في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
أظهر مقطع فيديو لاقى انتشارا واسعا دخول أفعى إلى أحد المتاجر في إسطنبول، قبل حدوث الزلزال الأخير، الذي ضرب المدينة بقوة 6.2 على مقياس ريختر، وتبعته مجموعة من الهزات الارتدادية الأخف.
أثار ذلك الجدل عما إذا كانت تلك الأفعى قد شعرت بالزلزال قبل وقوعه، والواقع أن الفكرة القائلة إن الحيوانات تشعر بالزلازل قبل وقوعها لها تاريخ طويل مع البشر.
فمثلا في عام 373 قبل الميلاد، سجل المؤرخون في مدينة هيليس اليونانية حادثة غريبة، حيث بدأت الحيوانات التي سكنت تلك المنطقة في اتخاذ سلوك غريب عن المعتاد، تلت ذلك هجرة واسعة كأن الحيوانات تهرب من شيء ما، ثم خلال يومين فقط واجهت المدينة واحدا من أقوى الزلازل في تاريخها.
ناشط يوثق ظهور أفعى في متجر قبل دقائق من زلزال #إسطنبول، فما علاقة ظهور الحيوانات بالزلازل؟#الجزيرة_فيديو pic.twitter.com/voW6BZIZIr
— الجزيرة سوريا (@AJA_Syria) April 24, 2025
وعلى مدى قرون، حُكيت قصص كثيرة من هذا النوع، قادمة من كل الثقافات تقريبا، وفي الصين سُجِّلت من قبل حالات موثقة بشكل جيد بدا فيها أن سلوك الثعابين يختلف بشكل واضح قبل الزلازل.
وفي عام 2007، ذكرت وسائل إعلام رسمية أن الصين ابتكرت نظاما للتنبؤ بالزلازل يعتمد على سلوك الثعابين، وذلك بعد يومين من زلزالين ضربا تايوان المجاورة.
وأفادت صحيفة "تشاينا ديلي" أن مكتب الزلازل في مدينة ناننينغ جنوب شرق الصين، قد طور نظامه باستخدام مزيج من الحدس الطبيعي للحيوانات والتكنولوجيا الحديثة، يحاول التنبؤ بالزلازل.
وراقب خبراء المكتب الثعابين في مزارع الثعابين المحلية عبر كاميرات فيديو متصلة بالإنترنت، في بث يعمل على مدار الساعة، وقد أظهرت الملاحظات أن الثعابين تميل إلى مغادرة أعشاشها وتُبدي حركاتٍ غير منتظمة قبل أيام من الزلازل، حتى خلال أشهر الشتاء الباردة.
ويظل سلوك الحيوانات قبل وأثناء الزلازل محل اهتمام بحثي، فقبل عدة أعوام أشار باحثون من معهد ماكس بلانك لسلوك الحيوان في دراسة سابقة صدرت في دورية "إيثولوجي" أن هذه الظاهرة بالفعل حقيقية.
استخدم هذا الفريق مزرعة إيطالية في منطقة معرضة للزلازل، ثم ربطوا أجهزة في شكل أطواق تقيس تحركات الأبقار والأغنام والكلاب في المزرعة بشكل مستمر على مدى عدة أشهر، واستخدمت أنماط إحصائية لدراسة النمط الطبيعي لسلوك تلك الحيوانات يوما بعد يوم، وتفريقه عن النمط غير الطبيعي.
أظهرت الحيوانات في المزرعة أنماطا سلوكية غير معتادة بدأت قبل 20 ساعة كاملة من حدوث الزلزال.
وخلال هذه الفترة، أبلغت السلطات الرسمية الإيطالية عن وقوع حوالي 18 ألف زلزال في هذه المنطقة، بعضها كان صغيرا جدا في تأثيره والبعض كان ظاهرا، حيث كان هناك 12 زلزالا فقط بقوة 4 درجات أو أعلى.
وأفادت النتائج بأن الحيوانات في المزرعة قد أظهرت أنماطا سلوكية غير معتادة، استمرت لمدة 45 دقيقة على الأقل، وبدأت قبل 20 ساعة كاملة من حدوث الزلزال. وأظهرت الدراسة كذلك أنه كلما اقتربت الحيوانات من مركز الزلزال الوشيك، غيّرت سلوكها في وقت أبكر، مقارنة بالحيوانات التي توجد على مسافات أبعد.
وإلى الآن، لا يزال من غير الواضح كيف يمكن للحيوانات أن تشعر بالزلازل الوشيكة. ولكن من الطرق الممكنة المحتملة هي استشعار نوع من الموجات يسمى "الموجات الأولية"، وهي موجة انضغاطية تنتقل بسرعة ثم تليها "الموجة الثانوية" أو موجة القص، وهي الموجة الكبرى التي نشعر بها.
لا يلاحظ البشر "الموجة الأولية" الصغرى، ولكن يمكن أن تستشعرها الحيوانات قبل البشر.
لكن رغم ذلك، فإن استشعار الموجة الأولية يسمح بالشعور بالزلزال قبل حدوثه بثوان أو دقائق، ولا يصل الأمر لساعات أو حتى يوم كامل كما أشار عالم النفس ستانلي كورين من جامعة بريتش كولومبيا، حيث رصد اضطرابا في سلوك الحيوانات قبل يوم كامل من الزلزال.
ويفترض باحثو معهد ماكس بلانك أن هناك شيئا آخر يتسبب في اضطراب الحيوانات قبل كل تلك الفترة من الزلزال، إذ ربما يتسبب ضغط الصخور قبل الزلزال في تأيين الهواء بشكل تستشعره جلود الحيوانات، أو ربما تتمكن الحيوانات من أن تشم رائحة الغازات المنبعثة من ضغط بلورات الكوارتز قبل وقوع الزلزال.
ويعتقد أن الأفاعي تحديدا تستطيع استشعار الاهتزازات الأرضية المنخفضة التردد من خلال أجسامها، مما يسمح لها باستشعار الحركات الدقيقة في قشرة الأرض.
كما تمتلك تلك الكائنات أعضاء حساسة للأشعة تحت الحمراء، مما يُمكّنها من اكتشاف التغيرات الدقيقة في درجة الحرارة في بيئتها، وباستخدام ألسنتها المتشعبة وعضو جاكوبسون، تستطيع الثعابين التقاط التغيرات الكيميائية في الهواء، التي قد تكون مرتبطة بالنشاط الزلزالي.
لكن في النهاية، فإن الدراسات والأرصاد في هذا النطاق ما زالت أولية، ولا يمكن للعلماء إعطاء تأكيدات بعد، خاصة أن العديد من الأرصاد غير موثق بشكل جيد.
وهناك في هذا السياق نقطة مهمة، وهي أنه حتى مع هذه الأرصاد فلا يمكن استخدام الحيوانات للتنبؤ بحدوث الزلازل، ببساطة لأنه لا يمكن تكرار نتائج استشعارها بقرب الزلزال.
بمعنى أن مجموعة من الحيوانات قد يتغير سلوكها قبيل حدوث زلزال ما، لكنها لا تتصرف بشكل مختلف قبيل حدوث زلزال آخر، كما أن سلوكها يمكن أن يتغير في حالة عدم وجود زلزال على الإطلاق.
وعلى هذا الأساس، تُشير هيئة المسح الجيولوجي الأميركية إلى أنه رغم التقارير القصصية العديدة، لا يوجد دليل متسق وموثوق يربط سلوك الحيوانات بالتنبؤ بالزلازل.