة. حتى إذا استخدم المطورون نماذج مقطرة من شركات مثل "OpenAI"، فإن تشغيلها يكلف أقل بكثير، وتكون تكلفة إنشائها أقل وبالتالي تولد إيرادات أقل.
وغالبًا ما يتقاضى صانعو النماذج مثل "OpenAI" رسومًا أقل لاستخدام النماذج المقطرة لأنها تتطلب حمولة حسابية أقل.
ومع ذلك، زعم غودمينت من "OpenAI" أن نماذج اللغة الكبيرة ستظل مطلوبة "لمهام عالية الذكاء وعالية المخاطر" حيث "تكون الشركات على استعداد لدفع المزيد مقابل مستوى عالٍ من الدقة والموثوقية".
وأضاف أنه ستكون هناك حاجة أيضًا إلى نماذج كبيرة لاكتشاف قدرات جديدة يمكن بعد ذلك تقسيمها إلى قدرات أصغر.