في الفيزياء، عادة يقيس العلماء الأحداث بالنسبة إلى الزمن الحقيقي، أي الوقت الذي نشعر به والمتمثل في الثواني والدقائق، لكن عندما يحاولون حل مشاكل معقدة جدا في نطاقات مثل ميكانيكا الكم تظهر معادلات رياضية تكون صعبة أو حتى مستحيلة الحل.
هنا يأتي دور الزمن التخيلي، وهو مفهوم رياضي قدمه عالم الفيزياء البريطاني ستيفن هوكينغ، ويعتمد على الأعداد التخيلية التي تحتوي على الجذر التربيعي للسالب 1، ويستخدم في المعادلات فتكون أسهل بكثير، وأحيانًا تكشف حلولًا جديدة غير واضحة في الزمن الحقيقي.
لا يعني الزمن التخيلي وجود "زمن موازٍ" أو أننا نعيش في نوعين من الزمن، بل هو عبارة عن أداة تجعل المعادلات الفيزيائية أسهل للتحليل. ومن ثم فإن العلماء يستخدمونه ليس لأنه "وقت غير حقيقي"، بل لأنه يساعد على رؤية المشاكل الفيزيائية من زاوية جديدة تجعلها أبسط أو تكشف أسرارًا خفية.
ولكن لأول مرة، تمكن فريق من علماء جامعة ميريلاند بقيادة إيزابيلا جيوفاني وستيفن أنلاج من رصد تأثير الزمن التخيلي على نبضة من الموجات الميكروية، وهو نوع من الضوء غير المرئي (الموجات الكهرومغناطيسية)، تمر عبر مادة داخل كوكسيل.
والكوكسيل نوع من الكابلات أو الأنابيب يُستخدم لنقل الإشارات الكهربية أو الموجات الكهرومغناطيسية.
وبحسب الدراسة التي نشرت في دورية "فيزكال ريفيو ليترز"، فإن النبضة أُرسلت من خلال دائرة مصنوعة من الكوكسيل، ثم قِيس خروجها بجهاز "أوسيلوسكوب" دقيق جدا، وقد لوحظ وجود تأخير صغير جدا في وقت المرور، وهو ما يتوافق مع ما توقعته نظرية الزمن التخيلي.
ولفهم الفكرة، تخيل أنك ترسل صوت صفارة عبر نفق مستقيم، ثم في نهاية النفق توجد مرآة تعكس الصوت ليصل إليك في صورة صدى.
في الزمن الواقعي، تقيس فرق الوقت بين إصدار الصوت ووصول الصدى لرؤية كم تأخر. لكن في الزمن التخيلي، تُضيف طابعًا "غير واقعي" للوقت، يقيس تأثيرات دقيقة جدا داخل النفق تصنع تأخيرا غير مرئي في الظروف العادية، لكن باستخدام تجارب متقدمة أصبح بالإمكان رصد أثره.
هذا يعني أن "الزمن التخيلي" يترك بصمة حقيقية قابلة للقياس على مرور الموجات الكهرومغناطيسية، لكنه في الوقت نفسه لا يعني أن الزمن التخيلي تحول إلى زمن حقيقي نعيشه أو أنه زمن مواز، ولكن الآثار الناتجة عنه يمكن أن تُلاحظ في الظواهر الطبيعية. فلا يزال في سياق رياضي، لكنه يترك أثرًا فيزيائيا ملموسًا.
لكن المفيد في هذه التجارب أن هذا الرصد يحول الزمن التخيلي من مجرد فكرة رياضية مثيرة إلى ظاهرة قابلة للملاحظة فعليا، ويمكن أن يُستخدم لفهم كيف تتبعثر الموجات الكهرومغناطيسية داخل المواد، ومراقبة التأثيرات الدقيقة على الاتصال ونقل المعلومات.
كذلك يتوقع العلماء أن يساعد هذا الكشف في تحسين تقنيات مثل أجهزة الاستشعار (الحسّاسات) وتخزين البيانات، كما قد يوضح كيف تتلف المعلومات أثناء مرورها عبر مواد مختلفة، كالألياف البصرية وغيرها من الوسائط.